على أنغام الحروب التجارية التي يشهدها العالم تراقب الأسواق والمستثمرون اتجاهات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة إلى أسعار الفائدة والتيسيرات النقدية والكمية، في الوقت الذي ألمح فيه البنك المركزي الأوروبي إلى استعداده لخفض أسعار الفائدة، فيما تشير تصريحات البنك المركزي الأميركي إلى استعداده للتحرك في الوقت المناسب ما يعني أنه قد يتجه لخفض أسعار الفائدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ربما تشير التوقعات إلى أن الأسواق الناشئة قد تتجه إلى تحريك أسعار الفائدة وخفضها خلال الفترة المقبلة، مع موجة الضباب التي تضرب اقتصاديات العالم في ظل التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي سواء مع الصين وبعد ذلك المكسيك.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن عددا من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة تستعد لخفض معدل الفائدة خلال اجتماعاتها الأخيرة لمراجعة السياسة النقدية، وسط ضبابية الوضع الاقتصادي.
وتحركت البنوك المركزية داخل تلك الاقتصاديات الناشئة لخفض الفائدة بالتزامن مع التحول الحذر من جانب البنوك المركزية الكبرى في ظل مخاوف بشأن قوة الاقتصاد العالمي والتوترات التجارية العالمية.
تحولات جذرية في سياسات البنوك المركزية العالمية
وكانت البنوك المركزية العالمية أبدت تحولاً حاداً في بداية عام 2019 بعيداً عن دورة التشديد النقدي المتبعة في العام الماضي لاتباع نهج حذر مع الاستعداد لتقديم إجراءات تحفيزية قوية.
وقبل أيام، لم يستبعد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، احتمالية تخفيض معدلات الفائدة، وقال "إن هناك عدداً من صانعي السياسة يتحدثون حول استئناف برامج شراء الأصول، رغبة في إرجاع ما يعرف بـ(التسهيلات الكمية)".
وتأتي خطى دراغي في معسكر الحمائم اتباعاً لجيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي تحدث قبل أيام عن استعداد الفيدرالي "لاتخاذ الإجراء المناسب"، في وجه التحديات والمخاطر المتولدة عن التوترات التجارية الممتدة، وكان من المفترض أن يكون حديث الأربعاء هذا مجرد مراجعة هادئة لبياناته السابقة.
وأوّلت الأسواق كلمة "مناسبة" تأويلاً صحيحاً، فهي خفض لمعدل الفائدة، مما يشير إلى أن باول ضاق بالصبر، وسيفعل ما يلزم لمواجهة ما تَصبُ التعريفات من تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي.
الهند وثالث خفض لأسعار الفائدة
وأخيراً، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي في الهند بخفض معدل الفائدة 25 نقطة أساس في خطوة تحدث للمرة الثالثة هذا العام لتسجل 5.75%، وهو أدنى مستوى منذ أواخر عام 2010.
ويأتي قرار البنك المركزي الهندي بعد أن أظهرت بيانات رسمية أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سجل أبطأ وتيرة نمو في نحو 5 سنوات بتوسعه 6.8% في العام المالي المنتهي في مارس (آذار) 2019 مقابل 7.2% الزيادة المسجلة بالعام السابق له.
وفي سريلانكا، خفّض البنك المركزي معدل الفائدة بنحو 50 نقطة أساس كما هو متوقع، لدعم اقتصاد البلاد في ظل تراجع ثقة المستهلك والشركات.
واتبع البنك المركزي في الفلبين النهج نفسه، ليقوم بخفض معدل الفائدة بنحو 25 نقطة أساس إلى 4.50%.
ويأتي قرار الفلبين على خلفية توقعات بأن معدل التضخم سيتراجع بعد أن نما الاقتصاد بأبطأ وتيرة في 4 سنوات خلال الربع الأول من هذا العام.
وقرر صنّاع السياسة في كازاخستان خفض معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 9% في اجتماعهم الأخير المنعقد في أبريل (نيسان) الماضي، في توافق مع التوقعات.
وقلّصت أوكرانيا معدل الفائدة للمرة الأولى في نحو عامين لتصبح 17.5%، لتنضم إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل أذربيجان وكازاخستان وطاجيكستان وجورجيا.
