"حرصاً على السرية التي قد تعرض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر من عملاء استخبارات لحكومات أجنبية أو منظمات إرهابية"، صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع على مشروع قانون، يسعى إلى حظر الاتصالات بين المنظمات الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين وأجهزة الأمن والاستخبارات الأجنبية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي.
مشروع التعديل القانوني، الذي بادر إليه عضو الكنيست عن حزب الليكود، آفي ديختر، وبحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، يهدف لسد ثغرة في قانون العقوبات تستغلها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لجمع المعلومات الاستخباراتية عن إسرائيل وتشغيل عملاء.
وقالت الصحيفة إن "عدم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة بموجب القانون الإسرائيلي، وشطبها من قائمة التنظيمات الإرهابية، كان سبباً في عدم شملها في القانون الحالي، حيث سيغير التعديل المرتقب التعريف الوارد تحت مفهوم (العميل الأجنبي)، ليشمل أيضاً كيانات خارجية لا تعتبر دولة أو منظمة إرهابية، وسيشمل هذا التعريف السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي وهيئات دولية أخرى، وسيحظر التعديل القانوني إجراء اتصالات مع أجهزتها الاستخبارية التي تعمل من أجل إلحاق الضرر بإسرائيل".
رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قال في وقت سابق لوسائل إعلام إسرائيلية "أدعو مواطني إسرائيل إلى توخي اليقظة حيال هذه المحاولات، لا شك أن الذراع الطويلة لجهاز الدفاع الإسرائيلي ستصل إلى أي شخص يحاول الأضرار بأمن إسرائيل".
تكميم أفواه
في الوقت الذي تحفظت فيه السلطة الفلسطينية على الرد، يرى منتقدو مشروع التعديل، أن القصد الأساسي منه الذي يشمل السلطة الفلسطينية، والاتحاد الأوروبي، هو المس بالمراكز الحقوقية اليسارية، وحركات أو جمعيات وأطر تناهض إسرائيل، فيما يرى مؤيدوه أن "عميل للخارج"، تعريف عمومي، لم يعد يلائم شكل الحلبة الدولية في هذه المرحلة.
وزعمت صحيفة "معاريف" أن منظمة "إلى هنا" اليمينية كشفت خلال السنوات الماضية عن اتصال مواطنين إسرائيليين ومنظمات إسرائيلية يسارية بأجهزة استخبارات السلطة، وبعد تقديم شكاوى إلى الشرطة، تبين أنه ليس بالإمكان مقاضاتهم بسبب الثغرة في القانون.
وبناءً على ذلك، بادرت المنظمة إلى تعديل القانون لإقرار مصطلح "الاتصال بوكلاء استخبارات أجانب يعملون لصالح كيان سياسي أجنبي" بدلاً من مصطلح "الاتصال مع دولة أجنبية"، على النحو المنصوص عليه في قانون الجمعيات.
الباحث والمحلل السياسي عصمت منصور يقول لـ"اندبندنت عربية" إن التعديل القانوني يهدف إلى "إسكات الأصوات النقدية الإسرائيلية الساعية إلى تغيير السياسات الحكومية المجحفة، وفضح ممارسات في إسرائيل داخلياً وخارجياً"، حيث سيعمل على "تجريم نشاطات الحقوقيين والمدنيين الإسرائيليين وشيطنتهم، وربما ملاحقتهم وسجنهم، وكأنهم عملاء يعملون مع قوى خارجية من أجل إسقاط نظام الحكم في إسرائيل". مشيراً إلى أن هناك مؤسسات وجمعيات حقوق إنسان إسرائيلية مشهورة، تتواصل مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها المختلفة للحصول على صور ومعلومات ووثائق تستند إليها لإدانة إسرائيل في تقاريرها الدولية.
ويضيف منصور، "المؤسسات الحكومية الفلسطينية الحيوية، مثل سلطة المياه، ووزارة الجدار والاستيطان، وسلطة الأراضي وغيرها، تمتلك تفاصيل معلومات وبيانات وخرائط عن كم الانتهاكات اليومية الإسرائيلية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وهو ما قد تحتاج إليه مؤسسات أو جمعيات حقوقية، الأمر الذي قد يضعها في دائرة الاستهداف والتجريم".
ويتابع، "أي باحث إسرائيلي وحقوقي وناشط ربما يتواصل مع تلك المؤسسات، بغرض مهني أو بحث ميداني أو حتى لإعداد فيلم وثائقي، قد يتعرض لتهمة عميل لسياسات أجنبية، وقد تصل عقوبتها إلى السجن"، مختتماً، "القانون ببساطة، هو تكميم للأفواه وضرب لمؤسسات المجتمع المدني الإسرائيلية، ومنع وتقييد وإضعاف لحرية التعبير عن الرأي والفكر الذي يدافع عن حقوق الفلسطينيين".
