Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الذهب" يغتال أفراح المصريين في الأعياد

شهدت محلات الصاغة ركوداً غير مسبوق بعدما قرر الأهالي تأجيل حفلات الزفاف والخطوبة لارتفاع أسعار المعدن الأصفر

قرر بعض المصريين تأجيل قرار الزواج أو الخطوبة حتى إشعار آخر بسبب ارتفاع أسعار الذهب (أ ف ب)

غيرت سلسلة الأحداث العالمية الجيوسياسية والاقتصادية، آخرها الحرب الروسية، من تقاليد اعتادها المصريون منذ عشرات السنين، إذ كان يربط غالبيتهم مواعيد حفلات الخطوبة وعقد القران والزفاف بالمناسبات الدينية، ولعل أبرزها أعياد الفطر والأضحى والميلاد والقيامة.

وقبل ثلاثة أعوام، كان يترقب تجار الذهب الثلث الأخير من رمضان، لزيادة حصيلة المبيعات، فهو الموسم الأبرز لبيع المصوغات الذهبية، التي تقدم للعروس (الشبكة)، إلا أن تلك الفرصة الذهبية أمام التجار أصبحت مهددة بعد تفشي الجائحة العالمية في ديسمبر (كانون الأول) في العالم، قبل أن تضرب القاهرة في مارس (آذار) 2020. وقبل أن يستفيقوا من التداعيات السلبية، تلقى تجار المعدن الأصفر ضربة موجعة أخرى مع نشوب الحرب بين موسكو وكييف في فبراير (شباط) 2022.

ارتفاع الأسعار

وأكد تجار الذهب، في حديثهم إلى "اندبندنت عربية"، أن الوقت الحالي "هو الأسوأ لهم منذ ثلاث سنوات"، بسبب سلسلة الأحداث العالمية والمحلية، وهو ما أكده المستهلكون أيضاً، بعدما أعرض بعضهم عن شراء شبكة الخطوبة، في الوقت الذي أجل آخرون إتمام الخطوبة أو الزيجة أملاً في أن تتحسن الأحوال.

وبشكل مفاجئ، ارتفعت أسعار الذهب خلال الـ48 ساعة الماضية، إذ قال سكرتير شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية، نادي نجيب، إن سعر غرام الذهب الأكثر شعبية عند المصريين (عيار 21) ارتفع نحو 60 جنيهاً (3.2 دولار) للغرام الواحد. مؤكداً أن سعر الغرام الآن يتراوح بين 1150 و1160 جنيهاً (62.7 دولار)، مقارنة بـ1090 جنيهاً (58.96 دولار) حتى مساء الجمعة الماضية.

وأشار نجيب إلى أن سعر غرام الذهب عيار 24 سجل 1308 جنيهات (70.76 دولار)، مقارنة بـ1248 جنيهاً (76.51 دولار)، بينما قفز غرام 14 ليسجل 763 جنيهاً (41.27 دولار)، وصعد عيار 18 إلى 981 جنيهاً (53 دولاراً) للغرام. كما أن سعر الجنيه الذهب (يزن ثمانية غرامات من عيار 21) سجل 9150 جنيهاً (495 دولاراً).

تراجع البيع

وحول إذا كان ارتفاع الأسعار ناتجاً من الإقبال على شراء الهدايا أو الشبكة أثناء أيام عيد الفطر. قال نجيب "الأمر يعود إلى زيادة الإقبال على شراء الذهب الخام والجنيهات الذهبية، وليس لشراء المصوغات التي تقدم كهدايا للخطوبة أو الزواج أو الشراء بشكل عام". وأضاف، "تشهد السوق تراجعاً شديداً في شراء (شبكة العروس) يكاد يصل إلى حد انعدام البيع تماماً في الوقت الحالي، مقارنة بالأيام الأخيرة من رمضان 2019 على سبيل المقارنة، للمرة الأولى منذ عملي بتجارة الذهب لا أبيع فيها دبلة خطوبة واحدة بفروع محلاتي المنتشرة في محافظات مصر".

