Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارك الدراما بين الفلسطينيين وإسرائيل

الحكومة الإسرائيلية رصدت 14 مليون دولار لجذب المسلسلات الأجنبية

 إسرائيل تتهم المسلسلات الفلسطينية بالتحريض على العنف والإرهاب (أ ف ب)

على شكل نصف دائرة، يفترش صهيب الصالحي (13 سنة) الأرض مع أبناء عمومته السبعة يحملقون في شاشة التلفزيون لمشاهدة المسلسل الرمضاني الفلسطيني "قبضة الأحرار"، فمشاهد الأكشن المثيرة المصحوبة بإطلاق النار ورشق الصواريخ ودوي الانفجار أبهرت عيونهم، وحركت فضولهم الطفولي لعدم تفويت أي مشهد، وحولت ليلتهم الربيعية الساكنة إلى ليلة مشحونة بالهتافات والتصفيق.

المسلسل الرمضاني الجديد، الذي أنتجته الدائرة الفنية في حركة "حماس"، واستقطب جمهوراً واسعاً من الفلسطينيين، كان محط أنظار وسخط وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، خصوصا أن قصته مستلهمة من عملية استخباراتية نفذتها وحدة خاصة إسرائيلية في العام 2018 في خان يونس جنوب قطاع غزة. حينها، انتهت العملية باشتباك مسلح أسفر عن مقتل سبعة من نشطاء حركة "حماس"، بينهم قائد ميداني، ومقتل ضابط إسرائيلي.

كما تتناول حلقات المسلسل فساد المجتمع الإسرائيلي ومنطومته السياسية، والمواجهة العسكرية بين الفصائل المسحلة في قطاع غزة وإسرائيل، التي اندلعت في شهر مايو (أيار) من العام الماضي واستمرت 11 يوماً. وأظهر المسلسل الكثير من اللقطات التي صورت داخل مواقع عسكرية فلسطينية سرية، وأيضاً داخل الأنفاق الموجودة تحت الأرض.

تحريض على الإرهاب

القناة "13 الإسرائيلية"، وفي إحدى نشراتها الإخبارية، أشارت إلى أن "حماس تحاول التفوق على إسرائيل في مجال مسلسلات الدراما العسكرية وليس فقط في مجال الصواريخ والأنفاق. إن قناة الأقصى، التي يبث عبرها المسلسل، تضم جملة من البرامج والمسلسلات التحريضية من بينها برامج للأطفال، تريد أن تمرر من خلالها رسائل وأفكار تحريضية عنيفة تؤلب الأطفال الفلسطينيين ضد إسرائيل".

المحلل العسكري، ألون بن دايفيد، قال لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن "حماس تشدد على بث نار التحريض عبر الشبكات، من خلال مسلسلاتها التلفزيونية، كما أن معظم حلقات المسلسل صورت بميزانية هزيلة وبعتاد متهالك. ومعظم الممثلين تلقوا أجراً زهيداً، منتج المسلسل أرسل للدراسة في تركيا على أمل أن يتعلم كيف ينتج الجواب الغزي على فوضى الإسرائيلي".

فلسطينياً وخصوصاً في قطاع غزة، لاقى المسلسل ترحيباً وإشادة واسعة، وأدرج كثيرون مشاهدته في خانة "رد الفعل المقاوم" مع إسرائيل، على حد قول مدير وحدة الإنتاج الفني في "حماس" محمد ثريا، الذي أكد أن مسلسل "قبضة الأحرار"، جاء كرد درامي على مسلسل "فوضى"، الذي تابعه الملايين عبر خدمتي "نتفليكس" و"أبل تي في"، والذي عرض النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مصوراً مغامرات عملاء استخبارات إسرائيليين يتسللون إلى المجتمع الفلسطيني. إذ يُظهر المسلسل الإسرائيلي على مدى الأجزاء الثلاثة، أن الفلسطيني إنسان ساذج، ومهزوم وخائن خائف، وخاضع أمام جبروت المخابرات الإسرائيلية، فيما ظهرت الفصائل الفلسطينية مشرذمة، تلهث وراء فرض السيطرة والسلطة.

