Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين الحزن والارتباك والغبطة والفرح... الحياة الخفية لمقدمي الرعاية الشباب  

تعتبر إلي فراي أنّ الجوانب الطبيعية في حياة المراهق، على سبيل الرّغبة في الاندماج وتمضية مزيد من الوقت برفقة الأصدقاء، لا تذهب أدراج الرياح عند الاضطلاع بمهام رعاية شخصٍ آخر، بل تحل محلها أمور ذات معنى أرقى

أخر إحصاء قدر عدد العاملين الشباب في مجال الرعاية عند 166 ألفا لكن هذا العدد يقارب 800 ألفا وفق دراسة حديثة (الاندبندنت) 

مثلي مثل العديد من مقدّمي الرّعاية الشباب، لا يسعني أن أُحدّد لكم لحظة وقوع أمّي أسيرةً في قبضة المرض أو اللحظة التي بدأتُ فيها بمساعدة أمّي وكل ّالأسرة على اجتياز مشاق الحياة اليومية. لكن يسعني أن أستذكر الفترة التي تدهورت فيها صحّة أمي ومكثت فيها طريحة الفراش. فمنذ 10 سنوات تقريباً، مرّت على أمي أسابيع عديدة لم تكن قادرة فيها على الحركة، وكانت تُصارع من أجل شرب رشفة ماء أو تناول كسرة خبز. ومذاك، تغيّر كلّ شيء في حياتي.

صرنا نعلم أنّ أمّي مصابة بـ التهاب الدّماغ والنّخاع المؤلم للعضل (ME)، المعروف سابقاً بمتلازمة التّعب المزمن، وهو مرض مزمن يؤثّر في الجهازين المناعي والعصبي للجسم ويُسبّب الإعاقة مثله مثل التصلّب اللويحي المتعدد وفشل القلب. حتى اليوم، لا يزال التهاب الدّماغ والنّخاع المؤلم للعضل غير قابل للشفاء، ولا تزال عملية تشخيصه بالغة الصعوبة. منذ الواقعة المأساوية وأمّي غير قادرة على السير أكثر من نصف ميل من دون أن تنهار بعدها لأيام. في أفضل الحالات، تُمضي أمي نهارها في المنزل، مستبعدةً أمر الخروج في نزهة. وفي أسوأ الحالات، تمكث في الفراش طوال الوقت، عاجزة عن تحمّل أيّ ضوء أو ضوضاء. وإذ يُمكن لالتهاب الدّماغ والنّخاع المؤلم للعضل أن يؤثّر في القدرات المعرفية للمريض، غالباً ما تختلط الأمور على أمّي وتتعثّر في الكلام عند تبادل أطراف الحديث.

وفي السنوات التي تلت إصابة أمي بالمرض، كنت أُساعدها لتقوم بالمهام اليومية التي حافظت على أسرتي. وهذا يعني بأنني كنتُ أحرص على أن تأكل وتشرب وتتناول أدويتها المسكنّة، وأتولّى عنها المهام المنزلية الأساسية أو أتخلى عن مشاريعي لأُقلّ شقيقتي من المدرسة أو لأعتني بها في عطل نهاية الأسبوع. وهذا يعني أيضاً بأنّه كان عليّ، من سن الـ 14 عاماً، أن أكون قوية لأجل عائلتي، حتى في الأوقات التي لم أكن أشعر فيها بالقوة. 

وبعد الإحصاء الأخير الذي أظهر بلوغ عدد مقدّمي الرعاية الشباب (دون سنّ الثامنة عشرة) حوالى 166 ألفاً في المملكة المتحدة، تأتي الأبحاث الحديثة، لتُشير إلى ارتفاع الرقم الفعليّ إلى حوالى 800 ألف مقدّم رعاية شاب في إنكلترا وحدها، بما يُمثّل 6 مقدّمي رعاية في كلّ صف من صفوف المدارس الثانوية. وعلى الرّغم من ضخامة العدد، غالباً ما يتستر هؤلاء الشباب على التوفيق بين واجباتهم المدرسية ودورهم كمقدّمي رعاية، ويخشون رفع الصوت وطلب المساعدة، الأمر الذي قد يُلقي بثقله على صحتهم العقلية.

