أجواء من التوتر عاشتها مدن في الغرب الليبي مع بداية عيد الفطر، بعد فرار عشرات السجناء من سجن بمدينة زوارة، غير بعيد عن الحدود مع تونس، وذلك بالتزامن مع تحركات أمنية لأكبر كتيبة مسلحة في طرابلس في محيط ميناء المدينة.
وبينما تلاحق وزارة الداخلية بالحكومة الموحدة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، العناصر الإجرامية الفارة من سجن زوارة، اتضح أن سبب التحركات المريبة لقوة كبيرة من كتيبة الردع العاصمية في الميناء، كانت لاستقبال شحنة كبيرة من المدرعات العسكرية، محتجزة في الشرق الليبي، وسط جدل كبير بشأنها.
فرار سجناء
قالت مصادر أمنية تابعة لوزارة الداخلية الليبية، إن "سجن مليتة بمدينة زوارة تعرض لهجوم مسلح، الاثنين، أسفر عن هروب 300 سجين مدانين بالقتل وتجارة المخدرات"، دون أن تكشف عن هوية الجهة المنفذة، فيما أكدت مصادر صحافية ليبية أن الهجوم تسبب في مقتل أحد رجال الأمن التابعين لجهاز الشرطة القضائية المكلفة حماية السجن.
ويقع سجن مليتة بقرب مدينة زوارة، على الحدود الليبية مع تونس، وافتتح في يوليو (تموز) 2019، تحت إدارة مؤسسة الإصلاح والتأهيل الحكومية، ويخضع لحراسة جهاز الشرطة القضائية فرع المنطقة الغربية، ويقضي سجناء من جنسيات عدة، بينهم ليبيون، عقوباتهم القانونية فيه.
وزارة الداخلية التابعة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس، شكلت فرق ملاحقة للسجناء الفارين من مليتة، وأعلنت مديرية أمن السهل الغربي، التابعة لها، الثلاثاء، القبض على 15 سجيناً من الفارين، وطالبت المواطنين بالتحلي بروح الوعي والمسؤولية وإبلاغ الجهات الأمنية المتخصصة عن أي معلومات تقود إلى ضبط الفارين من العدالة، وعدم التستر على أي أحد منهم، حتى يتمكن أهل الاختصاص من تطبيق القانون".
معضلة الميليشيات
عملية الهجوم المسلح على سجن في الغرب الليبي، وفرار العشرات من المجرمين الخطرين، جددت النقاش حول قضية انتشار الميليشيات المسلحة في ليبيا، ودورها المحوري في نشر الفوضى وتأزم المشهدين السياسي والأمني.
وشن رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، عز الدين عقيل، هجوماً على الميليشيات المسلحة الليبية، معتبراً إياها "المشكلة الجوهرية في البلاد، ونزع سلاحها وتفكيكها خيار لا غنى عنه من أجل إعادة سيادة الدولة الليبية، وأغفله الغرب خلال الفترة الماضية، على الرغم من أن الدولة لن تصل إلى الاستقرار إلا باحتكارها للقوة القاهرة".
وأشار عقيل إلى أن "بقاء الميليشيات يعني استمرار تأزم الوضع الليبي، بسبب فرض المجموعات المسلحة لسطوتها على المؤسسات العامة، ووضع معاييرها الخاصة لتقلد المناصب، بما يقيد وصول الكفاءات الليبية الحقيقية إلى مراكز الإدارة العامة".
وحذر رئيس حزب الائتلاف الجمهوري من أن خطر تمدد الميليشيات المسلحة يتجاوز المستويين السياسي والأمني، ويسهم في تدمير الاقتصاد أيضاً، موضحاً أن "وجود الميليشيات واحتكارها للسلاح يعنيان عدم الوصول إلى مؤسسة عسكرية موحدة وقوية في البلاد، وسيطرتها على النقد الأجنبي وتجارة العملة وفرضها للإفلاس الفني على البنوك، وتدميرها للاقتصاد الوطني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انفراجة مؤقتة بأزمة النفط
في سياق آخر، شهدت أزمة النفط الليبي التي بدأت الشهر الماضي، انفراجة مؤقتة، بعد أن أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط "رفع حالة القوة القاهرة عن ميناء الزويتينة وعودة العمل فيه بشكل مؤقت، بعد الوصول إلى اتفاق مع الجهات الفاعلة".
