Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العاصوف"...

"الدول التي سيطر عليها الإسلاميون في حالة أسوأ من تلك التي ليس لهم اليد الطولى فيها"

لقطة من مسلسل العاصوف 

 لم يكن مسلسلاً عادياً ذلك الذي عرضته قناة (إم بي سي) على شاشتها طيلة شهر رمضان، إنه "العاصوف"، اسم يعني الريح الصرصر التي لا تبقي ولا تذرّ، ومن مرادفاتها ومقارباتها بالمعنى، كلمات الإعصار والزوابع والرياح الشديدة.

مرحلة انتقالية

المسلسل يسجل لمرحلة انتقالية عاشتها منطقتنا طيلة نصف قرن تقريباً، ومعها تغيرات هائلة في أخلاق وسلوك الناس باسم الدين، كان الدين السياسي يقود تلك المرحلة ويمسك بزمامها وسماها "الصحوة"، إذ انتشر التدين والتشدد، وغاب الإيمان والتسامح، ومعه تغيرات أخلاقية في سلوك الناس وتصرفاتها، وعزلة ذهنية وعاطفية وروحية عاشها معظم جيل نصف القرن الماضي، كما رافق تلك المرحلة خراب النفوس وانتشار الرشوة وحب الفلوس، وتزوير الشهادات والفساد والمخدرات، والإجرام والطائفية والإرهاب، وازدادت نسب الأمية، وتراجع الوعي والثقافة العامة.

جيل لا يعيش الواقع

وما على الباحث سوى النظر إلى أرقام الأمية والفساد ونسب انتشار المخدرات مع التدين المبالغ فيه، والدروشة التي عمل على غرسها في أذهان الشباب قادة الدين السياسي، فتغلغلوا في مناهج التعليم والمنابر الدينية والإعلام الديني بقنوات وفتاوى على الهواء، وساهموا في خلق جيل لا يعيش الواقع ولا يستطيع التعايش مع ما حوله، لأنه مهووس بفكرة يعززها دعاتها وجهابذتها ليلاً نهاراً: الدولة الدينية، أو الخلافة، التي ما إن تقوم حتى يعم الخير ويسود العدل وتنتهي مشاكل المسلمين ويصبحون قادة هذا الكون.

ماذا تحقق؟

ومع أن هؤلاء قد تحقق لهم ما أرادوا في أكثر مكان، حيث حكم الإسلاميون أفغانستان والسودان وإيران والعراق وغزة وتركيا، حكموها بأحزاب دينية ترفع شعارات الإسلام ولكن ماذا تحقق من الخير على أرض الواقع؟ وباستثناء تركيا، التي تعزز نموذجها العلماني وتقدم اقتصادها بسياسات تورغوت اوزال وأستاذة الاقتصاد تانسو تشيلر ومن بعدهما داوود أوغلو، لكنها تمر هذه الأيام بتحولات صعبة نتيجة هيمنة الإسلاميين على الحكم فيها ولا تزال تمر بمنعطفات خطرة.

تحكم "حزب الله"

الحقائق والأرقام والوقائع تقول إن الدول التي سيطر عليها الإسلاميون في حالة أسوأ من تلك التي ليس لهم اليد الطولى فيها، بل حتى لبنان الجميل وعاصمته النظيفة تحولت إلى "زبالة" بتحكم حزب الله الإسلامي في قراراتها وسياساتها وحكوماتها وتعطيل ما لا يرغب من ميزانياتها.

وتعطلت المسيرة

ومع بدايات القرن الماضي، كانت الأمور تبدو في طريقها لنهضة عربية شاملة بعد التخلص من الحكم العثماني، لكن جاء الاستعمار الغربي والانقلابات العسكرية متزامنة مع ظهور الإخوان المسلمين كأول تنظيم ديني سياسي بمصر (1928) ولاحقاً بالمنطقة كلها، فتعطلت المسيرة، وقمنا نتعثر من "جرف لدحديره"، كما يقول المثل الشعبي، إلى أن بدأت بوادر الصحوة الحقيقية من "الغفوة" التي عاشتها المنطقة نصف قرن تقريباً.

 مسلسل "العاصوف" عمل درامي يعلن التخلي عن أوهام وأضغاث تلك المرحلة، ويتزامن مع ذلك رجوع بعض قيادات الدين السياسي عن خط "صحوتهم" وإعلانهم التوبة والاعتذار العلني عما تسببوا به من تغرير بالشباب ومآسٍ لأسرهم وذويهم، ولكن بعد خراب البصرة.

"الجذور"

وهناك أعمال درامية فنية خالدة شكلت منعطفاً لمرحلة في حياة الشعوب وثقافاتها، فمسلسل "الجذور" (1977) الذي كتب روايته "أليكس هيلي" شكل منعطف إنصاف لتاريخ عبودية الرجل الأبيض للرجل الأفريقي الأسود الذي جُلب عنوة إلى أميركا عبداً يعمل في الحقول وملكاً لسيده الأبيض، ولكن بطله "كونتا كونتي" أصر على الصمود ورفض تغيير اسمه متمسكاً بآخر ما يربطه من أمل مع أرضه وأهله الذين فقدهم بالاختطاف بالقوة.

"مراقص الذئاب"

كما جاء فيلم "مراقص الذئاب" (1990) ليشكل منعطفاً منصفاً لقبائل أميركا الأصلية التي يسميها الرجل الأبيض "بالهنود الحمر"، وتمثل فيه شخصية الهندي الأحمر المغلوب على أمره والمقاوم لفنائه على يد الرجل الأبيض، بعد أن كانت سينما هوليوود تصور الهندي بالهمجية والبشاعة وسلخ فرو رؤوس قتلاهم. وحصد الفيلم ثماني جوائز أوسكار، وهو العدد الأعلى الذي يحصده فيلم حتى ذلك التاريخ.

عصف بنا التخلف

مسلسل العاصوف يعلن، مثل شواهد كثيرة، على الولوج بمرحلة مختلفة تماماً لمنطقتنا وقد طال انتظارها، والمفتاح يكمن في التعليم بمنهجية علمية تفصل الطبيعي عن الغيبي وتخلق جيلاً يمكنه أن يفكر بفكر نقدي وتحليل علمي منطقي.

 لقد عصف بنا التخلف عقوداً، وأتمنى أن نكون قد تركنا تلك المرحلة وراء ظهورنا، فمشوارنا طويل يتخلله عواصف وعواصيف.

المزيد من آراء