وبالنّسبة إلى جمعية "تشايلد لاين" (Childline)، يُمكن تعريف مقدّم الرعاية الشاب بكل بساطة، على أنّه "الشخص الذي يتولّى رعاية شخص آخر"، سواء لأن هذا الشخص مريض أو لأنّه يُعاني من مشاكل نفسية/ إعاقات جسدية، أو لأنه غير قادر على الاهتمام بنفسه جراء تعاطيه المواد المخدّرة. ويُمكن لتقديم الرعاية أن يتراوح بين المهام العمليّة، مثل الطبخ والتنظيف، وبين المهام الجسدية التي تشمل مساعدة الشخص المعني على المشي أو التواصل.

39% من مقدّمي الرعاية الشباب يُقرّون أنّ أحداً في المدرسة لم يكن على علم ودراية بالدور الرعائي الذي كان مُلقاً على عاتقهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حينها، لم أكن أدرك بأنّ دوري كمقدّمة رعاية شابة سيخلف أثراً دامغاً في شخصيّتي. لكن بوجود آلاف مقدّمي الرعاية الشباب المستترين في أنحاء البلاد، ومع التوقعات ببلوغ الثغرة في تمويل الخدمات المخصّصة للأطفال حدّ الـ3.1 مليارات جنيه استرليني بحلول العام 2025، بات من الضّروري اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى التسلّح بالموارد اللازمة لاكتشاف مقدّمي الرعاية الشباب وتمكينهم من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.

فمَن يُقدّم من هؤلاء الشباب 50 ساعة من الرعاية في الأسبوع الواحد، هو أكثر عرضةً بخمس مرات للشكوى من مشاكل صحية مقارنةً بأقرانه. وبحسب دراسة حول مرضى أطباء الصحة العامة لسنة 2017، فإنّ أكثر من ثلث مقدّمي الرعاية الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة) يُعانون من القلق المزمن أو الاكتئاب مقارنةً بغيرهم من البالغين الفتيين.

ومع ذلك، قد يجد العديد من الشباب الذين يأخذون على عاتقهم دور الرعاية، صعوبةً كبيرة في التعريف عن أنفسهم كمقدّمي رعاية، من منطلق أنّه من غير السّهل على أيّ أحد اعتبار حياته غير عادية، في وقت هي كلّ ما عرفه في دنياه.

لوسي تشايلدز، 22 عاماً، عانت الأمرين جراء ثقل الضغوط التي أجبرتها على الموازنة بين دراستها لحيازة علامات متفوّقة بدرجة جيد جداً من جهة، والاعتناء بوالدتها المصابة باضطرابٍ عقليّ حاد من جهةٍ أخرى. لكنّ لوسي كانت مقدّمة رعاية طوال حياتها ولم تعرف يوماً أوضاعاً مختلفة "كان جزء مني يعتقد أنّ الأوضاع التي أعيشها تسري على الجميع، والفرق الوحيد بيني وبين الجميع أنهم كانوا أقدر منّي على التأقلم مع أوضاعهم. لكن عندما أفكّر في الأمر الآن، لم يكن أحد من أصدقائي يمرّ بما كنتُ أمرّ به".

ظلّت لوسي على اعتقادها هذا حتى بلغت الثانية عشر من العمر. حينها، بدأت تلاحظ أنّ الأطفال الآخرين في سنّها لا يُسارعون للعودة من المدرسة إلى البيت للعناية بأهلهم أو أشقائهم – بينما كانت هي تساعد في رعاية شقيقتها الأصغر سناً والمصابة بمتلازمة فرط الحركة وقصور الانتباه (ADHD). "أخفيتُ الأمر عن الجميع، تقول لوسي، خشية أن "تعرف" الخدمات الاجتماعية بنا وتتدخّل لتفريقنا. ففكرة إدخال أمي إلى المستشفى ووضعي مع أختي في دارٍ للرعاية، كانت تُخيفني."

