وثائق مصرية يرجع تاريخها إلى عام 1914، ومخطوطات أثرية سبقتها تعدّت المئويات الخمس في قِدمها، ووثائق أميركية عن التاريخ السري لمصر وأخرى تابعة للسجلات الرسمية للحكومة البريطانية والأسترالية تكشف كواليس لم ترو عن الأحداث التاريخية والسياسية التي شهدها قصر الاتحادية الرئاسي المصري منذ إنشائه على يد العاشق لبلاد الشمس البارون إمبان عام 1910، قادنا إليها تتبع قصاصات المراسلات بين ضباط الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبضع صفحات من مذكرات خاصة لآخرين، ولقطات تاريخية في حقبة زمنية قديمة قِدم صور لف عناصر تكوينها الغموض، قصر لم نجد تفسيراً واضحاً حول تاريخه والأحداث التي دارت فيه لدى عدد من العارفين بالتاريخ وأساتذته، فكان علينا تتبع واقتفاء الأثر لكشف النقاب عن كواليس "الاتحادية" الرئاسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علم أستراليا داخل القصر المصري
علم أسترالي يرفرف أعلى البهو الكبير للقصر الرئاسي المصري، تمتد أسفله عشرات الأسرَّة المغطاة بملاءت بيضاء، يرقد بها عدد كبير من الجرحى، تحيط بهم ممرضات ذوات ملامح غربية، عناصر الصورة مجتمعة كانت محل علامات تعجب بنفس القدر من الاستفهام عن مغزاها، تلك الصورة التقطها شخص عاش في القصر خلال حقبة تاريخية قديمة قدم معالم الصورة، ووثّق كواليسه.
ببحث "اندبندنت عربية" عن تاريخ الصورة وتتبع مصورها الأصلي تبين أنها من ألبوم الأخت سيلينا ماكينزي، الممرضة الأسترالية التي وصلت مصر في أكتوبر عام 1915 على متن سفينة من أسطول جيش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، الذين اتخذوا من مصر قاعدة عسكرية وثقت من خلاله حياتها كممرضة، ما كشف النقاب عن كواليس قصر الاتحادية الرئاسي "فندق هليوبوليس بالاس" آنذاك، وهوية الأحداث التي دارت به في أول حدث تاريخي يشهده منذ إنشائه، حيث تحول إلى المستشفى الأسترالي العام الأول في مصر، بحسب الأرشيف الرسمي للحكومة الأسترالية في وثيقة تحمل الرقم H16956.
520 سريرا هو عدد الأسرة التي ضمها القصر حين تم التخطيط له كمستشفى عسكري في ديسمبر (كانون الأول) 1915، وبحلول يونيو (حزيران) من نفس العام، استوعب حوالي 2500 مريض خلال الحرب، واستقبل المستشفى جنود وضباط الجيوش البريطانية والأسترالية والنيوزيلندية، وكذلك الهندية من جرحى الحرب بالتعاون مع فرق الهلال الأحمر المصري، وتوسع المستشفى ليشمل مباني قريبة من القصر مثل حلبة سباق الخيل، والكازينو، وثكنات الجيش المصري، و"لونا بارك" حتى أصبح مكتب التذاكر مسرحاً للعمليات، وظل القصر يستقبل أعداداً ضخمة من الجرحى إلى أن حدث انفجار في خطوط الصرف الصحي، ووقعت أزمة شديدة تسببت في تعريض حياة مئات الجرحى من أهم الضباط والجنود للموت، ورسائل تهديد أثر ذلك من الأطباء بالتوقف عن العمل في حالة استمرار الأزمة، ومن ثم تدخل الجيش البريطاني وانتهت الأزمة. ليستمر القصر في إنقاذ الآلاف من جرحى الحرب والضباط الذين كان لهم دور مهم في القتال، وعلى رأسهم ضباط سلاح الطيران الحربي.
وبحسب صور يرجع تاريخها للعام 1915 من الأرشيف الرسمي الأسترالي تحمل أرقام H16961 ، H18486 تحولت الغرف الملكية في القصر إلى غرف عمليات وصالة الطعام الكبرى كانت عنبراً للجرحى وتم توزيع الأطباء في الطابق الأول والثاني والثالث، أما الممرضات فسكن الطابق السفلي، وتحولت ساحة حديقة القصر إلى خيام للنقاهة والاستشفاء في الهواء الطلق، تحيطه من الخارج سيارات إسعاف عليها علامات مميزة للجيش الأسترالي.