قانون العقوبات
بحسب البند رقم (91) من قانون العقوبات الإسرائيلي لسنة 1977، فالعدو هو "طرف محارب أو في حالة حرب ضد إسرائيل أو يعلن عن نفسه أنه كذلك، سواء أكانت هناك حالة حرب أم لم تكن، وسواء كانت هناك عمليات عدائية عسكرية، وأيضاً تنطيم إرهابي".
ويعتبر القانون حسب البند رقم (111) أن "إيصال معلومة للعدو أو لصالح العدو عن طريقة الإهمال، جريمة تصل عقوبتها السجن الفعلي 3 سنوات"، فيما يحدد البند رقم (114 أ) من القانون ذاته، أن من تواصل مع عميل أجنبي بشكل واعٍ، وليس لديه أي تفسير لذلك فقد تصل عقوبته إلى 15 سنة سجناً.
ولا يشترط القانون حصول النتيجة أو إحداث الضرر، بل يكتفي بالنية نفسها لتجريم العمل، وتتحول التهمة هنا لـ"النية بـإيصال المعلومة".
وبناءً على البند رقم (34 ك ب) من قانون العقوبات، لا تحمل المسؤولية الجنائية لمخالفة ارتكبها شخص، إلا إذا أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك. أما في ما يتعلق بالعلاقة مع "عميل أجنبي وأمن الدولة"، فإن عقوبة المحاولة مساوية لعقوبة الفعل نفسه، إذ يؤكد البند رقم (92) أن "عقوبة من يحاول أن يرتكب مخالفة، بناءً على فصل (أمن الدولة) هي عقوبة موازية للمخالفة نفسها"، أي إن القانون يساوي في العقوبة بين من حاول ارتكاب مخالفة وبين من ارتكبها فعلياً.
المحامية والناشطة الحقوقية جنان عبده، تقول، "تكتفي النيابة بطرح تهمة التواصل مع عميل أجنبي، ويكون على المتهم إثبات براءته. والسؤال المبدئي: براءته من ماذا؟ ومجدداً يطرح السؤال: من هو العميل الأجنبي، وما المعلومات المهمة؟ فهل إرسال صور لبلدة المهجر التي اضطر أهلها لتركها عام 48 بحاراتها وبيوتها من قبل أقاربه هنا يعتبر تهمة؟ هل إذا أرسلت من خلال تطبيق تحديد المكان (لوكيشين) وأنا أسير على شاطئ البحر جريمة؟ وإذا صدف وكان هناك أي مبنى عسكري أو أمني قريب، هل يعتبر ذلك بالنسبة للدولة (نية للمس بأمنها)؟ في هذه الحالة، مثلاً، لو قدمت لائحة اتهام ضدي يكون عليّ كمتهمة أن أثبت براءتي وعدم وجود نية لدي بإيصال معلومة، وهو أمر غير منطقي ولا يتماشى مع مبادئ ومفاهيم القانون الجنائي، ولا قانون العقوبات العام".
وتضيف عبده، "حتى إذا أثبت للمحكمة أن المتهم لم يفعل ولم يقصد أن يفعل شيئاً يؤدي إلى المس بأمن الدولة، على المتهم عبء إثبات براءته، وليس العكس. وهي عملية شبه مستحيلة، وعليه أن يواجه تقارير استخباراتية سرية لا يحق له معرفتها، فحسب البند رقم (116) قد يحكم على من لم يثبت براءته بالسجن الفعلي 7 سنوات أو أكثر، وبإمكان المحكمة فقط زيادة الحكم، وهي عقوبات عالية جداً إذا ما قورنت بعقوبات أخرى في القانون ذاته".
قائمة سوداء
يرى مراقبون، أن مشروع القانون لا يستهدف المؤسسات الإسرائيلية اليسارية فحسب، إنما أيضاً دولاً من الاتحاد الأوروبي تدعم قيم حقوق الإنسان ومؤسساتها، وتنتقد عادةً سياسة الحكومة الإسرائيلية، وأن إحكام الخناق على تلك المنظمات بدأ من "قانون الجمعيات" الذي يضع 23 منظمة يسارية ضمن القائمة السوداء في إسرائيل، وتشمل منظمات حقوق إنسان بارزة، مثل "بتسيلم"، و"كسر الصمت"، و"عير عميم"، "يش دين"، و"اللجنة الشعبية ضد التعذيب"، و"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، لكنها لا تتضمن أياً من المنظمات اليمينية.
ويفرض "قانون الجمعيات" أو ما يعرف بقانون "المنظمات غير الحكومية" الذي صُودق عليه عام 2016 على المؤسسات الأهلية والجمعيات التي تتلقى تبرعات من دول أخرى بما يزيد على 50 في المئة من ميزانيتها، إعلان ذلك ونشره "بالبنط العريض" في كل المراسلات الرسمية والإعلانات، وتقديم كشوف خاصة لمسجل الجمعيات الإسرائيلي، والتصريح في حال شاركت بجلسات لجان الكنيست، بأن الجمعية تتلقى دعماً من قبل دول أخرى.
