Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان... انتخابات الفرصة الأخيرة

ربما تكون آخر المحاولات لإعادة "قوة التوازن" للحياة السياسية

لبناني يقترع في مبنى سفارة بلاده في الرياض (رويترز)

ربما شكل الانسحاب غير المنطقي وغير المبرر لدولة الشيخ سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية القشة التي قصمت ظهر الطائفة السنية في التركيبة السياسية اللبنانية، في مواجهة استحقاقات الانتخابات النيابية، التي يشهدها لبنان خلال الأسبوع المقبل.

فالقوى السياسية السنية في لبنان باتت بين ليلة وضحاها منكشفة على التيارات السياسية كافة، وتهافت القوى التي تريد أن تقتطع جزءاً من إرث تيار المستقبل للرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعدما قرر الرئيس سعد الحريري تعليق مصير طائفة بأكملها ووضعها خارج معادلة السياسة اللبنانية. ويقف حزب الله على رأس هذه القو،ى التي تتسابق على خطب ود السنة بعد تشتت مرجعيتها، وهو يتحرك بهدوء المطمئن بأن تفاحة لبنان الكبيرة ستؤول إليه بعد سقوطها النهائي آجلاً أم عاجلاً.

وخلال الأسبوع الماضي تداعت الرموز السياسية السنية لتدارك الغياب ودحض فرضية عزوف السنة لمجرد أن زعيم تيار المستقبل قرر ذلك، وهو عزوف ستكون له عواقب وخيمة، ولذا تحاول هذه الرموز لملمة الوضع عبر الفتوى، التي أصدرها المرجع السني، بضرورة المشاركة المكثفة في الانتخابات البرلمانية حتى لا يتم اختطاف قرار السنة.

واللافت فعلاً هروع رئيس الجمهورية إلى دار الإفتاء، لأنه كما قال "سمع" أن هناك مقاطعة لدى الطائفة السنية، وهو ما لا يريده، ولا يريد أن تخرج الطائفة من الحياة السياسية لعدم حصول أي اختلال للتوازن، وهو تصريح يقرأ من بين سطوره قلق مغلف بالرسائل السياسية للسنة من قبل حليف حزب الله، الذي كان سبباً في "قضم صلاحيات الحكومة"، والخلافات التي أدت إلى انسحاب الحريري.

واقع الحال أن هذا هو ما ظل يردده رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة خلال الأشهر الماضية، من أن قرار الحريري ستكون له تداعيات كارثية على التوازنات السياسية اللبنانية لسنوات مقبلة. لقد بنى الرئيس السنيورة رصيده الوطني في مجابهة مشروع حزب الله، ويحاول اليوم تنظيم ما يسمى بجبهة السياديين في مواجهة جبهة حزب الله وحلفائه أتباع إيران داخلياً خارجياً.

ويقر السيد السنيورة أن معركة الانتخابات بالغة الصعوبة مع حزب الله، وهو كما صور الوضع بأن الحزب بات اليوم يسيطر على كامل مبنى الوطن، ويمنح الأحزاب الوطنية شقة في ذلك المبنى، بما يعطيه مكتسبات ومنافع وامتيازات، وهو يدير المبنى بتحكم مطلق، ولا يستطيع أحد معارضته، لأنه يتخفى وراء فكرة "الحكم بالتوافق"، التي شلت الحياة السياسية اللبنانية. ولا يتحمل حزب الله تبعات الانهيار العام للدولة ولا الوضع المزري، الذي وصل إليه لبنان.

ويصر السنيورة وغيره من رجالات السنة ورموزها على عدم الارتهان لقرار فردي لتعليق نشاط تيار سياسي كبير ترتبط مصائر لبنان واللبنانيين به، وعدم ترك الساحة من دون مقاومة. ربما تكون هذه هي معركة السياديين الأخيرة ضد أتباع إيران، ولنزع سلاح حزب الله، واستعادة الدولة، والالتزام بالشرعية العربية والدولية.

بين ممكن التدوير ولا ممكن التغيير

المشهد السياسي اللبناني اليوم تعصف به حال سباق غير مسبوق على مقاعد البرلمان الـ128، الموزعة بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وما بينهما 18 طائفة معترف بها رسمياً. فهناك 1043 مرشحاً، بمعدل ثمانية مرشحين لكل مقعد برلماني. ويتسابق لفيف من الأحزاب التقليدية وقوى المجتمع المدني وما يسمى بقوى ثورة 2019، وهي بمجملها قوى لم تتمكن خلال تجربة لبنان الطويلة من تغيير المعادلة الطائفية ونظام المحاصصة في لبنان.