كان من أهم معالم القصر حينذاك خط سكة حديد بخلاف خطوط الترام المتعارف عليها حاليا، خصص لقطارات نقل الجرحى من الإسكندرية ومواقع الحرب إلى القاهرة، يظهر من خلال صورة تحمل الرقم الأرشيفي A01569 ويرى من خلالها شكل "الهلال" على عربات القطار خلف قصر الاتحادية وفي انتظاره عربات الإسعاف، وتبين أنه قطار تابع للهلال الأحمر المصري يحمل جنودا جرحى من جاليبولي تقلهم عربات إسعاف الجيش الأسترالي إلى القصر.
وبالبحث في المخطوطات القديمة في دار الوثائق المصرية حول أصل البقعة التي ينتمي إليها قصر الاتحادية الرئاسي المصري قبل العام 1914، وخلال المئويات الخمس التي سبقت إنشاءه وجدنا أن مخطوطة يرجع تاريخها إلى 1306 هجريا تصف القاهرة ومدنها، وتحمل عنوان "الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة" لعلي باشا مبارك من المكتبة التيمورية، لم يذكر بها معلومات عن هذا الموقع تحديدا، ليصبح من المرجح أن يكون أصل المكان يعود للحكم الفرعوني لمصر.
الجميلة سيلينا... ممرضة أم ضابط مخابرات؟
توضح العبارات والتواريخ المدونة على صور ألبوم الأخت "ماكينزي" وفق الموقع الرسمي لمتاحف فيكتوريا في أستراليا، وصولها مصر في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1915 للعمل في المستشفى الأسترالي العام الأول في مصر الجديدة، وبالبحث خلال السجلات والوثائق الرسمية بأرشيف الحكومة الأسترالية التي يرجع تاريخها لعام 1914 تبين أنه تم إنشاء المستشفى في 9 ديسمبر (كانون الأول) 1915، وتم تجنيد "ماكينزي" في خدمة تمريض الجيش الأسترالي في ذات التاريخ.
الغريب في الأمر أن "سيلينا" هذه لم تكن مجرد ممرضة عادية، بل تعددت حولها الكثير من العبارات تدل على أنها شخصية ذو طابع خاص، فقد أسند إليها إنشاء المستشفى العسكري الأسترالي الأول في مصر بحسب بعض المعلومات التي ترددت عنها، تزامن ذلك مع التاريخ الذي يؤكد وصولها مصر قبل شهرين من إنشاء المستشفى العسكري نفسه.
الأمر المثير للانتباه هنا أنه عادة ما تسند أمور كهذه إلى أطباء مخضرمين في المجالين الطبي والإداري على حد سواء تابعين للجيش، أيضا بالرغم من أن توزيع الأطباء في المستشفى الأسترالي كان في الطابق الأول والثاني والثالث، أما التمريض في الدور السفلي ولكن ماكينزي بحسب صور تجمعها بصديقتها داخل غرفتها، كان يطابق تصميمها تصميم غرف الطوابق العلوية للقصر، وتبين أنها تسكن الغرف العلوية باستثناء الأخريات.
طراز الكاميرا أيضا (NO. 1 Kodak JR) التي كانت تحملها "ماكينزي" والتي تبقت مع متعلقاتها الشخصية يشي بقدرة مادية ليست متواضعة، حيث كان امتلاك كاميرا لدى المواطن الأسترالي العادي في ذلك الوقت ليس بالسهل.