وأرجع نجيب ذلك إلى تنامي حالة عدم الثقة لدى المستهلكين والخوف من وعلى المستقبل، وهو ما يفسر شراء الذهب الخام سواء سبائك أو جنيهات، باعتبارها الأقل خسارة عند البيع، لأنها لا تفرض عليها التكلفة الإنتاجية (المصنعية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودعم عضو شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية المصرية، محمد أبو السعود، حديث سكرتير شعبة القاهرة، إذ أكد أن الفترة الحالية "تشهد تراجعاً في شراء هدايا الخطوبة والزواج بنسبة تزيد على الـ80 في المئة مقارنة بعام 2019". مشيراً إلى أن هناك حالة من "ضعف الشراء بسبب ارتفاع أسعار الذهب من جانب، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما أثر في قرارات الشراء لدى المستهلكين". لافتاً إلى أن مصنعي الذهب في مصر يحاولون التأثير في المستهلكين، خصوصاً عند شراء "الشبكة" بـ"تخفيف الأوزان مع الحفاظ على عدد القطع التي تتكون منها شبكة العروس".

وحول متوسط أسعار شبكة العروس في الوقت الحالي قال أبو السعود، إن أقل شبكة عروس تتراوح بين 20 ألف جنيه (1082 دولاراً) وتصل إلى 50 ألف جنيه (2705 دولارات)، مضيفاً أن هناك أنواعاً تباع بملايين الجنيهات.

من جانبه، رفض رئيس غرفة صناعة الذهب والمجوهرات باتحاد الصناعات المصرية، إيهاب وصفي، الربط بين تراجع شراء هدايا الخطوبة والزواج والحالة الاقتصادية العالمية التي أثرت تداعياتها في الوضع المحلي. مؤكداً أن "تعاقب مواعيد الامتحانات بالمدارس والجامعات المصرية بعد إجازة عيد الفطر تسبب في إرجاء كثير من المواطنين إقامة حفلات الخطوبة والزيجات إلى موعد آخر إلى ما بعد الامتحانات"، مشيراً إلى أنه "لا علاقة بين الأحداث العالمية وارتفاع معدلات التضخم في الفترة الأخيرة وتراجع معدلات شراء المصوغات الذهبية، خصوصاً في تلك الفترة التي تتسم بالإقبال الشديد على شراء الهدايا أو الشبكة".

وعلى المستوى العالمي، أنهى سعر الأوقية عند 1896.9 دولار، بعدما ارتفع بمقدار 0.13 في المئة في نهاية جلسة تعاملات الجمعة 29 أبريل (نيسان) الحالي وفقاً لبيانات وكالة "بلومبيرغ".

تأجيل الزواج

وفي المقابل تباينت ردود أفعال المستهلكين حيال الأزمة، فبعضهم قرر تأجيل قرار الزواج أو الخطوبة حتى إشعار آخر، بينما تنازل آخرون عن المغالاة في قيمة الشبكة الإجمالية مقابل إتمام الخطوبة أو الزيجة.

أمام محلات الذهب بمنطقة الصاغة في وسط القاهرة شبه الخاوية على غير العادة مقارنة بالسنوات السابقة إلا من أصحاب المحلات وعدد قليل من المواطنين ممن يدرسون قرار الشراء من عدمه، يقول كريم مهندس في العقد الثالث، إنه حدد ورتب حفل خطوبته منذ عدة أشهر ليوافق أيام عيد الفطر، وهو ما دفعه إلى البدء في شراء الشبكة في الوقت الحالي قبل الحفل بأيام، إلا أنه اصطدم بالأسعار المرتفعة نتيجة التداعيات الاقتصادية السلبية التي خلفتها الحرب الروسية ومن قبلها الجائحة العالمية.

ويضيف كريم أنه اتفق مع شريكة عمره على إتمام حفل الخطوبة في موعده على أن تقتصر الشبكة على دبلتي الخطبة فقط، مع وعد بتأجيل شراء باقي مقتنيات الشبكة إلى حفل الزفاف في العام المقبل، أملاً في تغير الأحوال إلى الأفضل. مستدركاً "لا نعلم مدى صحة قرارنا، فمن الممكن أن ترتفع الأسعار أكثر من الوقت الحالي". ويؤكد أننا بشكل عام اتفقنا على أن الأسعار الحالية مبالغ فيه بدرجة كبيرة جداً.

بينما تقول سارة، وهي عروس سيقام حفل خطبتها بعد العيد مباشرة، "فوجئنا بالارتفاع الكبير في أسعار الذهب مع عدم وضوح أي مؤشرات بخصوص المتوقع في الفترة المقبلة، فتصريحات المتخصصين في الصناعة والتجار متضاربة، ومعها لا نستطيع اتخاذ القرار، وبناء على ذلك الوضع قررنا الشراء في إطار المبلغ المتاح، وإن كان سينتج من هذا شراء قطع أقل مما كنا سنرغب في شرائه، فالانتظار يمكن أن ينتج منه ارتفاع أكبر في الأسعار، بالتالي ستكون المشكلة أكبر".

