يشكّل المدرج المسرحي في ساحة خوخلوفسكي، المعروف بين السكان المحليين باسم "الحفرة" احدى جواهر تاج العهد الجديد في موسكو. وشُيّد هذا الصرح العصري حول جزء من جدار المدينة القديم وهو يناقض بتكوينه ما تمثله العاصمة بالعادة. فهو بسيط وكريم ومشرع الأبواب امام عامة الناس ومجاني. واستقطب منذ ظهوره في العام 2017 جمهوراً من أكثر مواطني موسكو عصرية باعتباره مكاناً للإلتقاء والفرح.
ولكن منذ يوم الجمعة الفائت، اصطدم جمع الهيبسترز في العاصمة بوجه مختلف جداً لروسيا العصر الجديد.
فعند قرابة الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي، وصل إلى ساحة خوخلوفسكي جمع من الشبان حليقي الرؤوس مفتولي العضلات يرتدون البزات الرياضية. ووبّخ الشبان مرتادي المكان من المحتفلين لاحتسائهم الكحول في مكان عام. ثم اندلع شجار بين الطرفين تبعه تراشق بالقناني. وسرعان ما اخرج الرياضيون من جيوبهم عبوات رذاذ الفلفل وسلّطوها على من قاومهم قبل ان يبدؤوا برشها في الأرجاء.
ويظهر في الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عدد من الضحايا وهم يضعون أيديهم على أعينهم ويضربون الارض بأرجلهم من جراء الألم. وقد تلقى حوالى 5 اشخاص علاجات لاصابتهم بحروق.
فور وصولها إلى المكان اعتقلت الشرطة أحد الضحايا على الاقل فيما اقتادت 12 آخرين لتسجيل إفاداتهم. ولم يعتقل اي من اصحاب البزات الرياضية.
اصبح الهيبسترز حينها على غفلة منهم أحدث الأهداف التي يرصدها فريق من مطبقي القانون من العامة الذين يتبنون نهج "الحياة الصحية" ويعرفون باسم "الأسد في المرصاد" (Leo against).
والفريق الذي تعود فكرة تأسيسه إلى احد النازيين الجدد واسمه مكسيم لازوتين (وتعود تسمية الفريق إلى برج لازوتين الفلكي) ينتهج مبدأ على قدر متساو من البدائية والسخرية: حماية النظام العام والنظام الاخلاقي في روسيا من خلال مهاجمة اي شخص يدخن او يشرب او يتفوه بالفاظ نابية.
Hما طريقة عمل الفريق فمدروسة ومُستغلّة بشكل جيد لتدر الربح المالي. فالفريق يصور"مداهماته العلنية لفرض النظام" التي غالباً ما تنتهي بتبادل اللكمات ورش رذاذ الفلفل. ثم يرفعها على منصة يوتيوب فيجني عوائد كبيرة من الاعلانات بفضل مليوني متابع لقناته. وينشط الفريق إلى حد ما منذ العام 2014 ولكنه كثف عملياته خلال الاشهر القليلة الماضية.
يوم الأحد شاءت الصدف أن تكون الاندبندنت شاهداً على أحدث مداهمات الفريق. وكان هدفه هذه المرة تجمعاً للرجال والنساء من المشردين الذين كانوا يشربون الكحول قرب محطة قازان في وسط موسكو.
وتعرض التجمع لهجوم نفذه على الأقل اربعة من الشبان المرتدين بزات الرياضة يتبعهم مصوروهم. في البداية حاول الشبان مصادرة الكحول عنوة. وعندما أبدى ضحاياهم شيئاَ من المقاومة قاموا برشهم برذاذ الفلفل مباشرة داخل اعينهم. ردّ رجلان من المشردين عليهم باستخدام كل ما وقعت عليه ايديهم من الاسلحة مثل حاوية معدنية ثم قناني الفودكا.
وعندما حضرت الشرطة في النهاية لم تظهر ادنى اهتمام باعتقال المهاجمين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس " الأسد بالمرصاد" أول مشروع من نوعه يظهر في شوارع روسيا خلال السنوات الأخيرة ولا هو الأول الذي يشارك فيه مكسيم لازوتين.
فقد تعاون لازوتين على مدى سنوات مع مكسيم مارتسنكيفيتش وهو ينتمي مثله إلى النازيين الجدد ويلقّب بـ"تيساك" (أي البلطة بالروسية). ونفّذ الرجلان معاً عشرات من عمليات "مصيدة العسل"، أي عمليات استدراج رجال مثليي الجنس من طريق التغرير بهم ووعدهم بعلاقات مع مراهقين. اما الفيديوهات التي صورها تيساك ولازوتين تحت شعار "مناهضة التحرش بالأطفال" فصادمة- ويعود ذلك ايضاً إلى درجة العنف الشديدة والذل اللذان الحقاه بضحاياهم.
حين اعتُقل تيساك في كوبا في العام 2014 بتهمة التطرف، نقل لازوتين نشاطه إلى عملية اخرى لها ارتباطات بالكرملين. ويترجم اسم عملية "ستوبخام" تقريبياً بـ "صدّ الوقاحة"، واستوحي هذا النشاط من اعضاء سابقين في حركة الشباب الموالية للحكومة "ناشي" التي ما عادت ناشطة الآن. وكان الناشطون ضمن هذه الحركة يؤدون دور شرطة السير فيضعون ملصقات يصعب نزعها على السيارات المركونة بشكل مخالف للقانون، وقبضوا على سياسيين معروفين ومشاهير وغالباً ما كانت الفيديوهات التي يصورونها مشحونة بالعنف ولكنها كانت تلقى انتشاراً واسعاً.
والآن كما في الماضي، تشير المؤشرات إلى تمتّع لازوتين ورفاقه من حراس القانون من العامة بحماية شطر من المسؤولين الروس على الاقل. فلم يتخذ اي اجراء ضد نشطاء "الاسد بالمرصاد" على الرغم من توافر الادلة على شنّهم هجمات لا مبرر لها. وحتى أنّ بعض أفراد الشرطة قد رافقوا هذه الهجمات. كما تلقى الفريق مرتين، على أقل تقدير، بين عامي 2014 و2015 منحاً حكومية تعادل 12 مليون روبلاً (أي 150 ألف جنيه استرليني تقريباً) لقاء خدمات "السيطرة الاجتماعية" لإنفاذ قوانين منع التدخين في روسيا وذلك بحسب وثائق حكومية رسمية. ولكن لازوتين ينفي تلقيه هذه المبالغ.
وحاولت الاندبندت التواصل مع لازوتين واعضاء من فريقه عبر عدد من الوسائل للحصول على تعليقاتهم ولكن هذا الطلب لم يلقَ أي جواب.
ومن جهته، صرّح أحد الاعضاء السابقين في الفريق ديميتري أوداروف في حديث مع اذاعة محلية ان أعضاء فريق مطبقي القانون من العامة بالغوا فخرجت تصرفاتهم عن السيطرة. واضاف أن الهوس بجني الاموال من وراء الاعلانات على يوتيوب أودى بهم إلى العنف المتطرف "بدأوا بالتصرف بشكل فاضح واستفزاز الناس الذين يصدف وجودهم بقربهم فحسب".
بعد موافقته على التحدث معنا، عاد السيد اوداروف ليرفض المشاركة في هذا المقال.
© The Independent