وفي إحصاء أعدّه "صندوق مقدّمي الرعاية" (Carers Trust)، أقرّ 39 في المئة من مقدّمي الرعاية الشباب أنّ أحداً من المدرسة لم يكن على علم بدورهم الرعائي. وعلى الرغم من أن بعضهم كان قادراً على طلب المساعدة، فالأرجح ألا يُقدم عليها، خشية أن يظهر بمظهر العاجز أو أن يُبعد عن الأشخاص الذين يهتم لأمرهم.

وفي هذا الصدد، تُفيد الدكتورة شيري جاكوبسون، المديرة المسؤولة عن عيادة هارلي ثيرابي للاستشارات والمعالجة النفسية في لندن أنّ تكتّم الشباب عن مسؤولياتهم الرّعائية قد يقوض ثقتهم بنفسهم.

وترى الدكتورة جاكوبسون، أن "عيش حياة مزدوجة يُفاقم التباس الهوية الناتج أساساً عن دينامية العلاقة بين مقدّم الرعاية المستقل والشخص المريض، حيث يُمكن لالتباس هوية المرء أن يُولّد لديه شعوراً بالضياع والوحدة. باختصار، كلّما قلّ شعور الواحد منّا بالارتباط بالآخرين، زاد شعوره بالوحدة أو كما لو أنّ ثمة "خطب" جوهري فيه، يتراجع تقديره لذاته".

وعلى الرّغم من وجود قانونٍ نافذ يقضي بإقرار السلطات بوجود مقدّمي الرعاية من الشباب، لا يزال تحديد هوية هؤلاء والتعرّف عليهم وليد الصدفة والحظ. وما لم يتولَّ أحدهم إحالة الأطفال المعنيين إلى الخدمات المختصة، سيظلّ أمر حصولهم على المساعدة منوطاً بمبادرة واحدهم الى طلبها.

يعتني أوليفر دايفيز، 13 عاماً، بشقيقه ليو المصاب بمتلازمة التجنّب المرضي لمطالب الآخرين (PDA) وهي حالة من حالات طيف التوحد. ولطالما أدى دور مقدّم الرعاية لـليو، ولكنّه لم يدرك حقيقة دوره إلا منذ سنوات قليلة. وعلى حد قوله "شاءت الصدف أن تُشارك أمي يوماً في أحد المؤتمرات الكبرى. وفي خلال هذا المؤتمر، التقت بعاملة اجتماعية مختصة بدعم مقدّمي الرعاية الشباب وتبادلت معها أطراف الحديث لتُدرك بعدها أنّ صفة مقدّم الرعاية تنطبق عليّ".

 من أجل رفع الستار عن مقدّمي الرعاية الشباب غير المرئيين في المجتمع، لا بدّ من تعزيز التواصل بين الأشخاص العاملين في مجالات الصحة والتربية والرعاية الاجتماعية. ففي كثير من الأحيان، لا يكون لدى الأطفال أو الشباب الذين يُساعدون أو يؤدّون دور الرعاية في أسرهم أيّ خيار سوى التخلّي عن تعليمهم في سبيل تحمّل مسؤوليات الرعاية – وبحسب الأبحاث الأخيرة، فإنّ 29 في المئة من مقدّمي الرعاية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة، يتركون الكلية أو الجامعة بسبب دورهم الرعائي.

ولا يسَع مقّدمو الرعاية من الأطفال والشباب أن يحظوا على علاوة مقدّم الرعاية إلا إذا كانوا غير متفرّغين لدراستهم ويقدّمون الرعاية لأكثر من 35 ساعة في الأسبوع؛ إذ في مثل هذه الحالة، يجد البعض من الشباب نفسه مضطراً إلى الاختيار بين الدعم المالي والتعليم، الأمر الذي قد يرفع إلى الضعف عدد الذين يتخلون عن دراستهم أو وظيفتهم أو تدريبهم المهني في أوساط من هم في سن بين 16 و18 عاماً. ولكنّه لا يمنع شباب آخرين من مواصلة تعليمهم بمساعدة الخدمات الخاصة بمقدّمي الرعاية، على شاكلة مشروع "روندا سينون تاف لمقدّمي الرعاية" (RCT)، وهو المشروع الذي يُعنى بمقدّمي الرعاية الشباب، وتتولّى إدراته جمعية "أكشين فور تشيلدرن" الخيرية. وبفضله، أدركت لوسي انها ليست وحدها في المهمة الملقاة على عاتقها، بل تمكّنت من التخطيط لمستقبلها كذلك. فهي لطالما كانت طموحة، ولكنّها لم تظنّ يوماً أنّ حلمها بالالتحاق بالجامعة سيتحقّق.