وكانت التظاهرات، التي شهدها لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 قد شكلت إدانة للحكم الطائفي، وفساد الطبقة الحاكمة، وإخفاقات الحكومات المتعاقبة في توفير الخدمات الأساسية للسكان، لكن الزخم الشعبي الذي تخلّق من هذه التظاهرات، التي أطلق عليها البعض "ثورة"، أخفق حتى اللحظة في تقديم بديل سياسي عن القوى التقليدية، أو حتى في تقديم أجندة مشتركة للتغيير، وتوحيد صفوفها، وما زالت التشكيلات السياسية التي تمخضت عن الانتفاضة في مهدها ولا تمتلك الموارد المالية ولا التنظيمية لتحقيق نتائج في هذه الانتخابات.

ويؤكد المراقبون أن شكل البرلمان المقبل سيبقى على تركيبته التقليدية بتعديلات طفيفة هنا أو هناك، مع حفاظ حزب الله على أغلبية ضئيلة، وربما تشهد قوائم القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع بعض النجاحات على حساب تيار الوطني الحر للرئيس عون وصهره جبران باسيل.

ونظراً لتطلع حزب الله لزيادة تغوله في الحياة السياسية اللبنانية عبر تفريخ قوى تابعة له في الامتداد الطائفي، فهو يواجه هذه الأيام تحديات حشد أبناء الطائفة الشيعية في كل لبنان لمحاولة دعم مرشحي التيار الوطني الحر، تابعه ورأس الحربة بمشروعه في الساحة المسيحية.

كما أن حزب الله بحاجة لدعم حليفه في الساحة الشيعية رئيس حركة أمل نبيه بري، الذي بات يعتمد كثيراً على الـخ الأكبر ويخشى ضياع مقعده النيابي في الانتخابات الحالية، ولذلك فإن حزب الله سيحتاج لدفع عناصره للتصويت لصالح بري، نظراً لعزوف أتباع حركة أمل عن المشاركة في الانتخابات، ونظراً لضغوطات الحياة والأزمة الاقتصادية التي تعصف باللبنانيين.

وقد لاحظ بعض المراقبين تركيز حزب الله على تبني بعض الرموز السنية، والدفع بها وتنظيمها لأخذ حجم تنافسي في الساحة السنية، وبدأ منذ بعض الوقت بتجنيد شخصيات سنية موالية لأجندته، تماماً مثلما صنع في العام 2006 مع حليفه رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، الذي يعمل بيدقاً متقدماً في الساحة الدرزية لصالح حزب الله. وبهذا يحاول حزب الله تعويض الخسائر التي قد يمنى بها حليفه المسيحي التيار الوطني الحر في هذه الانتخابات.

سيناريوهات ما بعد الفرصة الأخيرة

فيما تتصارع النخب السياسية اللبنانية على إعادة تدوير نظام المحاصصة الطائفي، يعمد حزب الله على الغوص والتغول الأفقي في المساحة الطائفية، وسيكون لبنان على موعد مع انتخابات عامة ربما تكون آخر المحاولات لإعادة "قوة التوازن" للحياة السياسية اللبنانية، بدلاً من "توازن القوة" الذي يفرضه حزب الله بقوة السلاح، كما أشار الرئيس السنيورة.

وسيترتب على نتائج الانتخابات البرلمانية نتائج الانتخابات الرئاسية، فهل سيكون الرئيس المقبل بيدقاً آخر من بيادق حزب الله في بعبدا، أم سيكون بمقدور اللبنانيين انتخاب رئيس لهم جميعاً يدافع عن سيادة لبنان وتعدديتها ويحمي اللبنانيين من سلاح حزب الله وعصاباته المنفلتة.

تقديرات المراقبين للشأن اللبناني ترجح أنه في حال فشلت جهود اللبنانيين لاستعادة دولتهم، فإن لبنان سيتجه إلى سيناريوهات خطيرة، وربما سيكون أخطرها ارتفاع نبرة الحديث عن الدولة الفيدرالية على أساس طائفي، وإغلاق آخر صفحة في محاولات اللبنانيين لإنجاح مشروع العيش المشترك تحت سقف اتفاق الطائف.

اللبناني البسيط، الذي عصفت به الحياة، وغلاء المعيشة، وانقطاع التيار الكهربائي، وانغلاق الأفق، واليأس من القادم، يراقب منذ قرابة الثلاث سنوات الانهيار الكامل لاقتصاد بلاده، وخسارة الليرة لـ90٪ من قيمتها مقابل الدولار، وتدني مستويات دخل 80٪ من أقرانه إلى مستويات تجاوزت خط الفقر، ولا يجد طريقة لمجابهة الأمر إلا عبر محاولات الهرب من الكابوس اللبناني وتعريض حياته للخطر أثناء الهرب بحراً، كحال من غرقوا الشهر الماضي في قارب قبالة الساحل الطرابلسي شمال لبنان.

أما من فشلوا في الهرب فإنهم يراقبون الانتخابات التي تجري في بلدهم خلال الأسبوع المقبل بمزيج من اللامبالاة والسخرية من أن شيئاً لن يطرأ ليعيد لبنان الذي كان!

المزيد من آراء