مدير البحث الميداني في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، كريم جبران، يقول لـ"اندبندنت عربية" إن إسرائيل تهدف لتضييق الخناق أكثر على المنظمات والمؤسسات الحقوقية التي تخالفها في الرأي وتظهر جرائمها بحق الفلسطينيين، سواء بالقوانين أو محاولات تجفيف التمويل أو تشويه السمعة أمام دول العالم.
يضيف، "نحن بطبيعة الحال نعتبر أن إسرائيل تمثل نظام فصل عنصري، ويكمن في جوهر هذا النظام انتهاك منهجي لحقوق الإنسان، لذلك تعمل المنظمة تحت كل الظروف وعلى الرغم من كل القوانين العنصرية لأجل إنهاء هذا النظام، إدراكاً منها أنه بهذه الطريقة فقط، يمكن تحقيق مستقبل يضمن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة لجميع الأفراد، فلسطينيين وإسرائيليين".
واختتم، "على مؤسسات العمل المدني وحقوق الإنسان التي تؤمن برسالتها، عدم الخضوع أو التراجع أو التردد، بل الاستمرار في نشاطها وتطوير استراتيجيات عمل جديدة وبناء شبكة علاقات مع مؤسسات حقوقية دولية، وإطلاع دول العالم بكل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل".
خلق وعي
مناصرو القانون، من بينهم إحدى واضعيه، وهي زيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، قالت خلال إحدى جلسات الكنيست، إنه يهدف إلى خلق وعي عند الجمهور حول التدخل واسع النطاق لحكومات أجنبية في سياسات إسرائيل الداخلية.
واتهم واضعو القانون الجمعيات التي تحصل على تمويلها من حكومات أجنبية بأنها "تمثل في إسرائيل، بصورة غير شفافة، المصالح الخارجية لدول أجنبية"، بينما تدعي الحكومة الإسرائيلية، أن نشاط هذه الحركات والمنظمات يهدف إلى تشويه صورة إسرائيل في العالم وعزلها.
وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وفي حملة ضد الحركات اليسارية والمنظمات الحقوقية، قال عبر تغريدة، "بالنسبة لي (بتسيلم) و(لنكسر الصمت) ليستا تعبيراً عن حرية التعبير، إنما تنشطان طمعاً بالمال". وأضاف، "هذه منظومة تتلقى ملايين الشواكل. ويوجد هنا ضخ مال من مؤسسات وجهات هي الأكثر عداء لدولة إسرائيل. وهذا ليس الاتحاد الأوروبي فقط وليس دولاً فقط. إنها تلك الصناديق التي تمول (حماس). وهي تمول المنظمتين أيضاً".
بدوره، قال أحد مؤسسي حركة "إم ترتسو" اليمينية، إيرز تدمور لموقع "ميدا" الإسرائيلي، إن "الدول الأوروبية تجند آلاف الإسرائيليين الذين يشهرون بدولة إسرائيل في أنحاء العالم، ويحصلون، في المقابل، على رواتب دسمة ودعوات لحضور مؤتمرات معادية لإسرائيل. هذه ليست ديمقراطية، هذا تخريب سياسي. التنظيمات اليسارية قائمة، بصورة مكثفة وكبيرة جداً، على أن تنتهك قواعد أساسية في المجتمع المدني وتشوش العملية الديمقراطية".
وأضاف، "التنظيمات اليسارية تعمل بصورة مرفوضة في خدمة مصالح أجنبية، وحينما يعترض المجتمع الإسرائيلي على ذلك ويتحرك للكشف عن نشاطها هذا، تنهال بالتهديد بأنه إذا ما تجرأنا على فعل ذلك، فستمس هي بمكانة إسرائيل". وتابع، "الدول الأجنبية التي تدير في إسرائيل شبكة واسعة من التنظيمات المدسوسة، تدرك أن التشريع في هذا المجال سيشوش نشاطها ويحد منه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منظمات إرهابية
يذكر أن إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، صنفت ست منظمات غير حكومية فلسطينية في الضفة الغربية "إرهابية"، معتبرةً أنها تشكل غطاءً لترويج أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتمويلها، في قرار دانته السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوقية.
وكان جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي قد قال في مايو (أيار) الماضي، إن لديه أدلة على أن تلك المنظمات المدنية "احتالت وخدعت دولاً أوروبية أسهمت تبرعاتها بملايين اليورو في تمويل أنشطة إرهابية مسلحة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
وقال المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة) إن "استخدام قوانين الإرهاب لا يشكل سوى غطاء قانوني لملاحقة سياسية تميز أنظمة استعمارية واستبدادية"، فيما أكدت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية، تضامنها مع هذه المؤسسات، وقالت إنها "فخورة بعملنا المشترك مع زملائنا الفلسطينيين على مر السنين، وسنواصل القيام بذلك".