وبتتبع مسيرتها تبين تنقلها المستمر بين المستشفيات العسكرية في دول متعددة مثل إيطاليا ونيوزلاندا وبريطانيا وفرنسا، عقب مغادرتها مصر في فبراير (شباط) 1916 وحتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، أيضا حصول "ليل ماكينزي" على العديد من الأوسمة مثل جائزة الصليب الأحمر الملكي الثاني عن خدمتها في إيطاليا وحصولها على نجمة الحرب 1914-1915، وميدالية الحرب البريطانية، ونيلها "وسام فيكتوريا" الذي يعد أرفع الأوسمة العسكرية التي تمنحها المملكة المتحدة، الذي منحته لعدد محدود من ضباط الجيش المصري والجيوش المشاركة في الحرب العالمية، لما كان لدورهم من تحول مهم وسبب رئيسي في الانتصار، وغير ذلك من التكريم الاستثنائي الذي حظيت به على خلاف مثيلاتها كان يشير إلى طبيعتها الخاصة ودورها الاستثنائي.
قادتنا تلك المؤشرات للبحث حول "ليل ماكينزي" أكثر لينتهي إلى الوصول لعدد من الرسائل المكتوبة بخط يدها عثر عليها خلال الحرب العالمية الثانية مخبأة بعناية، مرسلة منها إلى شخص يدعى "رويس فيليبس"، تتحدث فيها حول أوضاع الحرب وإنتاجية المصانع التي تخدم العمليات الحربية ومعلومات عن إنتاج الطائرات المقاتلة، وغيرها من معلومات لا تمت لمهنة التمريض بصلة، وتبين أن "رويس فيليبس" ضابط حربي شغل منصب رائد الطائرات في سلاح الجو الملكي الأسترالي، بحسب رقم الخدمة الخاص به 47290 وفق سجلات الحكومة الأسترالية ويتبع أجهزة الأمن القومي (العام).
غادرت "سيلينا" الجميلة "قصر الاتحادية" تاركة مصر، وظلت علامات الاستفهام حول تلك الممرضة وعلاقتها بأجهزة مخابرات الجيش الأسترالي والبريطاني ودورها المحوري داخل قصر الاتحادية أو المستشفى العسكري آنذاك، ومدى علاقتها بتأمين وتسهيل الاجتماعات السرية لضباط الجيش داخل المستشفى مع عدد من الضباط من ذوي المناصب المهمة في الجيش خلال مرحلة نقاهتهم، واستخدامها كحلقة وصل بين ما يدور من نقاشات بين الجرحى من الضباط والجنود وبين قيادات الجيش خلال وجودها المستمر بينهم بشكل طبيعي كممرضة.
اجتماعات سرية واستعدادات حربية داخل القصر
(صورة تحمل الرقم الأرشيفي p10997) تضم فرقاً مصطفة من جنود وضباط الجيش بخلاف الجرحى والمرضى الذين يتلقون بعض المهام بالرغم من كون المنشأة مستشفى فقط، ما يدل على أن القصر آنذاك كان ظاهريا مستشفى عسكريا، بينما كان يتم استخدامه أيضا في الخطط والاستعدادات الحربية، كما كان قرب المقر الخاص بالنقاهه للضباط الذين شغلوا مناصب مهمة، وعولجوا في المستشفى العسكري، ما يجعل من قصر هليوبوليس بالاس مقرا استراتيجيا للاجتماعات السرية لضباط جيش الحلفاء من الجيش الأسترالي والهندي والبريطاني.
مصر تغير مسار الحرب العالمية الأولى
لم يقف الدور الذي لعبه "قصر الاتحادية" منذ إنشائه عند كونه مسرحا يجمع أبرز ضباط الجيش الذين كان لهم دور استثنائي في الحرب العالمية الأولى، الحدث الأهم الذي غيّر مصير العالم وخريطته ووضع الكلمة الأخيرة في تاريخ مصر مع الحكم العثماني، فلم تستمر مصر حينها كقاعدة عسكرية فقط لجيوش الحلفاء كما يظن البعض، فبتاريخ 3 أغسطس (آب) 1914 بحسب وحدة الميكروفيلم بدار الوثائق المصرية جاء مانشيت الصحف المصرية في الأهرام، واللطائف المصورة، والأخبار تحت عنوان "مصر في الحرب الكبرى" وتغطيات موسعة من الأخبار التي تمحورت حول حالة الحرب ومشاركة مصر فيها على جميع الأصعدة، وبتاريخ 7 أغسطس تترك مصر الحياد وتعلن الأحكام العرفية في القطر المصري وتتأهب كامل مؤسسات الدولة للمشاركة في الحرب من مد الطرق وإنشاء السكك الحديدية التي تخدم الجنود، وتأهب الهلال الأحمر بكل طاقاته للتعاون مع هيئة الصليب الأحمر الدولي وجمع التبرعات من بكوات مصر والعديد من الاستعدادات الحربية للجيش المصري.