وقالت المؤسسة في بيان، إنها "أصدرت تعليماتها للعاملين في الميناء لتحميل الناقلات المتاحة وتفريغ الخزانات، لتفادي أي تسربات قد ينتج عنها كارثة بيئية"، معبرة عن أملها بانتهاء الأزمة قريباً.
وأقفل محتجون مناهضون لرئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد الدبيبة، ميناء الزويتينة النفطي مع عدد من المواقع النفطية الأخرى، الشهر الماضي، مطالبين بتسليم الدبيبة للسلطة لخلفه المعين من البرلمان وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.
من جهته، أدلى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي، طلال الميهوب، بتصريحات مثيرة للجدل، قال فيها إن "ظهور تنظيم داعش في الجنوب، بالتزامن مع وصول عبد الحكيم بلحاج، زعيم القاعدة في ليبيا، مرتبط برسائل واشنطن التي طالبت فيها بفتح الحقول النفطية بشكل فوري". وحذر من احتمال شن جهات، لم يحددها، هجوماً مسلحاً على المواقع النفطية في شرق ليبيا، لكنه قال إن "القوات المسلحة سترد بكل قوة على أية محاولات بضربات موجعة في عقر دارهم".
مبادرة من باشاغا
ومع تواصل حالة الانسداد السياسي في المشهد الليبي، منذ تشكيل البرلمان لحكومة جديدة بديلة عن الحكومة الحالية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، أعلن رئيس وزرائها المكلف فتحي باشاغا، "إطلاق حوار وطني بمبادرة من الحكومة بغية التواصل مع جميع الأطراف والوصول إلى توافق وطني حقيقي، يرسخ مبدأ الحكومة الليبية المتمثل في المشاركة الوطنية الواسعة في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب تضافر الجميع".
وشدد باشاغا في كلمة بمناسبة عيد الفطر، بموقعه الرسمي، على رغبته "التواصل مع الجميع، ومد اليد لكل من يريد بناء دولة محترمة وقوية يسود فيها الرخاء الذي لن يتحقق إلا بالعدل".
وبشأن موعد دخول حكومته للعاصمة طرابلس، قال "التزمنا منذ البداية بمبدأ أساسي، وهو حقن الدماء والحفاظ على أمن العاصمة واستقرارها ورفض الاقتتال والاحتراب مهما كانت الأسباب، مؤمنين بضرورة الحوار وتوضيح وجهة نظر الحكومة لجميع الأطراف".
وأعرب باشاغا عن "تقديره لمخاوف الشباب حاملي السلاح وما تحملوه من مسؤوليات أمنية وعسكرية، في السنوات الماضية"، لكنه أكد أن "الأوان حان لبناء الدولة والثقة في أنفسهم وقدرتهم على بناء بلدهم، فالفوضى الحالية لا يمكن أن تستمر".
ظهور مثير للجدل
في الأثناء، وفي ظهور نادر له منذ مغادرته لمنصبه، أثار المبعوث الأممي المستقيل يان كوبيتش، غضب التيارات المعارضة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، في مقابلة صحافية تمحورت حول رؤيته لتطورات الأوضاع في ليبيا.
واعتبر كوبيتش أنه "لا يمكن إعلان حكومة جديدة في ليبيا إلا بعد إجراء انتخابات بإرادة الشعب الليبي"، قائلاً إن هناك حكومة واحدة فقط في ليبيا، وهي الحكومة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، لأنها المعترف بها دولياً.
وأضاف، "هذه الحكومة شاركت في عديد من الأحداث والاجتماعات الدولية التي تمت المصادقة عليها وإلزامها بفعل شيء للبلاد في مختلف المؤتمرات، بما في ذلك مؤتمر باريس، وفيه كان جميع المشاركين واضحين للغاية بشأن الإتيان بحكومة جديدة بعد الانتخابات في البلاد، لتكون وليدة لعملية شرعية".