وتقول: "في المكان الذي نشأتُ فيه وترعرت، بإمكان المرء أن يقف عند مسار منطقة تاف وينظر الى الطرف الآخر منه حيث تقع جامعة كارديف. في كلّ مرة كانت تقع عينايّ فيها على الجامعة، كنتُ أُقنع نفسي بأنني سأتمكّن من الالتحاق بها في يومٍ من الأيام. كانت مجرّد حلمٍ بالنسبة إلي؛ لم أعتقد يوماً أنني سأذهب إليها لأنه كان لدي الكثير من الأمور المهمة لأقوم بها، كالاعتناء بأمي مثلاً. ولكن عندما تلقّيتُ خبر قبولي، تأكدتُ بأنّ حلم طفولتي بات حقيقة". 

أما آرثر ليغتون، 24 عاماً، فاعتنى بوالديه مذ كان يبلغ من العمر ست سنوات، ولكنّه عانى الأمرين من أجل الاستحصال على الخدمات التي حظيَت بها لوسي. هو يتحدر من برمنغهام ونقل عائلته إلى يورك عام 2017 ليتسنى له ارتياد الجامعة والاستمرار في رعايتها.

"قبل انتقالنا إلى هنا، حاولتُ الحصول على دعمٍ رعائي لأمي. لكن، بعد مروري على أكثر من موظف وأخصائي، أتى العامل الاجتماعي إلى منزلنا مرة واحدة ولم نره بعدها"، يقول آرثر الذي التمس مساعدة العاملين الاجتماعيين منذ وصوله إلى يورك. وهذا ما منحه الوقت الكافي لمتابعة تعليمه ونيل الشهادة. لكن حتى بعد تلقيه كلّ هذا الدعم، انعكست آثار تعب السنين على صحته متسببةً له بانهيارٍ نفسي.

فبعد تعرّض أمه لتسمّم الدم في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهي الحالة نفسها التي أصابت والده وتسبّبت له بسكتة قلبية قبل عام، تدهورت صحة آرثر الذهنية. "وصلتُ إلى نقطة الانهيار لأنني كنتُ مواظباً على مسؤولياتي منذ سنوات. وفي يومٍ من الأيام، شعرتُ بأنّ الحمل قد زاد عن حدّه"، يُضيف آرثر.

وفي هذا الخصوص، تُعلّق الدكتورة جاكوبسون قائلةً "عندما يمرض أحد الوالدين، لا يعود قادراً على إعالة نفسه ومَن حوله، وهذا ليس خطأه أبداً. لكن من شأن هذا الأمر وحده أن يُسبّب للطفل قلقاً مزمناً. وإذا ما أضفنا إليه انقلاب الأدوار واضطرار الطفل إلى إعالة والده المريض أو والدته المريضة، فإنّه سيجد نفسه مجبراً على الارتقاء إلى مستوى معيّن من النضوج والرشد، من دون أسس الدّعم التي تُمهّد لها الطفولة عادة. إنّه كمّ هائل من التوتر ويمكنه أن يترك عميق الأثر في صورة الطفل عن نفسه".

وإذ لم يكن باستطاعة آرثر أن ينتظر شهوراً عدّة للحصول على موعد علاج من "دائرة الصحة العامة"، لجأ إلى "مركز يورك لمقدّمي الرعاية"، وهو جمعية خيرية محلية وقد ساعدته في التماس التمويل لجلسات استشارية خاصة. من دونها، كان الوضع ليكون أسوأ بكثير ممّا هو عليه. يروي آرثر تجربته قائلاً "لقد حصلتُ من المركز على دعمٍ فردي؛ فهم يرافقونني إلى الاجتماعات ويُساعدونني في كتابة الرسائل، ويتفقّدون أحوالي ويُشركونني في نشاطات اجتماعية أيضاً. الوضع حالياً أفضل ممّا كان عليه من قبل.