والأهم أن مصر لم تكن مشاركة في الحرب تقليدية كما يظن البعض الآخر، بل كانت سبباً رئيسياً فى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، فبحسب ميكروفيلم دار الوثائق المصرية وموقع أرشيف الحكومة البريطانية، حاربت مصر جنبا إلى جنب مع بريطانيا، وبعد التفوق العسكري الذي أحرزته والدور الاستثنائي لفيلق العمال المصريين وفيلق الجمالة وتفوق فرق الجيش في مواقع القتال المختلفة دفع ذلك قائد الجيوش البريطانية للإشادة بالتفوق العسكري للجيوش المصرية وشجاعتهم ومنح عددا من الضباط المصريين أهم الأوسمة العسكرية "وسام فيكتوريا" وكان على رأسهم الملازم أول علي بكري والملازم أول خليل جبور.
2395 ضريحا تخرج من قصر "الاتحادية"
وبالبحث في ميكروفيلم الوثائق المصرية التي يرجع تاريخها إلى 1939 بداية الحرب العالمية الثانية تبين أن قصر الاتحادية تم تحويله للمرة الثانية إلى مستشفى عسكري ولكن في تلك المرة كانت للجيش البريطاني وليس الأسترالي، وذلك بعد القرار الصادر عن الملك وضع ما يلزم من الأراضي والمباني تحت تصرف السلطات البريطانية دون مقابل أو بأجر زهيد، وكان للشعب المصري دور مهم في دعم جرحى الحرب من خلال جمعية الشبان المسلمين بالتعاون مع مدرسة علم الصحة العسكرية، بقيادة الدكتور عاذر دميان، اللذين كان لهما دور مهم في تدريب العديد من الشباب المتطوعين في المستشفيات العسكرية من بينها المستشفى العسكري بالقصر المصري، وإعلان حالة طوارئ في أرجاء البلاد حسبما جاء في صحيفة الأخبار في 25 سبتمبر (أيلول) 1939 بإخلاء القاهرة في حالة الطوارئ.
وحسبما أفادتنا هيئة الكومنولث البريطانية لمقابر الحرب من خلال ما أمدتنا من سجلاتها، أكدت أن هناك مقبرتين هما مقبرة "هليوبوليس" ومقبرة القاهرة التذكارية للحرب ضمت الأولى قتلى الحرب العالمية الثانية فقط وعددهم 1788 بينما ضمت مقبرة القاهرة التذكارية للحرب 2395 قتيلا، كان حصيلة الحرب العالمية الأولى منهم 2058 و342 حصيلة قتلى الحرب العالمية الثانية، خرج معظمهم من قصر الاتحادية حين كان مستشفى لجرحى جيوش الحلفاء في الحربين العالميتين.
وبحسب الوثائق تعددت جنسيات القتلى بين 7 جنسيات مختلفة، بينهم 1645 من المملكة المتحدة و513 من أستراليا، و208 من نيوزلاندا، و15 من جنوب أفريقيا، و14 هنديا، و4 كنديين وبولندي، تباينت مواقع الخدمة التي عملوا بها فمنهم 2233 من أفراد المشاة بالجيش، و129 من سلاح الطيران الجوي، و31 من سلاح البحرية، و7 تباينت خدمتهم ما بين سائق وطباخ، وغير ذلك من الأعمال الخدمية لقوات الجيش، ليصبح قصر الاتحادية الرئاسي للمرة الثانية واحدا من أهم المواقع التاريخية الذي ضم أبرز الضباط والجنود الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية وكان مسرحا للأحداث التي غيرت خريطة العالم ومراكز القوى فيها.
