Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل خذل بايدن أوكرانيا؟

تبدو قدرات الرئيس الأميركي وحلفائه في معاقبة روسيا مقيدة باعتبارات عدة

الأسبوع الماضي، وتزامناً مع المتغيرات العالمية مع صعود بكين كقوة اقتصادية ضاربة، وعودة موسكو كلاعب مشاغب في الساحة العالمية، حضر محور تراجع الديمقراطيات الغربية وعجزها في وجه الأزمات الكبرى بقوة في مؤتمر ميونيخ للأمن، وكان ذلك أساس السؤال الأول في الجلسة التي استضافت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس.

وفي إجابتها، لم تكتف هاريس بتأكيد التكاتف الغربي، أو التشديد على حرص إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التعاون مع حلفائها على منع روسيا من غزو أوكرانيا، بل توعدت موسكو بعقوبات اقتصادية "قاسية وفورية"، وهددت بتعزيز قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أوروبا الشرقية.

لكن ليل الأربعاء 23 فبراير (شباط) حمل ما خشي الغرب حدوثه: فلاديمير بوتين يخرج في خطاب مفاجئ، ويعلن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، بعد ساعات قليلة من تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونائبته، رفعت احتمالات إقدام روسيا على مهاجمة أوكرانيا.

وفيما توقع البعض خروج الرئيس الأميركي للتحدث عن الأزمة في اليوم نفسه، اكتفى بايدن ببيان توعد فيه بإعلان عقوبات على روسيا بعد الاجتماع مع نظرائه قادة الدول السبع، الخميس. وكشف سيد البيت الأبيض عن حزمة عقوبات على موسكو شملت النخبة الروسية وعائلاتهم، والديون السيادية، وخط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المقبل من روسيا، إضافة إلى عقوبات الحظر الكاملة على بنك "VEB"، والبنك العسكري الروسي.

عقوبات ضعيفة

وفيما يدخل التصعيد الروسي يومه الثالث، يرى مراقبون ومسؤولون أميركيون سابقون أن حزمة العقوبات التي أعلنها بايدن غير رادعة، فضلاً عن أنه بدا ضعيفاً في رده على بوتين بعد أن تقدمت القوات الروسية نحو منطقتين انفصاليتين في أوكرانيا.

وقالت السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إن الإدارة الحالية فشلت في الوفاء بوعودها بفرض عقوبات سريعة وقاسية، وعدت أزمة أوكرانيا اختباراً لعزيمة الغرب، مشيرة إلى فشل بايدن حتى الآن في التعامل معها.

وأضافت، "الأمر لا يتعلق ببوتين فقط. الشيوعيون والصينيون والجهاديون الإيرانيون يراقبون أيضاً".

وفي سياق متصل، ندد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون بفشل بايدن في توحيد الناتو، مشيراً إلى أن تقدم القوات الروسية في العاصمة الأوكرانية قد يخفي خطة فلاديمير بوتين الحقيقية، والتي تتمثل في ضم الشرق وعزل البلاد عن البحر.

وأشار بولتون إلى أن "بوتين يريد الأجزاء الشرقية والجنوبية، الأجزاء الروسية من أوكرانيا"، مرجحاً أن يكون إرسال القوات إلى كييف خدعة لصرف الانتباه عن خطته الحقيقية، ومحذراً من أن الرئيس الصيني شي جينبينغ سيراقب عن كثب رد فعل العالم على العدوان الروسي في منطقة الاتحاد السوفياتي السابقة.

جدل "نورد ستريم 2"

من جانبه، قال الباحث الأميركي بول سوليفان، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن التعامل مع شخص مثل بوتين، يتطلب العزيمة والقوة والمثابرة والصلابة، وهي الصفات التي لا يراها ظاهرة في أي قائد في العالم بشكل كاف، مستثنياً رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي قد ترقى لمستوى التحدي.

