Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شظايا الحرب الروسية - الأوكرانية تصيب السياحة التونسية

مثلوا 21 في المئة من مجموع الوافدين الأوروبيين عام 2019 واحتلوا المرتبة الثانية بعد الفرنسيين

المعارك أثرت سلباً في التحضيرات للموسم السياحي الجديد في تونس (أ ف ب)

في الوقت الذي يعمل فيه المهنيون بالقطاع السياحي في تونس على استعادة نشاطهم وتدارك الخسائر التي نجمت عن الركود الحاصل منذ سنتين بسبب الأزمة الصحية، اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية التي تؤثر بصفة مباشرة على إحدى أهم الأسواق التي تعول عليها تونس في عام 2022، وهي السوق الروسية التي استقطبتها الوجهة التونسية، واتسمت بمردودية عالية في الفترة السابقة لانتشار الوباء.

فأضحى استقطاب السياح الروس للموسم الحالي رهين توقف الحرب، كما لا يضمن انتهاء المواجهات العسكرية وفود الأعداد المرجوة من السياح بسبب المعطيات الاقتصادية، التي ستنعكس سلباً على مناطق النزاع والمتعلقة بالمقدرة الشرائية وأسعار العملة وحركة النقل الجوي. ويصعب التكهن بنصيب الوجهة التونسية من سياح أوروبا الشرقية بصفة عامة، بسبب الانعكاسات المنتظرة من الحرب حتى في حال توقفها في أفضل السيناريوهات، وفق خبراء تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" أجمعوا على تشتيت هذه المعارك المشتعلة لأوراق وكالات الأسفار والفنادق وشركات الطيران، مرجحين ركوداً في سوق أوروبا الشرقية ما يؤثر في العائدات السياحية للموسم الحالي في تونس.

ركود بسبب كورونا

واستقبلت تونس مليونين و400 ألف سائح سنة 2021 بعد أن كانت التقديرات تساوي 3.7 مليون سائح، متأثرة بانتشار فيروس كورونا وبطء حملة التلقيح التي عرفت ارتفاع نسقها في الأشهر الأخيرة من السنة.

وبعد أن شهد عام 2020 تراجعاً كبيراً في عدد الوافدين الذي لم يتجاوز مليونين مقارنة بـ2.7 مليون سائح كانت وجهتهم المغرب، و3.5 مليون اتجهوا إلى مصر، و15.8 مليون إلى تركيا.

ووضعت وزارة السياحة استراتيجية تسعى إلى الرفع من مردودية القطاع، وتنمية القدرة التنافسية للوحدات السياحية في عام 2022، من خلال تحسين صورة تونس كوجهة سياحية متميزة في ضفاف المتوسط، وتعزيز الموقع التنافسي في المنطقة، وذلك استناداً إلى إمكانية عودة نشاط أسواق الجوار الجزائرية والليبية وأسواق أوروبا الشرقية، إضافة إلى السوق الفرنسية والألمانية التقليديتين.

وتبلغ تقديرات موسم 2022 وفق المخطط المذكور 5.7 مليون سائح بعائدات قيمتها 3.5 مليار دينار (1.2 مليار دولار)، وتسعى إلى استعادة 60 في المئة من نشاط سنة 2019، التي اعتبرت جيدة باستقبال 9.4 مليون سائح وبعائدات بلغت 5.62 مليار دينار (1.95 مليار دولار)، بينما لم تتجاوز مداخيل القطاع 2.5 مليار دينار (868 مليون دولار) سنة 2021، وملياري دينار (694 مليون دولار) سنة 2020، وفق وزارة السياحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثاني أكبر سوق

لكن وزير السياحة محمد المعز بلحسين، قال إن الحرب الروسية - الأوكرانية ستكون لها تداعيات مباشرة على القطاع السياحي في تونس وعلى الوضع الاقتصادي بصفة أشمل، حيث تمثل السوق الروسية ثاني أكبر سوق في تونس بتوافد 630 ألف سائح روسي سنة 2019. في حين استقبلت تونس في السنة نفسها 33 ألف سائح أوكراني، ما دعا إلى وضع خلية أزمة ويقظة صلب الوزارة لمتابعة الأوضاع في انتظار استعادة السوق السياحية الروسية، وهي في تواصل مستمر مع الشركاء في روسيا وأوكرانيا، وتراقب تفاعل باقي البلدان المنافسة مع هذه الأزمة، وفق الوزير الذي عبر عن تمنياته انتهاء الأزمة في أقرب الآجال.

الحرب تعمق متاعب القطاع السياحي

ووصفت درة ميلاد، رئيسة الجامعة التونسية للفندقة، وضعية القطاع السياحي بالصعبة للغاية بالنظر إلى تداعيات أزمة كورونا المتواصلة منذ ثلاث سنوات، والنتائج السلبية لعدم استقرار الإجراءات الصحية، ما تسبب في عدم برمجة الوجهة التونسية من قبل وكالات الأسفار الأجنبية التي تتعامل مع المؤسسات السياحية التونسية. وقد أغلقت أكثر من 70 في المئة من المؤسسات الفندقية التونسية أبوابها، سواء بصفة نهائية أو مؤقتة، بينما تجد الفنادق صعوبات جمّة في الحصول على تمويلات جديدة لتغطية عمليات الصيانة، التي تستوجبها هذه المؤسسات لاستعادة نشاطها خلال الموسم الجديد، وهو ما يطرح إشكالاً متجدداً يتعلق بضرورة تمديد إعادة جدولة ديون هذه المؤسسات من قبل البنوك، وتمكينها من السيولة اللازمة.