الحرب والتاريخ السري لمصر
على مشارف انتهاء الحرب العالمية الثانية قرر الملك فاروق إقالة النحاس وبعث إلى بريطانيا يستأذنها في رغبته عزل حكومة النحاس باشا فترفض بريطانيا بحسب الوثائق الأميركية التي استند إليها المصري محسن محمد في دراسة أجراها بعنوان "التاريخ السري لمصر"، وترد إلى القصر برقية بالرفض من بريطانيا، ويستمر النحاس رغما عن إرادة فاروق، وتكون اليد العليا على مصر بأمر من بريطانيا كما هو معروف، ولكن المثير في هذه الوثائق أن تأليف حكومة أحمد ماهر كان بتدخل مباشر من أميركا وكانت جميع شؤون الدولة العليا حينها يتم الرجوع فيها إلى أميركا وبريطانيا على حد سواء.
تتدهور الأحوال السياسية وتنهي ثورة 23 يوليو (تموز) الملكية في مصر، لتصبح جمهورية ويأتي تحول آخر في تاريخ القصر الرئاسي المصري فيتسلم "الاتحادية" الضباط الأحرار ويتحول مقراً مؤقتاً لمجلس قيادة الثورة، ويتم عمل رسومات هندسية له لتجهيزه مقرا دائما، ثم تتوقف التجهيزات، حسبما أفادنا اللواء مهندس شفيق البنا الذي عمل بالمكتب الفني لرئاسة الجمهورية منذ نهاية عهد جمال عبد الناصر، والذي تسلم فيما بعد الملف الخاص بالقصور الرئاسية والرسوم الهندسية الخاصة بالقصر في مراحله المختلفة.
يحكم بعدها عبد الناصر مصر من قصر القبة، ثم يظهر شريان تاريخي يربط بين "القبة" و"الاتحادية" يحكم من خلاله عبد الناصر مصر وسوريا وليبيا في جمهورية عربية متحدة، ليصبح رئيسا لها ويصبح "قصر الاتحادية" مقرا للوزراء المركزيين لاتحاد الجمهوريات الثلاث في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 1958 بحسب ميكروفيلم الوثائق المصرية، وضم قصر الاتحادية حينذاك 50 وزيرا مركزيا، و3 مجالس وزراء للجمهورية العربية المتحدة، مقسمين 21 وزيرا في الوزارة الاتحادية، بينهم 7 من الإقليم السوري و15 في المجلس التنفيذي لمصر و14 في المجلس التنفيذي لسوريا كما ضم مكتب محمد أنور السادات كنائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة حينذاك.
يلقي عبد الناصر خطابا رسميا من "الاتحادية" في مؤتمر صحافي تمهيدا لتحويله مقرا رسميا لرئاسة الجمهورية ليحكم منه مصر، ويتم التخطيط له وعمل رسوم هندسية للتعديلات الجديدة، ولكن يظهر حدث استثنائي يوقف التجهيزات بدخول مصر حرب يونيو (حزيران) 1967، ووضع جميع المخصصات المالية بتجهيزه لشراء الأسلحة والاستعدادات الحربية.
الجمهورية الاتحادية وتقارير جهاز المخابرات السرية
أسلحة مدرعة، ومدمرات، وكاسحات ألغام، ووحدات رادار، ومجموعة طائرات هليكوبتر لمقاومة الغواصات، ومدفعية مضادة للطائرات، و10 زوارق طوربيد، ومجموعة من قوارب إنزال الجنود، وسربان من المقاتلات النفاثة التي تستعمل في نفس الوقت كقاذفات قنابل، وأخيرا غواصتان صناعة بريطانية، هذا ما وصل قصر الاتحادية الرئاسي المصري في تقارير للمخابرات مطلع أكتوبر 1958 عن صفقة الأسلحة التي أبرمت في لندن بين جولدا مائير وزير خارجية إسرائيل و"سوين لويد" وزير خارجية بريطانيا في صفقة تقدر بخمسين مليون جنيه حينها، وفقا لميكروفيلم دار الوثائق المصرية.