وانتقد سوليفان خط "نورد ستريم 2" الذي استهدفه بايدن بالعقوبات بعد العملية العسكرية الروسية، قائلاً، إن جزءاً من مشكلة الخط، هو "الفساد وتنفع القادة السابقين من الأموال الروسية". وأضاف، "لم يكن يجب السماح بإنشاء الخط من الأساس، إذ إن غاية روسيا منه كانت واضحة وهي التكسب المادي من خلال تصدير الغاز، وإشعال الانقسامات في الاتحاد الأوروبي".

وشدد على ضرورة إغلاق الخط حتى يتغير السلوك الروسي، مشيراً إلى أن مصدري الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة وغيرهم بحاجة إلى التركيز أكثر على أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، في حين يتعين على الأخير تسريع جهوده لتقليل الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية، لافتاً في هذا الصدد إلى خطط أوروبا الشرقية لفصلها عن نظام الكهرباء الروسي.

ودعا سوليفان إلى إيقاف جميع واردات اليورانيوم وخدماته من روسيا لوجود بدائل أخرى، وقال، "الاتحاد الأوروبي قيد نفسه بقوة منذ زمن طويل مع روسيا، وقد قابل الروس ذلك بكل سرور، في حين لم تكن الولايات المتحدة قوية بما يكفي ولم تتصرف بما يكفي لمساعدة الاتحاد الأوروبي في ضمان أمن الطاقة"، مشيراً إلى أن "دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تساعد في ذلك".

في غضون ذلك، قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إن ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يقيد قدرة الولايات المتحدة على معاقبة روسيا، وهو ما يبرر عدم شمول العقوبات المعلنة حتى الآن مبيعات روسيا من النفط والغاز.

موقف ترمب

وفيما يتباهى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بأن هذه الأزمة ما كانت لتحدث أبداً في ظل إدارته الجمهورية، منتقداً طريقة إدارة خلفه جو بايدن للأزمة في أوكرانيا، شكك سوليفان في أن ترمب كان سيوقف "الغزو" مشيراً إلى وصفه له بالعمل "العبقري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي كتابه المثير للجدل "الغرفة التي شهدت الأحداث"، وعلى نحو يتعارض مع تصريح ترمب الأخير، زعم مستشاره السابق جون بولتون أن ترمب كان يعتقد أن "أوكرانيا يجب أن يقودها أشخاص يميلون إلى روسيا".

وكان ترمب أشاد بالعلاقة المتينة التي كانت تجمعه ببوتين، مؤكداً أن سيد الكرملين ما كان ليتصرف على هذا النحو "أبداً" في ظل إدارته. وقال، "لو أديرت الأزمة بشكل صحيح لما كان هناك أي سبب لحدوث ما يحدث حالياً في أوكرانيا".

ولطالما تعرض التقارب بين ترمب وبوتين لانتقادات حادة من جانب المعارضة الديمقراطية في عهد الإدارة الجمهورية السابقة.

وفيما أشاد مراقبون بموقف إدارة ترمب المعارض لـ"خط نورد ستريم "2، انتقد الرئيس بايدن، أخيراً، بشأن موقفه السابق من خط أنابيب الغاز الروسي، إثر تنازله العام الماضي، عن العقوبات المفروضة على الشركة التي تقف خلفه ورئيسها التنفيذي.

وكان تقرير وزارة الخارجية المرسل إلى الكونغرس خلص إلى أن شركة "نورد ستريم-2 إي جي"، الشركة الألمانية المسؤولة عن خط الأنابيب، ورئيسها التنفيذي ماتياس وارنيغ، حليف الرئيس الروسي بوتين، انخرطا في نشاط خاضع للعقوبات.

 لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تنازل عن تلك العقوبات في مايو (أيار) الماضي، قائلاً إن ذلك "يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة"، وهي خطوة قوبلت بانتقادات واسعة من أعضاء في الكونغرس.

توحيد "الناتو"

وبعيداً عن تصريحات ترمب النارية تجاه خلفه، أثارت عقوبات بايدن جدلاً من نوع مختلف حول ما إذا كان موقف "الناتو" موحداً في وجه روسيا، إذ أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية بأن دولاً أوروبية في مقدمها ألمانيا منقسمة حول إمكانية فصل روسيا عن نظام المدفوعات الدولية "سويفت".

