Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير هؤلاء الأفارقة الذين يملأون شوارع المدن الجزائرية؟

على الدولة أن تنتبه إلى هذا الوجود غير الشرعي وتقرأ جيداً هذه الظاهرة سياسياً وحضارياً واجتماعياً

أفارقة اتخذوا من تحت الجسور في الجزائر مواقع للإقامة خلال الأعوام الماضية (صفحة الإذاعة الجزائرية)

 

أفارقة من بلدان جنوب الصحراء يملأون شوارع المدن الجزائرية؟

الضيافة لها أصولها، ولها أعرافها، والهجرات المدفوعة بالفقر أو الجفاف أو الخوف لها سبلها، واللجوء السياسي في أي بلد لأي شخص مطارد في بلده له شروطه، أما ما يحدث في المدن الجزائرية من انتشار آلاف الأفارقة فلا تفسير له، أو على الأقل لا يعرف المواطن خلفيات هذا الانتشار الغريب والفوضوي والمتزايد.

نحن شعب مضياف، ما في ذلك شك، لكن حين يتعلق الأمر بمستقبل الوطن، فالنظام قبل القلب، العقل قبل الأحاسيس.

كل المدن الجزائرية في الشمال والهضاب، من دون استثناء، تعرف وصول آلاف الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء: "آلجي" (الجزائر العاصمة)، وهران، تيزي وزو، بجاية، تلمسان، قسنطينة، تيارت، عنابة وغيرها، لا مدينة جزائرية تخلو شوارعها من هؤلاء الأفارقة.

أفارقة تائهون، شباب، نساء حوامل وأخريات يسحبن خلفهنّ أطفالاً صغاراً في عمر المدرسة أو الحضانة، بعض الرجال مصابون بعاهات، جيش من الأطفال الصغار ينتشر ما بين السيارات المارة في الشوارع، في أماكن الازدحام يمدون أياديهم حاملين أوعية من بلاستيك يطلبون "صدقة"، البنات، ولم يبلغن السادسة، يلبسن الحجاب لاستعطاف المارة، الجميع تعلّم بعض الكلمات أو العبارات الجزائرية لمخاطبة السائقين والراجلين أيضاً.

الجزائري حائر حيال هذا الوجود الأفريقي، ليس لأنه غير مضياف أو غير كريم أو أنه عنصري، حاشا، ولكنه حائر أمام هذه الظاهرة التي تكبر يوماً بعد يوم ككرة الثلج من دون تدخل من السلطات المخولة قانونياً، ومن دون إعطاء تفسير لهذا الوضع الشاذ والمؤلم والمحيّر.

الإعلام صامت كالسلطة المركزية أو المحلية، لا يكتب الإعلام ولا يطلب تفسيراً لهذه الظاهرة، وكأن في الأمر أمراً محظوراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مستوى الحلقات الخلّانية، وفي الأحاديث الخاصة، في الجامعة كما في الأسواق، كما في المؤسسات، وفي النقل العمومي، الجميع منشغل بأمر هؤلاء الأفارقة الذين يملأون الشوارع، ولكن لا يصل هذا الصوت إلى القنوات الرسمية أو الإعلامية الفاعلة، يظل الحديث في حدود المسكوت عنه أو ما يشبه ذلك.

لا أحد ينكر بأن الجزائر دولة أفريقية، وهي تفتخر بهذا الانتماء، ومن واجبها استقبال الأفارقة حين تضيق بهم الدنيا وتضيع بهم المسالك أو ترعبهم الحروب التي لا تسكت، ولكن لا أحد يحب لبلده أن يصبح من جراء السذاجة السياسية أو الموقف الإنسانوي الذي تكون له عواقب وخيمة على المدينة والبلد والعلاقات بين الدول، لا أحد يحب لبلده، أن يصبح عرضة لفتن أو أمراض اجتماعية أو حوادث إجرامية قد تحملها مثل هذه الهجرات المتوحشة، والمتوحشة هنا تعني غير المنظمة وغير المدروسة بل التي تفرضها الحال ولا يهندسها الإنسان المسؤول.

لا أحد يعرف من أين جاء هؤلاء المهاجرون، ولا كيف جاؤوا، ولا من أين دخلوا، ولا أي لغة يتكلمون، أو بأي دين يدينون، ولا أين يبيتون، ولا أين يدفنون حين قضاء الله يلحقهم كما يلحق الجميع، ولا أحد يعرف مصير الآلاف من الأطفال الذين في عمر المدرسة من دون تمدرس، ولا النساء الحوامل، ولا طريقة المعاشرة، لا أحد قدّم توضيحاً لمثل هذه الأسئلة وغيرها.

حين نتساءل عن هذا الوجود، فنحن نقوم لا لطردهم، ولكن نقوم بذلك من باب محاولة فهم وتحليل هذا الظاهرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، التي أصبحت بادية للجميع، ومسكوتاً عنها من قبل الجميع!

علينا الاعتراف بأن الجزائر تعيش حالة من الحصار غير المعلن، وقد يتم الاستثمار في هؤلاء الأفارقة من قبل هذه القوى المتربصة في الداخل وفي الخارج لضرب الاستقرار وخلق الفوضى.

إن قوة بشرية بهذا الحجم وموجودة في كل المدن، يمكنها أن تشكل خطراً على البلاد والعباد إذا ما أرادت لها ذلك قوى شر تبغي بلاء للبلد.

السذاجة هاوية سحيقة، حين نتأمل خريطة توزع هؤلاء الأفارقة في مفاصل المدينة، نفهم أنهم يعرفون جيداً الأماكن التي بها ازدحام مروري، في أية ساعة، وفي أي مفرق شارع، مخرج مدينة أو مدخلها، فينتشرون بشكل استراتيجي عارف، أما هذا التوزع المتقن، فندرك جيداً أن هناك يداً ما تسيّرهم وتحركهم بذكاء وبخطة مدروسة، وفي الوقت ذاته، علينا أن نتساءل: ألا يمكن لهذه اليد التي تحرك هذه الأمواج البشرية لشحذ بعض الدينارات قادرة أن تحركهم غداً في اتجاه آخر، حين يرتبط الأمر بالشحذ، يبدو الأمر هيّناً، ولكن قد يتطور الأمر غداً إلى شيء أخطر وأخبث.

أشعر وكأن خلف هذا الوجود الأفريقي غير الشرعي الذي يتستر بالفاقة والحاجة، وهو من دون شك كذلك، كأن خلفه قوة تستثمر في هذا الوجود مادياً، فكثير من الشباب الأفريقي تحوّل إلى يد عاملة تشتغل في الظلام، تقوم بأعمال السخرة أو في أشغال البناء الشاقة من دون ترخيص أو تدبير، وقد تتحوّل النساء الأفريقيات غداً إلى ممارسات الرذيلة، إن لم يكُن قد حصل، وإذا كان شبابنا لم ينجُ من المخدرات بكل أنواعها ومع كل الأعمار، فكيف يمكننا تصور هذا الوجود البشري الأفريقي المتروك على عواهنه، المتروك للشارع؟

لا نستغرب غداً إن استثمرت في هذه الثروة البشرية قوى سياسية، وقد لا نستغرب أيضاً أن يتم الاستثمار فيها من قبل مهرّبي البشر إلى أوروبا، ومهربي المخدرات، وتجار الجنس وتجار النخاسة المعاصرة وما إلى ذلك، ما يهدد مجتمعنا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، كل ذلك وارد، فالسذاجة في تدبير الشأن العام عطب كبير.

على الدولة أن تنتبه إلى هذا الوجود غير الشرعي وتقرأ جيداً هذه الظاهرة سياسياً وحضارياً واجتماعياً، بعيداً من العواطف، أن تقوم بذلك قبل أن يضيع رأس الخيط وتضيع الإبرة في كومة التبن.

المزيد من آراء