كان هذا واحدا من أهم التقارير السرية التي وصلت قصر الاتحادية بعد تحويله مقرا للوزارات المركزية، وقد تلقته الدوائر المسؤولة وتم عقد اجتماعات طارئة عقب وصوله يرأسها عبد الناصر في 9 أكتوبر، وخروجه باعتراض شديد اللهجة على الصفقة المبرمة بين الجانبين، وصدور مانشيت عريض لعدد الأهرام في 10 أكتوبر 1958 بعنوان "القاهرة لن تسكت"، وأخبار تشرح غضب الرئيس جمال عبد الناصر، تليها معلومات عن اجتماعات مستمرة للرد على بريطانيا بعد مواصلة إمداد إسرائيل بالأسلحة، التي اعتبرها "عبد الناصر" تهديدا للقومية العربية لا يجب السكوت عنها، يتزامن في نفس الوقت اجتماعات على الجانب الآخر في مقر الوزارة البريطانية تدرس احتمالات ردود الفعل من الجمهورية العربية المتحدة.
تقرير آخر يصل القصر بقائمة الإذاعات السرية الموجهة ضد اتحاد الجمهوريات الثلاث تصل الدكتور محمود فوزي وزير خارجة الجمهورية العربية، ويقوم بدوره بتقديمه إلى الأمم المتحدة للتحقيق فيه من قِبل المنظمة الدولية، وتتواصل الأحداث التي شهدها قصر الاتحادية خلال حكم عبد الناصر لمصر، يتخللها أزمة تواجه استمرار الحكومة في قصر هليوبوليس (الاتحادية حاليا) ، وتنتقل الوزارة المركزية منه إلى مقر مجلس الأمة مؤقتا لحين حل الأزمة التي انتهت رسميا في 15 أكتوبر 1958 بقرار نهائي أن يصبح فندق هليوبوليس بالاس مقرا للوزارة المركزية ومكاتب مؤقتة بمبنى مجلس الأمة، يباشر الوزراء المركزيون ونواب الرئيس وعلى رأسهم أنور السادات أعمالهم منها، وفي 23 أكتوبر سلّمت شركة مصر الجديدة فندق هليوبوليس بالاس إلى إدارة القصر الجمهوري، وانتشر الحرس الجمهوري حول القصر، وأُخلي من النزلاء وأصحاب الفتارين والعمال ليسمى منذ هذا التاريخ قصر الاتحادية نسبة إلى الجمهورية العربية المتحدة.
تعود موجة جديدة من الأحداث داخل قصر الاتحادية، ويأتي الرد من الجمهورية المتحدة على التقرير الاستخباراتي عن الصفقة المبرمة بين إسرائيل وبريطانيا بعقد صفقة أسلحة تقدر بـ250 مليون دولار، وفي واشنطن بتاريخ 29 أكتوبر 1958 تم الإعلان على لسان مسؤولين أميركيين أن هناك تقارير مخابراتية أميركية تؤكد عقد صفقة بين الجمهورية العربية المتحدة وتشيكوسلوفاكيا بما يقدر بـ250 مليون دولار من الدبابات والطائرات وأنواع أخرى من العتاد، وأنها في سبيلها للحصول على المزيد من الأسلحة، ليأتي عقب ذلك التاريخ مباشرة خبر يؤكد تلك المعلومات في 31 أكتوبر 1958 بالأهرام تحت عنوان "القاهرة مستعدة لكل الاحتمالات وقد اتخذت للموقف عدته"، وهنا يصل قصر الاتحادية تقرير آخر عن التوتر في صفوف الجيش الإسرائيلي من خلال تعليمات من "بن غوريون" رئيس وزرائهم آنذاك بحاجته المُلحة لأن يستخدم الجيش جميع الطاقة البشرية التي يمتكلها وتجنيد الرعايا الإسرائيليين المقيمين في الخارج، واقتراحه تعديل قانون الخدمة العسكرية بحيث يمتد ليشمل الأشخاص الذين تخلفوا في إسرائيل ويحملون تأشيرة سياحية، وعلمت إسرائيل حينها بحسب ما نشر في الجرائد الإسرائيلية أن أي عدوان على مصر أو الوطن العربي سيكون هناك ردٌّ رادعٌ من "عبد الناصر" والحكومة العربية المتحدة، يستمر السجال بين الجانبين ويظل قصر الاتحادية شاهدا على أهم الأحداث الفارقة التي مرت على مصر والعالم العربي في الحقبة التاريخية التي حكم فيها عبد الناصر.