وفيما تجنب بايدن تسمية الدول المعارضة لإخراج موسكو من منظومة "سويفت"، قال الرئيس الأميركي، إن هذا "الخيار لا يزال "قائما"، مشيراً إلى أن حزمة العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا، سيكون لها تأثير أكبر من خيار إقصاء موسكو من منظومة التعاملات المالية المصرفية.

الخلافات الحزبية

ولم تقتصر الانتقادات الموجهة إلى بايدن على مسألة قصور العقوبات، بل شمل تعامله مع تحركات موسكو قبل إعلان العملية العسكرية، إذ طغى، هذا الأسبوع، جدل حول عدم إشارة إدارته على الفور إلى تحركات القوات الروسية في أوكرانيا على أنها "غزو" حتى صباح الثلاثاء الماضي، حين استخدم المسؤولون في الإدارة مصطلح "الغزو" لأول مرة.

من جانبه، قال توماس غيفت، المدير المؤسس لمركز السياسة الأميركية بجامعة كوليج لندن، لمجلة "نيوزويك"، إن انتقاد الجمهوريين لنهج بايدن تجاه روسيا أمر لا مفر منه. وأضاف، "لا يوجد شيء يستطيع بايدن فعله لتفادي الانتقادات الجمهورية لروسيا".

ويرى غيفت أن القول المأثور، بأن "السياسة تتوقف عند حافة الماء"، بمعنى أن الخلافات الحزبية يجب تحييدها عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، لم يعد ينطبق في مناخ اليوم شديد الحزبية، هذا إن حدث من قبل أصلاً.

وأحد الأسباب، وفق غيفت، هو أن الحزب الجمهوري متنوع للغاية في وجهات نظره بشأن السياسة الخارجية، ولذلك فإن "بايدن سيتعرض للهجوم من جميع الأطراف، من الانعزاليين الذين يعتقدون أن بايدن تسرع في دق طبول الحرب، ومن الصقور الذين يعتقدون أنه كان غير صارم بما يكفي لمواجهة بوتين".

وقال غيفت، إن العديد من تلك الانتقادات "ترتكز على خلافات فلسفية مشروعة مع تعامل الإدارة مع موسكو"، إلا أن القاسم المشترك بين جميع الجمهوريين تقريباً هو "الإحساس بأن سجل بايدن كقائد أعلى، وخصوصاً بعد الفشل الذريع في أفغانستان، يمكن استغلاله، وهذا ما سيفعلونه"، على حد قوله.

بين كييف وكابول

يرى مراقبون أن انسحاب بايدن من أفغانستان، العام الماضي، من دون مشاورة حلفائه في "الناتو" أو العمل معهم عن كثب، حفز خصوم الولايات المتحدة على تجاوز خطوطها الحمراء، ولذلك فإن أزمة أوكرانيا تمثل "فرصة لتجديد التحالفات وتنشيط الناتو"، وفق بيتر هان، أستاذ التاريخ بجامعة ولاية أوهايو.

وقال هان، "انسحب الرئيس من أفغانستان بعد النظر في مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة والضغوط السياسية الداخلية، على الرغم من أنه ترك معظم حلفاء الناتو يشعرون بأنه تصرف من جانب واحد"، لكن في خضم الأزمة الأوكرانية، "يبدو أن فريق بايدن يتشاور مع الحلفاء الأوروبيين عن كثب".

وانتقد الأكاديمي الأميركي سياسة ترمب قائلاً، إنها "أضعفت أسس الناتو"، مشيراً إلى أن "انسحاب بايدن من أفغانستان لم يسهم في إصلاح الضرر"، إلا أنه وبينما يخضع الأمن الأوروبي لاختبار خطير، فإن "الوضع في أوكرانيا يوفر فرصة أخرى لتنشيط الناتو".

المزيد من تقارير