حرب الكترونية

وأشار ثريا إلى أن إسرائيل تشن حرباً شرسة على المسلسل والقائمين عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته المختلفة، إذ حذف موقع "يوتيوب" 10 حسابات بثت الحلقات، كما حذفت شركة "ميتا" خمسة حسابات على موقع "فيسبوك" وثلاثة حسابات أخرى على موقع "انستغرام" بسبب بثها حلقات المسلسل، فيما تطورت محاولات قطع البث إلى حد اختراق الهواتف المحمولة لبعض العاملين والممثلين ومسح بيانتهم، وهو ما تسبب بعرقلة النشر بشكل كبير، كما حجبت منصة Google Assistant المعلومات عن حساب الصفحة الرسمية للمسلسل، وحظر التعامل مع البريد الإلكتروني الخاص بالموقع، حتى لا يتمكن فريق العمل من معرفة عدد الزوار.

عمليات الحذف وقطع البث وتقييد النشر طالت أيضاً مسلسل "نصر جلبوع"، الذي يحاكي بشكل أساسي هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي العام الماضي، ويستعرض عملية الحفر والهرب والمطاردة ، كما يسلط الضوء على قضية النطف المهربة للأسرى، وقضايا الإهمال الطبي والابتزاز والتفتيش اليومي والحرمان من النوم والتحقيق والتعذيب، حيث حذف موقع "يوتيوب" منذ بدء بث حلقاته في شهر رمضان، ثلاث قنوات خاصة بالمسلسل بحجة أنه "يتبع لجهات إرهابية ويُغذي العنف،" وذلك بعد تقريرٍ تلفزيوني على القناة 11 الإسرائيلية، قالت فيه إن المسلسل من إنتاج حركة الجهاد الإسلامي التي وصفتها "بالإرهابية والتخريبية".

علي نسمان، أحد أبطال المسلسل، قال لـ "اندبندنت عربية"، ستظل القضية الفلسطينية حاضرة في التلفزيون والدراما والسينما، ولو كره الكارهون، وعلى الرغم من المعاناة المالية والبشرية، وشح الإمكانيات وغياب الدعم والتمويل، وما يتعرض له المخرجون والممثلون الفلسطينيون من تعنت ومحاولات حصار ومنع للنشر والسفر، حققت المسلسلات الفلسطينية على اختلافها منجزاً حقيقياً على مستوى الوطن العربي، وحضوراً دائماً، وحفظت الهوية الوطنية من التشويه، وأصبحت شكلاً من أشكال المواجهة مع إسرائيل".

وأضاف نسمان، "أمام هذا الواقع وحتى يتم تبني تلك الأعمال وتخفيف القيود على نشرها ودعمها مادياً، يبقى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من عمليات الحذف والتقييد، هي خيار المنتجين لنشرها".

 

ترويج الرواية الإسرائيلية

يدعي كثيرون أن عدداً من منصات الدفع مقابل الطلب، وعلى رأسها "نتفليكس"، منحازة لإسرائيل، وأنها تقدم أعمالاً لترويج الرواية الإسرائيلية في قوالب ترفيهية على حساب الفلسطينيين، حيث تظهر القضية الفلسطينية بصفة "إرهاب" وكراهية لليهود، لا بصفتها مسألة تحرر وطني.

واستناداً إلى أطروحةٍ بحثية أعددها الباحث والكاتب إبراهيم عرب، فإن الدراما الإسرائيلية حجزت مكاناً عالمياً لها، من خلال أعمال مثل "فوضى"، و"المختطفون"، إضافة إلى مسلسل "Our Boys"، وكذلك مسلسل "العلاج النفسي Betipul"، وقد أُدرجت هذه الأعمال الثلاثة على لائحة "نيويورك تايمز" لأفضل ثلاثين عملاً تلفزيونياً بين 2010 و2020. ويؤكد الباحث، أن الإنتاج يتميز بجودته العالية وكلفته المتدنية.

بدوره، قال وزير الثقافة الفلسطينية، عاطف أبو سيف، إن "الجبهة الثقافية الفلسطينية يجب أن تكون الأمتن في مواجهة الرواية المضادة، لا أن يكون الفن الخاصرة الرخوة التي يتم من خلالها تمرير الرواية الإسرائيلية المزيفة. على المثقفين والفنانين العمل على تمكين الدراما القومية الرافضة لكل أشكال التزوير والتشويه للوقوف أمام هذا الانزلاق، الذي يشوه صورة الفلسطيني ويخدم الثقافات المضادة".