وبخصوص الموسم الجديد وفي ظل التخفيف الحاصل على مستوى الإجراءات الصحية للوافدين إلى تونس، يبقى الأمل قائماً في عودة الحجوزات على الوجهة التونسية، وفي إمكانية استعادة الفنادق قدرتها التنافسية على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأن يكون نسق الحجوزات في ارتفاع هذا الموسم حتى تسترجع المؤسسات الفندقية نسقها ولو نسبياً.

وأشارت درة ميلاد إلى أن السوق الروسية بالنسبة للفنادق التونسية كانت السوق الأولى من حيث عدد الليالي المُقضاة سنة 2019، بما يمثل 21 في المئة من جملة الليالي المقضاة بالفنادق التونسية. وكان الناشطون في القطاع بصدد العمل على تطوير التعامل مع هذه السوق، من حيث تجديد الاتفاقية بين تونس وروسيا حول ترخيص السلطة الروسية لاستئناف الرحلات غير المنتظمة charter، ولكن باندلاع هذه الحرب وفي حال تواصلها، يبدو من الصعب استرجاع هذه السوق المهمة بالنسبة لقطاع الفندقة في تونس خلال الموسم السياحي الجديد.

وبناءً على ذلك تدعو الجامعة التونسية للفندقة إلى تحفيز أسواق بلدان الجوار، وهي ليبيا والجزائر، في محاولة للتعويض عن الخسائر المتوقعة نتيجة المواجهات العسكرية في البحر الأسود، والتراجع المنتظر في أعداد الوافدين من السياح الروس، وذلك بفتح الحدود مع البلدان المجاورة والتركيز على سياحة القرب التي تهم دول الجوار. وعليه فإن الجامعة التونسية للنزل تطالب بتكثيف الحملات الترويجية في دول الجوار لحث مواطنيها على زيارة تونس. إضافة إلى الاعتماد على السياحة الداخلية التي تمثل بدورها سوقاً مهمة بالنسبة للفنادق التونسية، وبإمكانها الإسهام في تحقيق توازن نسبي للمؤسسات السياحية التونسية.

عزوف منتظر

بينما اعتبر هادي حمدي، الخبير المتخصص في السياحة، أن الحرب بعثرت أوراق الجميع، وقد أثرت سلباً في التحضيرات للموسم السياحي الجديد، ويعود ذلك إلى أهمية السوق الروسية ووزنها لدى الوجهة التونسية. فالسياح الروس مثلوا 21 في المئة من مجموع الوافدين الأوروبيين على تونس سنة 2019، واحتلوا المرتبة الثانية بعد الفرنسيين.

وكان الجانب التونسي بصدد التفاوض حول عودة الرحلات غير المنتظمة وحجز 700 ألف مقعد ذهاباً وإياباً إلى روسيا، ما يساوي 350 ألف وافد روسي إلى الوجهة التونسية، وتم الاتفاق المبدئي حول ذلك قبيل اندلاع الحرب.

هذه المعارك التي اندلعت في الفترة التي كان من المفترض أن يتم وضع اللمسات الأخيرة فيها بخصوص السوق الروسية في الموسم الحالي بحكم الحضور التونسي، الذي كان مبرمجاً بالمعرض الدولي للسياحة في موسكو في مارس (آذار) 2022، والذي كان من المفترض أن يتم فيه تحديد الحجوزات من قبل متعهدي الرحلات، لتتضح الرؤية قبل بداية أبريل (نيسان).

وقد أضحى حالياً من غير المتاح التكهن بمآل الحجوزات أو عدد الوافدين. أما الانعكاسات السيئة على الموسم فهي أكيدة حتى في أفضل السيناريوهات، وفي حال انتهاء الحرب على المدى القريب. إذ يرجح تراجع عدد السياح الروس بحكم العامل النفسي غير المحفز على السفر والعطل. بينما تبدو العوامل المادية أكثر تأثيراً بسبب الصعوبات المالية التي ظهرت بوادرها من الآن، وأهمها انهيار العملة الروسية (الروبل) التي فقدت 30 في المئة من قيمتها، ما يؤثر سلباً على المقدرة الشرائية للروس، ويؤدي إلى عزوفهم عن السفر، خصوصاً مع الزيادات المنتظرة في أسعار النقل الجوي الخاضع لارتفاع أسعار المحروقات. علاوة على العقوبات المفروضة على روسيا من قبل دول الاتحاد الأوروبي بمنع الطائرات الروسية من التحليق في مجالها الجوي، وما ستواجهه الملاحة الجوية في روسيا من عقبات لتغيير مسار طائراتها، تدفع بالضرورة إلى الرفع في أسعار التذاكر. وهي عوامل تزيد في تكلفة سفر السياح، وتتحول إلى عوائق أمام استقطابهم، هذا في حال توقف هذه الحرب التي تدور رحاها إلى حد اللحظة ولا تنبئ بالانفراج.

المزيد من منوعات