وفي أفريقيا، قامت كل من نيجيريا وأنغولا ورواندا بالتحرك لخفض معدل الفائدة.
البنك الدولي يحذر مجدداً
وقبل أيام، جدد البنك الدولي من تحذيراته بشأن مسار الاقتصاد العالمي، فتوقعات النمو تتراجع، ولن تتجاوز هذا العام حدود 2.6% مع تحسن طفيف العام المقبل لتصل إلى 2.7%، وتباطؤ الاقتصاد الدولي يتسع نطاقه، ليشمل ويؤثر في عديد من البلدان، باختصار الاقتصاد الدولي يضعف، وحالة عدم اليقين تتصاعد، وقادة ورجال الأعمال في وضع متوتر.
وفي ظل تلك الأوضاع لا يكون أمام الحكومات غير الاعتماد على القوى النارية المتاحة لبنوكها المركزية مهما كانت ضعيفة، وبالطبع تأتي أسعار الفائدة في مقدمة الآليات التي تستخدمها البنوك المركزية لمواجهة تلك الأوضاع المضطربة.
أستراليا تفتح الباب
وافتتح البنك المركزي الأسترالي ما يعده البعض اتجاها مقبلا للبنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة لديها، إذ خفّضت أسعار الفائدة في أستراليا لأول مرة منذ ثلاث سنوات، ومن شبه المؤكد أن تقوم الهند بذات التحرك، بينما البنك المركزي الأوروبي لا يسير بعيدا أيضا عن هذا الاتجاه، إذ يساعد للحصول على قروض جديدة طويلة الأجل للبنوك. وهذا المسار الدولي يسعى بطبيعة الحال إلى دعم النمو ورفع معدلات التضخم الضعيفة حالياً.
ورغم أن بعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة رفعت أسعار الفائدة بينما لجأت أخرى إلى الخفض، فإن خفض أسعار الفائدة فاق ارتفاعها في الشهر الماضي، وهو ما ينبئ باتجاه عالمي خلال المرحلة المقبلة.
ومع أهمية الخطوة التي اتخذها البنك المركزي الأسترالي، والقرارات المتوقع أن يتخذها البنك المركزي الهندي والمصرف الأوروبي، إلا أن الأنظار تتركز حاليا على كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الصيني، التي تشير معظم المؤشرات إلى أنهما يسيران في اتجاه خفض أسعار الفائدة أيضاً.
التضخم يحكم مصير أسعار الفائدة بمصر
عربياً وفي مصر التي تنفذ برنامجاً للإصلاح الاقتصادي تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، استخدم البنك المركزي المصري أسعار الفائدة كسلاح في مواجهة معدلات التضخم التي قفزت وسجلت مستويات قياسية وتاريخية خلال العام الأول لإصدار أكبر وأجرأ القرارات الاقتصادية المتمثلة في تحرير سوق الصرف وتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار.
ومع اتجاه التضخم خلال الفترة الماضية نحو التراجع كان من المتوقع أن يتدخل البنك المركزي المصري ويخفض أسعار الفائدة التي رفعها أكثر من مرة في إطار خفض مستويات السيولة في السوق المصرية وامتصاص التضخم المرتفع، لكن اتجاه الحكومة خلال العام الحالي إلى رفع أسعار الكهرباء واتجاهها إلى رفع أسعار الوقود والمحروقات خلال الأيام المقبلة، سوف يعمل على إعادة التضخم إلى مستوياته المرتفعة.
وشهد التضخم العام السنوي في مصر خلال شهر أبريل (نيسان) ارتفاعا بنسبة 13% مقابل 14.2% في مارس (آذار) 2019، ما يقل عن توقعاتنا عند 13.9%. بدعم من زيادة أسعار السلع الغذائية بنسبة 13% مقابل ارتفاعها بنسبة 15% في مارس (آذار)، والذي نرجعه إلى تباطؤ أسعار الفواكه والخضراوات والدواجن.
وأبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير خلال النصف الأول من العام المالي الحالي (2018 -2019)، ليتجه نحو الخفض 1% في الاجتماع الأول للنصف الثاني من العام المالي في فبراير (شباط) الماضي، ليعاود التثبيت في اجتماع مارس (آذار)، ليظل سعر فائدة الإيداع لليلة واحدة عند 15.75% وسعر فائدة الإقراض لليلة واحدة عند 16.7%.