ولفت المخرج الفلسطيني، بشار النجار، إلى خطورة غياب الدعم والتمويل الذي يشجع الدراما والمسلسلات الفلسطينية على الاستمرار، إذ إن عدداً من البلدان العربية، التي كنا نعتقد أنها صديقة لفلسطين باتت تعتذر عن تقديم الدعم المالي لإنتاج الأعمال الفلسطينية التي تتحدث عن النضال ومقاومة الاحتلال، هناك أجندات معينة تفرض على بعض الفضائيات، تتمثل بعدم بث أي عمل يتناول القضية الفلسطينية، كما أن ضعف شركات الإنتاج في تمويل هذه الأعمال أدى إلى تراجع إنتاج مسلسلات تتناول القضية".

صندوق دعم وتشجيع

نهاية العام الماضي، صادقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لإنشاء صندوق بقيمة 45 مليون شيكل (قرابة 14 مليون دولار) لجذب وتشجيع إنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأجنبية في إسرائيل، تصرف بحسب الموقع الرسمي لمكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية خلال العامين 2022- 2023. وترى إسرائيل بحسب موقع "واللا" الإخباري، أن هذا القرار يأتي كخطوة من شأنها تقوية الاقتصاد، وتعزيز الثقافة والسياحة والعلاقات الخارجية الإسرائيلية، وجذب الإنتاجات الكبيرة التي ستساهم في تحسين صورة إسرائيل وتحويلها إلى واجهة لصناعة الأفلام، كما سيحصل كل عمل أجنبي يتم تصويره في إسرائيل على استرداد بنسبة 25 في المئة من نفقات الإنتاج.

وبحسب البيان الرسمي لوزارة الاقتصاد الوطني، "فإن إسرائيل تتمتع بالعديد من المزايا في مجال صناعة الأفلام والمسلسلات، والتي تجعل منها وجهة مناسبة وجاذبة للمنتجين الأجانب، فهي تمتلك بنية تحتية جيدة يمكنها توفير مرافق وخدمات الإنتاج، إضافة إلى المهنيين المهرة وخريجي مدارس السينما الذين يمكنهم المساهمة في الإنتاجات الأجنبية. ويشير البيان إلى أن خطوة مثل هذه ستكون بمثابة رافعة لتطوير الثقافة الإسرائيلية، والسياحة الداخلية، ومن المتوقع أن تدر ملايين الشواكل على الاقتصاد الإسرائيلي، من الإنتاجات التي سيتم تصويرها، بحيث ستوفر فرص عمل لعشرات الإسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الخطوة أن تسهم في تحسين صورة إسرائيل في العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الوجه الحقيقي

وزيرة الاقتصاد والصناعة، أورنا باربيفاي، بحسب ما جاء في الموقع الرسمي للوزارة، قالت إن "الطريق لتشجيع الإنتاج الأجنبي هو أداة أخرى لتشجيع وتقوية صناعة السينما والتلفزيون الإسرائيلية"، وإن التعاون بين الوزارات الحكومية يعكس الإمكانات الكامنة في المشروع وقدرته على تعزيز الاقتصاد والثقافة والسياحة والعلاقات الخارجية".

وفيما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد أن "الإنتاجات الدولية الأصلية طريقة ممتازة وغير تقليدية لرواية القصة الإسرائيلية، وإظهار الوجه الحقيقي والمتنوع لإسرائيل للعالم". وغرد وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، حول القرار على صفحته الشخصية بـ "فيسبوك" قائلاً إن "الإنتاجات الأجنبية مدعوة للتصوير في إسرائيل. حان الوقت لنرى مواقع التصوير باللونين الأبيض والأزرق".

الكاتب في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، تسنيم القاضي، يرى أن "محاولة إسرائيل التموضع كوجهة لمنتجي الأفلام والمسلسلات تهدف إلى تحدي جهود المقاطعة الاقتصادية والثقافية، وتطبيع وجود إسرائيل الثقافي الذي يؤدي إلى تطبيع حالة العنف التي ترافق وجودها بشكل تلقائي، عبر تجاوزها أو التغاضي عنها أو حتى تحديها، من خلال استئناف الدعوات لإنتاج أعمال فنية في إسرائيل، بعد أن كانت، فيما سبق، مترددة وخجولة أو شبه غائبة، خصوصاً بعد تكرار عدة حوادث لوقف أكثر من عملية تصوير في إثر حرب طارئة تقرر إسرائيل خوضها. وتظهر المحاولة الجادة، هذه المرة، على شكل قانون تسنه الحكومة وتشترك في تنفيذه عدة وزارات وهيئات حكومية، كمحاولة للاستفادة من النجاح الذي لاقته المسلسلات الإسرائيلية التي تبثها نتفليكس، إضافة إلى الاستفادة من موجة التطبيع الأخيرة مع عدد من الدول العربية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة