Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة "الحجاب" تخيم على سباق الجولة الثانية نحو الإليزيه

مارين لوبن تتمسك بمواقفها المتشددة وماكرون يناور وعينه على أصوات الجاليات المسلمة

مع دخول سباق الانتخابات الرئاسية في فرنسا أمتاره الأخيرة، تشتعل المواجهة بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، على وقع احتدام الخلافات في قضايا وملفات لطالما كانت محل جدل وإثارة داخل المجتمع الفرنسي.

وقبل أيام معدودة من حسم معركة الإليزيه في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 24 أبريل (نيسان) الحالي، سيطرت قضية "الحجاب" على مساحة كبيرة من النقاش الدائر، لا سيما مع اعتبار لوبن "حظره ضرورياً" ووصفه بأنه "زي إسلامي متطرف". في المقابل، رفض ماكرون هذا التوجه، قائلاً إنه من "الحريات الدينية"، وحال "حظّرت لوبن الحجاب، فسيتعيّن عليها حظر القلنسوة اليهودية والصليب والرموز الدينية الأخرى".

وتتصاعد معركة الحجاب بموازاة قضايا أخرى تخيّم على المشهد كالهجرة والنزعة الإسلامية والاقتصاد والتضخم، في وقت يسعى كل مرشح إلى حشد أصوات الناخبين لحسم المعركة، إذ تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى اشتداد المنافسة مع وجود هامش تقدّم قليل للرئيس المنتهية ولايته (مؤسس حزب "الجمهورية إلى الأمام") الليبرالي الوسطي، على زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبن، بحصوله على نسبة تتراوح بين 53 و55 في المئة.

وعلى الرغم من موقفها المعادي للهجرة والحجاب والمسلمين، تسعى مرشحة اليمين المتطرف إلى إلحاق الهزيمة بماكرون وإحداث أكبر خرق في تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة، في وقت تزداد مخاوف المجتمع الإسلامي في فرنسا، الذي صوّت بنسبة 70 في المئة بالجولة الأولى من الانتخابات لصالح مرشح اليسار الردايكالي جان لوك ميلانشون، بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد "إيفوب" الفرنسي للدراسات.

جدل حول الحجاب

ملف الإسلام عاد في الأيام الأخيرة من الانتخابات الفرنسية إلى دائرة الضوء ولكن هذه المرة من زاوية "ارتداء الحجاب" للمسلمات، وعليه تبادل ماكرون ولوبن الاتهامات حوله.

وأمس الجمعة، وخلال زيارة مفاجئة لسوق في بيرتوي (جنوب شرقي البلاد)، واجهت لوبن نساء محجبات عدة، وشددت على أن "حظر الحجاب ضروري"، واعتبرته "زياً" إسلامياً متطرفاً.

وفي سجالها مع إحدى السيدات المسلمات، قالت لوبن إنه في "بعض المناطق" في فرنسا يتم "عزل" النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب وتتم "محاكمتهن"، لتردّ عليها المرأة وهي تضحك وتشكك بصحة تصريحاتها، قائلة "هذا ليس صحيحاً"، ومضيفة أن والدها حارب من أجل فرنسا في الجيش لمدة 15 عاماً. وأنهت لوبن الحديث وهي تلوّح مبتسمة. كذلك نقل تلفزيون "بي أف أم" الفرنسي عن لوبن في مقابلة الجمعة قولها إن "الحجاب فرضه الإسلاميون"، واصفة إياه بأنه "زيّ موحد".

وهذه ليست المرة الأولى التي تثير بشأنها لوبن الجدل حول الحجاب، إذ تتمسك المرشحة اليمينية المعادية للهجرة بتشددها حياله، وتقول إنه "في حال انتخابها، فإنها ستفرض غرامة على النساء اللواتي يضعنه في الأماكن العامة مثل مخالفة المرور". وفي يناير (كانون الثاني) 2021، قدّمت لوبن مقترح قانون حول منع "الأيديولوجيات الإسلاموية"، في إطار مساعي "التجمع الوطني" لحظر "أزيائها" في الفضاء العام، وأبرزها حجاب الرأس، إذ يرى "التجمع الوطني"، حجاب الرأس "رمزاً دينياً لا يتناسب مع علمانية الدولة الفرنسية".

كذلك تتشدد لوبن في ملفات إسلامية أخرى، إذ وعدت حال وصولها إلى قصر الإليزيه بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا، ومنع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه "حلال"، أو وفق الديانة اليهودية.

 

في المقابل، استغل ماكرون موقف لوبن، قائلاً إن "سياساتها لا تختلف عن الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان ماري لوبن"، مقدّماً نفسه على أنه مدافع عن الحريات الدينية، ومشدداً على أن "حظر الحجاب سيعني دستورياً منع جميع الرموز الدينية، بما في ذلك القلنسوة اليهودية والصليب".

وفي أكثر من مناسبة كذلك، أعاد ماكرون موقفه خلال الأيام الأخيرة بشأن القضية ذاتها، إذ سأل خلال زيارة الثلاثاء إلى مدينة ستراسبورغ (شرق) ضمن جولة للقاء الناخبين، سيدة محجبة إن "كانت تضع الحجاب قسراً أو بقرار منها، وأجابت المرأة أنه خياري بشكل تام"، بينما تباهت بالتعريف عن نفسها بأنها نسوية. وردّ ماكرون عليها في إشارة واضحة إلى خطة لوبن، "هذا أفضل رد على الهراء الذي كنت أسمعه".

وذهب ماكرون أبعد من ذلك الخميس خلال زيارة إلى مدينة لو هافر الساحلية الشمالية، قائلاً "لا توجد دولة واحدة في العالم تحظر الحجاب في الأماكن العامة. هل تريدون أن تكونوا أول من يفعل ذلك؟".

وتنص القوانين الفرنسية منذ عام 2004 على منع ارتداء الحجاب، وكل الرموز الدينية الظاهرة، في المدارس الابتدائية والتكميلية والثانوية والدوائر الحكومية، وفشلت محاولة منع ارتدائه في المعاهد العليا والجامعات.

ومع إلزام القوانين الفرنسية موظفي الدولة التقيّد بمبدأ "الحياد" إزاء الأديان، حظرت عام 2010 النقاب الذي يغطي الوجه في الشوارع، وأثارت تلك القرارات عدداً من الانتقادات من قبل مسلمي فرنسا ومنظمات حقوق الإنسان.

أهمية أصوات المسلمين

ويبلغ عدد المسلمين في فرنسا نحو 5 ملايين نسمة ويشكلون 9 في المئة من السكان وتُعدّ أصواتهم مهمة في الانتخابات، وهو ما يدركه مترشحو الانتخابات الفرنسية بشكل عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي الجولة الأولى، وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز "إيفوب"، اختار 69 في المئة من الناخبين المسلمين بالجولة الأولى من الانتخابات المرشح اليساري الراديكالي صاحب المركز الثالث جان لوك ميلانشون، وعليه، يدرك ماكرون أهمية كسب تأييد أنصار ميلانشون كأمر حاسم لضمان فوزه في الجولة الثانية.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن "أصوات المهاجرين بمن فيهم المسلمون، تمثل طوال الوقت عاملاً مهماً في الانتخابات الفرنسية، وعليه فإن ماكرون الذي دخل قبل ذلك في جدل مع مسلمين وزعماء دول إسلامية بسبب مواقفه المتشددة من الإسلام المتطرف، لا سيما بعد سلسلة هجمات تعرّضت لها بلاده أواخر عام 2020، إذ اتهم إسلاميين متطرفين بالوقوف وراءها، وانتقد ما سمّاها بـ’النزعة الانعزالية الإسلامية‘ في فرنسا، وفرض سلسلة من الإجراءات للحدّ من انتشارها، لا يزال بحسب استطلاعات الرأي، أفضل الخيارين في جولة الإعادة بالنسبة إلى الجالية المسلمة".

وأمس الجمعة، أصدر "مسجد باريس الكبير" و"تجمّع مسلمي فرنسا" دعوة للناخبين للتصويت لماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات. وقال عميد "مسجد باريس الكبير" شمس الدين حفيظ في بيان "تدعو قوى حاقدة اليوم إلى نفي المسلمين. فلنصوّت لإيمانويل ماكرون".

في المقابل، يقول محللون إن أحد أسباب تقدّم لوبن هو نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالاً لها وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشكلات من بينها ارتفاع الأسعار.

وتصدّر ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بحصوله على 27.84 في المئة من الأصوات، وجاءت لوبن في المركز الثاني بنسبة 23.15 في المئة، فيما حلّ ثالثاً المرشح اليساري جان لوك ميلانشون، إذ حصل على 21.95 في المئة من الأصوات، بحسب أرقام وزارة الداخلية.

المزيد من دوليات