حالفني الحظ بما يكفي لأنني تمكّنتُ من الاستمتاع بفترة مراهقة طبيعية نسبياً على الرغم من دوري كمقدّم رعاية. لم أسعَ للحصول على الدعم في تلك المرحلة وكثيراً ما أتساءل كيف كانت الأمور ستختلف لو أنني حظيتُ بالقليل من المساعدة في المنزل. فالخدمات المقدّمة إلى القائمين بالرعاية حيوية ومهمة جداً للشباب، لكن من دون التمويل اللازم، لن تعود كذلك وستُقوّض قدرتها على توفير الدعم للذين هم بأمس الحاجة إليه.

وعلى الرّغم من وجود قانون نافذ لدعم مقدّمي الرعاية الشباب، إلا أنّ إجراءات التقشّف ألقت بثقلها على الخدمات المخصّصة للأطفال. ففي المملكة المتحدة، تراجع التمويل الإجمالي المخصّص للحكومة المحلية إلى النّصف منذ العام 2010. وعليه، تتوقّع "جمعية الحكم المحليّ"(LGA)  أن تتّسع ثغرة التمويل الخاصة بخدمات الأطفال لتبلغ 3.1 مليار جنيه استرليني بحلول العام 2025. وصحيح أن خدمات الأطفال لم تشهد يوماً تخفيضات حادة في الميزانية على قدر مجالس الخدمات الأخرى، لكن مع ذلك تُحذّر الجمعيات الخيرية من عدم حصول بعض مقدّمي الرّعاية الشباب على الدعم الذي يتوخّونه. وفي مسح الميزانية الصّادر عن "جمعية مديري الخدمات الاجتماعية للكبار"(ADASS)   عام 2018، تبيّن أنّ 15 في المئة من المجالس لا تثق بقدرتها على إتمام واجباتها التقييمية تجاه القائمين بالرعاية.

قد تكون نقطة التحوّل من طفل متلقّي الرعاية إلى طفل مقدّم للرعاية، مصحوبةً بالكثير من الحزن والغضب والارتباك. لكن وسط كلّ الصعوبات، كان هذا المنعطف بالنسبة إليّ تعبيراً صارخاً عن التضامن والتعاون والفرح والحب غير المشروط.

ووفقاً لترودي فيشير، منسّق الخدمات في مشروع "روندا سينون تاف لمقدّمي الرعاية"، فإنّ المشروع المموّل من قبل مجلس المنطقة يتّسع عاماً بعد آخر في أعقاب الاقتطاعات على مستوى توفير الخدمات، الأمر الذي كبّد ميزانيّته عجزاً بقيمة 6.59 ملايين جنيه استرليني هذا العام، ودفع بفريق عمله الصغير من موظفين بدوام جزئي، إلى العمل ساعات إضافية حرصاً على تقديم الدعم على مدار الساعة لمقدّمي الرعاية الشباب.

"لا يمكننا أن نقول لمقدّمي الرعاية الشباب إننا لسنا في الخدمة متى واجهتهم مشكلة خارج الدوام. استمرارية المشروع تتوقّف اليوم على حسن نوايا الموظفين المعنيين"، على حد تعبير فيشير.

عندما كنتُ مقدّمة رعاية شابة، غالباً ما عانيتُ من الانقسام بين شعوري بالاستياء لتحمّلي مسؤولية رعاية والدتي أو أشقائي الأصغر سناً، وإحساسي بالذنب لمعرفتي أنه لم تتسنَّ لأمي فرصة الاستمتاع بالاستقلالية التي كنتُ أتوق إليها. فالجوانب الطبيعية في حياة المراهق، على سبيل الرّغبة في الاندماج وتمضية مزيد من الأوقات برفقة الأصدقاء، لا تذهب أدراج الرياح عند الاضطلاع بمهام رعاية شخصٍ آخر، بل يُستعاض  عنها بأمور ذات معنى أرقى.

وها هنا تشرح لوسي كيف كانت علاقتها القوية بأمها وشقيقتها تتغلّب دائماً على رغبتها في العيش في كنف عائلةٍ "طبيعية" "أتذكر عندما كانت تأتي والدة صديقتي لتقلّها من المدرسة وتذهبا معاً لتناول العشاء، وكيف كنت أسأل نفسي عن السبب الذي كان يمنع أسرتي من القيام بالمثل. ولمّا كنت أعود إلى المنزل، كنت أدرك أنّ حياتي إذا كانت مثالية كحياة الآخرين، فإنها لن تناسبني لأنّ عائلتي بكل بساطة أفضل من عائلاتهم على منوالها الخاص".

من خلال حديثي إلى مقدّمي رعاية شباب آخرين، وجدتُ أنّهم، وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية التي فرضت نفسها عليهم، تمكّنوا من كسب حس الفخر والثقة بالنفس من دورهم في تقديم الرعاية؛ وهم اليوم دعاة شرسين لحقوق الشباب الذين يواجهون التحديات نفسها.

وعلى الرغم من أنّ أوليفر يبلغ من العمر 13 عاماً فقط، فهو مصمم على مساعدة مقدّمي الرعاية الآخرين من الشباب. وبصفته عضواً في برلمان شباب ويلز، ألقى أخيراً أمام الجمعية العامة الأولى للبرلمان خطاباً طالب فيه بتحسين مستوى المساعدات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقات. "الكلّ يمزح دائماً ويقول إنني أُشبه كبار السن في تفكيري. والحقيقة أنني كبرتُ بسرعة أكبر من أقراني وأصبحتُ بالتالي أكثر وعياً ومعرفةً منهم".

وبدورها، تعتبر لوسي أنّ مسؤولياتها الكبيرة حين كانت صغيرة لها الفضل في ما هي عليه اليوم. "أتمتع بإيمانٍ عميق في نفسي. وأعلم أنّه مهما ساءت بي الظروف، سأتمكّن من تجاوزها لا محال؛ لأنّ هذا ما تربّيتُ على فعله"، على حد قولها.

قد تكون نقطة التحوّل من طفل متلقٍّ للرعاية إلى طفل مقدّم للرعاية، مصحوبةً بالكثير من الحزن والغضب والارتباك. لكن وسط كلّ الصعوبات، كانت هذه النقطة بالنسبة إليّ تعبيراً صارخاً عن التعاون والفرح والحب غير المشروط. وهذا ما منح عائلتنا القدرة الشديدة والخارقة على التحمّل والمضي قدماً في أحلك الأوقات.

بيد أنّه لا ينبغي بالشباب الذين يتحمّلون مسؤوليات رعاية أن يستمروا في تشخيص أنفسهم؛ هم بحاجة لأن يكونوا في طليعة اهتمامات خدمات الرعاية الاجتماعية وسياساتها: مقدّمو الرعاية الأجراء مرئيون في مجتمعنا. لكن في مقابل هؤلاء، ثمة شريحة مستترة من مقدّمي الرعاية الشباب الذين يتحمّلون المسؤوليات نفسها من دون دعم. وهم في النهاية مجرد أطفال وجدوا أنفسهم مُجبرين على النمو بوتيرةٍ أسرع ممّا ينبغي في أكثر مراحل النمو هشاشةً وأهمية في حياتهم.

من دون مشاريع خيرية على شاكلة "روندا سينون تاف لمقدّمي الرعاية"، لم يكن لمقدّمي الرعاية الشباب على غرار لوسي أن يُعانقوا الاستقلالية والثقة بالنفس اللتين ستمكّنانهم من تحقيق طموحاتهم. لكنّ لوسي، قبل كل شيء، تُعطي علاقتها بأمها والتحديات التي واجهتها أثناء رعايتها لها الفضل في قوّة شخصيتها "مقابل كلّ جانب من جوانب الحياة التي ساعدتُ فيها أمي، جوانب أخرى كثيرة ساعدتني من خلالها لأُكوّن نفسي وأكون الشخص الذي أنا عليه اليوم. من دون مسؤولياتي كمقدّمة رعاية، ما كان من الممكن أن أكون على ما أنا عليه اليوم وما كان من الممكن أن أتطلّع للقيام بالأمور التي أسعى إليها اليوم".

أسبوع مقدّمي الرعاية هو حملة توعية سنوية تُنظّمها جمعية“Carers UK”  بين 10 حزيران (يونيو) و16 منه في المملكة المتحدة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة