Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب... المعطيات الشخصية بين ضرورة الحماية وجشع الاستغلال

لم تعد المعطيات الشخصية مجالاً خاصاً بالأفراد بل أصبحت رأسمالاً يمكن استثماره

جانب من ندوة "تحديات حماية المعطيات الشخصية" في الرباط (اندبندنت عربية)

بحث خبراء مغاربة موضوع حماية المعلومات الشخصية خلال ندوة نظمتها في الرباط "منظمة حريات الإعلام والتعبير". واعتبر رئيس "اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية" عمر الشغروشني أن "حماية المعطيات الشخصية هي مسؤولية كل مواطن"، وأن أهميتها كأهمية التصويت في أي عملية ديمقراطية. وقال "ما هو مفهوم الديمقراطية في شبكات التواصل الاجتماعي إذا كانت لا تشرك المواطنين في اتخاذ القرار وتقدم لهم فقط معلومات وخدمات جاهزة؟ إن كل مواطن يجب أن يجعل حماية المعطيات الشخصية هدفاً شخصياً".

ضرورة احترام المعطيات

ورأى رئيس "منظمة حريات الإعلام والتعبير" محمد العوني أنه "لم تعد المعطيات الشخصية مجالاً خاصاً للأفراد، بل أصبحت رأسمالاً يمكن استثماره بأشكال عدة، بما فيها البيع والشراء بإذن و/أو من دون إذن". وتسائل "بما أن تلك المعطيات تشكل رأسمالاً، هل إدارة وتدبير تلك المجالات تعي ما ينبغي القيام به بهذا الصدد؟". وأعطى أمثلة على تلك المجالات، معدداً القضاء والعدالة، التربية والتعليم، الفن والثقافة، الاتصال والمواصلات، البحث العلمي والابتكار، مجالات عمل وتحرك الشباب، الرياضة، الاقتصاد، لا سيما التجارة والصناعة والإعلام وغيرها من المجالات. وأضاف "باتت للحياة الرقمية مكانة واسعة وتأثير كبير في الحياة الخاصة بالنسبة للكثيرين، خصوصاً لدى الشباب واليافعين، لدرجة أن بعضهم أضحت حياته الخاصة تعادل الحياة الرقمية، وبقدر ما ترتبط الأدوات الرقمية بالبصمة الإنسانية تأكيداً على عمق طابعها الفردي، بقدر ما تؤكد أن الهوية الشخصية أصبحت معرضة للاستباحة من قبل النزعة التجارية، وذلك من خلال استغلالها لأهداف ربحية غير مشروعة، ومن النزعة الأمنية التي تدفع إلى استغلال الصلاحيات لحماية المجتمع والدولة باسم منع حدوث اعتداءات على حريات الأشخاص والمجموعات والحقوق، إضافة إلى النزعة الإجرامية من احتيال ونصب وسرقة وسطو".
من جهة أخرى، خلص يحيى اليحياوي، الخبير في مجال الإعلام والتكنولوجية الحديثة إلى أن "موضوع حماية المعطيات الشخصية معقد ودونه عوائق تقنية وقانونية". أضاف أن "القليل من المواطنين يهتمون به ويعونه حق الوعي، فالثقافة الرقمية أصبحت اليوم تزاوج بين الأمية والتكنولوجيا الرقمية، فإمكانية المعرفة الجزئية لطرق استغلال المعطيات الشخصية لا تظهر إلا بعد فضيحة من الفضائح. إن موضوع حماية المعطيات الشخصية أساسي حاضراً ومستقبلاً، على اعتبار أن التكنولوجيا أصبحت تغزو الناس في مضاجعهم".
 

وسائل الضغط

من ناحية أخرى، اعتبر الشغروشني أن "بيد المغاربة قوة ضغط من أجل دفع الشركات العملاقة إلى احترام المعطيات الشخصية". وقال إن "قوة المغاربة تجاه وسائل التواصل الاجتماعي والشركات العملاقة تكمن في الوعي، نحن أمام ضرورة تكامل بين الدولة والمجتمع لحماية المعطيات الشخصية، باعتبار أن الدولة وحدها غير قادرة على مواجهة الشركات الرقمية العظمى. هناك طرق للضغط الشعبي على تلك الشركة العملاقة ومنها المقاطعة. هل المغاربة قادرون على الخروج والتخلي عن فيسبوك؟ أو على الأقل أن يقللوا من التعامل مع فيسبوك ساعة في اليوم ليظهروا مدى وعيهم؟".
أما اليحياوي فأشار إلى أن الشركات الرقمية العملاقة تجني أرباحاً خيالية من دون دفع ضرائب، وذلك عبر التصريح بها في مناطق الإعفاءات الضريبية، مضيفاً أن "الكبار لا يمكن محاربتهم بالقانون ولكن عبر مناقشتهم في ضوابط الاستعمال، يجب خلق نموذج اقتصادي جديد يدمج بين إنتاج شركات المستقبل للثروة وبين احترام المعطيات الشخصية".
 
خدمة غير مجانية
 

ويعتقد يحيى اليحياوي أن الوعي بتحديات حماية المعطيات الشخصية يقتضي الوعي بالنموذج الاقتصادي للشركات العملاقة التي تحقق أرقام معاملات بمليارات الدولارات وتمنح الخدمات لمستعمليها مجاناً. وأضاف "تشير المقولة المشهورة إلى أنه "عندما لا تدفع ثمن سلعة ما فاعلم أنك أنت السلعة"، أصبحت الشركات الرقمية العملاقة بمثابة حكام جدد بكل ما في الكلمة من معنى، كونهم يسوّقون المغاربة عبر معطياتهم الشخصية. إن المعطيات الشخصية تنقسم إلى شقين، الأول يدلي به المغاربة طوعاً عند إنشاء الحسابات على الإنترنت أو الدخول إلى مواقع إلكترونية، والثانية تلتقطها الشركات العملاقة عبر تتبع الآثار المتروكة من مستعملي الإنترنت خلال البحث عبر الشبكة". وأضاف الخبير المغربي أن "الخدمات المقدمة عبر الإنترنت في حقيقة الأمر ليست مجانية، كونها توظِف مليارات المعطيات الشخصية كسلعة للتجارة والبيع للمعلنين، إن معطياتنا الشخصية لها قيمة كبيرة، لكننا نمنحها لتك الشركات طواعية كي يربحوا من خلالها. لا يمكن أن نعرف كيف توظَف 154 مليار رسالة إلكترونية متداولة يومياً عبر العالم، إن كل إعجاب يوضع على تدوينة في فيسبوك يتم تقييمه بسعر معين، وكذلك الأمر بالنسبة لوضع معطيات تتعلق بالسن والحالة العائلية والجنس، علاوةً على إشراك صورة في موقع للتواصل الاجتماعي. إن جمع مليارات الإعجابات والتعاليق والمعطيات يؤدي إلى ربح الشركات العملاقة لمليارات الدولارات، فيما يظل المستهلك الحلقة الضعيفة حيث لا تتم استشارته حول ضوابط استغلال معطياته الشخصية".
 

سلطة الخوارزميات

كذلك، شدد الشغروشني على ضرورة إطلاق نقاش بين المغاربة باعتبارهم من أكبر المستهلكين لخدمات فيسبوك في المنطقة. وقال إن "المعركة ليست من أجل حماية المعطيات الشخصية لكنها من أجل حماية المواطن من الخوارزميات التي تفرض عليه حكامة أجنبية، يكمن الخطر اليوم في تلك الخوارزميات باعتبارها علبة سوداء لتوجيه المواطنين المغاربة وغيرهم. إن احترام المعطيات الشخصية هو احترام لحق من حقوق الإنسان".
كما اعتبر اليحياوي من جانبه أن "شركات الإنترنت العملاقة أصبحت تجمع وتخزن مليارات المعطيات في مراكز عملاقة وعبر تطبيقات وخوارزميات معقدة، من دون أن تدري الدول ولا الأفراد الغاية من استعمالها النهائي، إن فيسبوك على سبيل المثال لا يقوم بالإشهار في اللوحات بالشارع ولكن يجمع معطيات ويحللها ويبيعها للمعلنين، إن تلك الشركات توظف تلك المعطيات استناداً إلى البحث العلمي، في الذكاء الاصطناعي الذي هو مستقبل البشرية".
 

تجارة الإدمان والتخويف

وشبه الشغروشني ما تقوم به تلك الشركات بشأن المعطيات الشخصية، "بما يتم في مجال المخدرات وتجارة الأسلحة"، حيث قال إن "الشركات العملاقة تمنح بعض الخدمات مجاناً كالمخدرات ثم تقدمها بعد الإدمان بمقابل، كما تزرع الخوف في نفوس المستخدمين ثم تبيع خدماتها مثل الأسلحة للمتخاصمين لتحقيق توازن رعب". وأضاف أن "مقاومة ذلك التخدير واجب عبر بناء ثقافة مجتمعية واعية للتعامل مع التكنولوجيا. إن المغرب يعمل على تطبيق القانون، لكن الأمر لا يخص القانون وحده بل يجب وجود وعي. لا يكفي تطبيق القانون وحده وإنما يجب نشر الوعي عبر جمعيات المجتمع المدني. ويمكن لارتفاع نسبة الوعي أن يساهم في تطوير تعامل الموطنين مع الهجمات المستهدفة لمجالات عدة، كالثقافة والكتاب والمعرفة. إن الهوية الرقمية هي مستقبل المواطن في إطار الاقتصاد الرقمي، سنرى مستقبلاً شباباً لا يعرفون كتابة موضوع بنموذجه التقليدي: مقدمة، عرض، خاتمة، وإنما شباباً يكتبون بمنطق التغريدات".
وانخرط المغرب الأسبوع الماضي، في اتفاق رقم 108 الذي أطلقه المجلس الأوروبي في مجال حماية المعطيات الخاصة والحياة الشخصية، ما سيطرح على الرباط التزامات كما سيمنحها مجالاً للاستفادة من حماية المعطيات الشخصية، علماً أن هذه الاتفاقية هي الوحيدة الموجودة في العالم لحماية تلك المعطيات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات