في بلد يعرف بأنه كان مركزاً لتهريب الأسلحة في أواخر التسعينيات، تبقى الشحنات الضخمة من الأسلحة الغربية المنتقلة إلى أوكرانيا مصدر قلق، خشية من احتمال وقوعها بين الأيدي الخطأ.
وقال نيلز دوكيه، مدير معهد "فليميش بيس إنستيتيوت"، "هناك خطر كبير جداً يتعلق بانتشار الأسلحة في أوكرانيا في الوقت الحالي، خصوصاً الصغيرة والخفيفة منها مثل النارية".
وأضاف دوكيه، "من الوهم الاعتقاد أنه في سياق الحرب يمكننا التحكم في الأسلحة المتداولة". وعلى الرغم من أنه "يتفهم" دعم كييف، فإنه يشعر بالقلق إزاء العواقب الطويلة المدى. وأشار إلى أنه في يوغوسلافيا السابقة "ما زالت الأسلحة التي استخدمت قبل ثلاثين عاماً موجودة. لذلك، فإن تلك الأسلحة التي ترونها في أوكرانيا الآن، ستبقى في المنطقة بين أيدي مجموعات مختلفة من الأشخاص ومنظمات إجرامية".
وهو أمر أكده ضابط رفيع في الجيش الفرنسي أعرب عن تخوفه من هذا الاحتمال. وقال لوكالة "فرانس برس"، "عندما نرى عمليات سطو على مصارف بـ(الصاروخ الأميركي) جافلين، لن نكون مسرورين".
منذ بدء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، أعلنت العديد من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، تسليم أسلحة ثقيلة وخفيفة لدعم كييف من أجل مساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد القوات الروسية.
وقدمت واشنطن، أو وعدت بتقديم، من بين معدات أخرى، مئات من "طائرات مسيرة انتحارية" من طراز سويتشبلايد وسبعة آلاف بندقية هجومية، و50 مليون رصاصة وذخيرة متنوعة وصواريخ موجهة بالليزر، وطائرات مسيرة من طراز بوما، ورادارات مضادة للمدفعية وللطائرات المسيرة.
لكن إذا كان هذا الدعم لكييف "مفهوماً" تماماً، من الضروري تقييم "العواقب الأمنية" لعملية نقل الأسلحة هذه، وفق مركز ستيمسون، وهو مؤسسة فكرية أميركية، إذ أشار في مذكرة نشرت في مارس (آذار)، إلى "أننا رأينا مراراً كيف انتهى المطاف بأسلحة موجهة لمساعدة حليف في نزاع ما، على الخطوط الأمامية لساحات معارك غير متوقعة، غالباً في أيدي مجموعات تتعارض مع المصالح الأميركية أو المدنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "وهذا الأمر ينطبق خصوصاً على الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وهي الأكثر عرضة للخسارة أو التحويل إلى السوق غير الشرعية أو لسوء الاستخدام".
ونظراً إلى تاريخ أوكرانيا الحديث، فإن خطر تحويل مسار الأسلحة وارد. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حول العديد من الأسلحة الأوكرانية إلى بلدان ومناطق صراع أخرى.
في عام 2014، ترافق الهجوم الروسي على أوكرانيا مع عملية نهب جديدة لمخزون الأسلحة والذخيرة الأوكرانية، خصوصاً في الشرق وشبه جزيرة القرم.
وفي المجموع، نهبت أو فقدت نحو 300 ألف قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة بين عامي 2013 و2015، وفق مشروع "سمال آرمز سورفيه" التابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية في جنيف. ولم يعثر منذ ذلك الحين إلا على أربعة آلاف منها فقط.
لكن بخلاف التدفقات الخارجية التي شوهدت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تركزت عمليات تهريب الأسلحة بعد عام 2014 بشكل أساسي داخل أوكرانيا، ما أدى إلى تغذية السوق السوداء.
وقال الباحث في المركز، مات شرودر، إن أحد التفسيرات "قد يكون أن الطلب على الأسلحة الخفيفة بقي مرتفعاً في أوكرانيا بعد عام 2015، وهو أمر قد يكون مرتبطاً جزئياً بالصراع الذي لم يحل في شرق البلاد والقلق العام إزاء الظروف الأمنية المحلية".
وأوضح الباحث أن "استعادة هذه الأسلحة والتخلص منها بالشكل الصحيح سيكونان تحدياً حقيقياً".
في الولايات المتحدة، أثيرت مسألة مراقبة المستخدم النهائي للأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا بقلق منذ عام 2020 من قبل المفتش العام للبنتاغون. كما حذرت منظمات غير حكومية، مثل "سيفيليينز إن كونفلكت" (سيفيك)، من عدم وجود "شفافية بشأن تدابير تخفيف الأخطار أو المراقبة التي اتخذتها الولايات المتحدة والدول الأخرى التي ترسل أسلحة إلى أوكرانيا".
والغموض نفسه يحيط بـ"ضمانات حماية المدنيين في مواجهة عمليات نقل الأسلحة هذه"، وفق آني شيل من منظمة "سيفيك"، التي أوصت بـ"إضافة التزامات حقوق الإنسان في شروط بيع الأسلحة"، أو حتى "ضمان أن أي عملية نقل أسلحة تشمل إجراءات مراقبة صارمة". وهذه مهمة تعتبر دقيقة بالنسبة إلى البعض، وتكاد تكون مستحيلة.