من جانبها، تقول مارينا فوزي، إن غالبية الأقباط يحددون مواعيد الخطوبة والزفاف في أيام عيدي القيامة والميلاد، إذ إن تلك الفترة تلي فترات صيام طويلة يصعب عندها تحديد تلك المناسبة، وتؤكد أن صديقة لها قررت تأجيل الخطوبة إلى العام المقبل، بسبب ارتفاع أسعار الذهب في الوقت الحالي، وتشير إلى أن أسعار الشبكة أصبحت فلكية، وتطالب الأهالي بالتخلي عن العادات القديمة المتوارثة، التي لا تصلح للتطبيق في هذا الزمان بعدم المغالاة في قيمة الشبكة، خصوصاً في ظل هذا الارتفاع الكبير في الأسعار.

الذهب زينة وخزينة

إذا كانت المؤسسات المالية الدولية وكبار مستثمري العالم يروجون للذهب بالقاعدة الاستثمارية العالمية الشهيرة "الذهب هو الملاذ الآمن"، فالمصريون لديهم قواعدهم أيضاً، إذ إن المثل الشعبي المصري يروج للذهب أيضاً بالمثل الشهير "الذهب زينة وخزينة"، فيعتبر غالبية المصريين المعدن الأصفر أداة تزين النساء، لكن في الوقت نفسه أفضل الوسائل للادخار في أوقات الرخاء يمكن الاستفادة به في أوقات الشدة وضيق الحال بالبيع لحفظ قيمة الأموال وزيادتها على المدى البعيد.

تقول سلوى، وهي مدرسة في الثانية والأربعين من عمرها، "أحرص دائماً على شراء بعض المشغولات الذهبية الصغيرة لي وبناتي كلما توافر معي أي فائض من المال، وهكذا كانت تفعل أمي ومعظم سيدات العائلة، فهي الوسيلة الأفضل لحفظ المال مع إمكانية تسييله إلى نقود وقت الحاجة من دون مشكلة، إلا أنه في العام الأخير خصوصاً في الفترة القليلة الماضية ارتفعت أسعار الذهب بشكل لم نشهده من قبل".

وتوضح، "أصبح شراء أي قطعة ذهبية مكلفاً جداً، خصوصاً مع عدم وجود أي مؤشر عن أسعار الذهب في الفترة المقبلة، فأحداث الحرب ثم خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي مع حزمة الإجراءات الاقتصادية في مصر، أبرزها رفع أسعار الفائدة كانت العوامل الفاصلة للتوقف عن شراء المعدن النفيس مؤقتاً حتى تتبدل الأحوال".

ترقب للبيع

ليس فقط قرار شراء الذهب هو المؤجل عند المصريين، إنما البيع أيضاً، فيترقب الناس هل ستزداد الأسعار في الفترة المقبلة أم ستعاود الانخفاض؟ وهل إذا استقرت الأوضاع المتعلقة بأحداث الحرب سينخفض سعر الذهب أم سيعاود الارتفاع لأسباب اقتصادية أخرى؟

يقول خالد، وهو مهندس مصري يعمل في الخارج، "اشتريت بعض الجنيهات الذهبية في العام الماضي لرغبتي في حفظ قيمة مبلغ مالي كنت أنوي استخدامه في شراء منزل خلال إجازتي السنوية في مصر هذا العام، إلا أنني في الوقت الحالي ومع التطورات الأخيرة المتعلقة بأسعار الذهب أصبحت في حيرة، هل أستمر في خطتي لبيع الذهب وشراء العقار أم شهادات الادخار التي طرحتها البنوك الوطنية بسعر عائد 18 في المئة أم أن الأيام المقبلة ستشهد تذبذباً في أسعار الذهب والعقارات على السواء، فالأمر محير، ولا يوجد أي مؤشر يمكن أن نستدل منه على توقعات الفترة القريبة أو البعيدة".

وأعلن البنك المركزي المصري في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية، الاثنين الموافق 21 مارس الماضي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى 9.25 في المئة و10.25 في المئة و9.75 في المئة، على الترتيب، كما رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.75 في المئة.

وجمع بنكا الأهلي المصري ومصر أكثر من 600 مليار جنيه (32.4 مليار دولار) من السيولة المحلية بعدما طرحا شهادة ادخار ذات متوسط عائد يصل إلى 18 في المئة ومدة استحقاق تصل إلى 12 شهراً وبفئات تبدأ من 1000 جنيه (54.10 دولار) ومضاعفاتها في اليوم التالي لقرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة وفقاً لبيانات رسمية.

اقرأ المزيد