Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما يريده البريطانيون والأميركيون من زيارة ترمب

خلال السنوات الأخيرة كانت السياسة البريطانية أشبه بدائرة لإطلاق النار يسدد الجميع فيها أسلحتهم على بعضهم البعض وهناك قلق من أن ترمب سيُلقي قنبلة إضافية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خلال زيارة ترمب إلى بريطانيا في يناير 2017 (رويترز)

لقد كنت حاضراً في العديد من الاجتماعات بين رؤساء الولايات المتحدة ورؤساء وزراء المملكة المتحدة. ولم تكن تلك اللقاءات في يوم ما واضحة أو يمكن التنبؤ بها، وقد تكون مرهقة للغاية بالنسبة لأولئك الذين لهم صلة وثيقة بها. في المملكة المتحدة، تبحث وسائل الإعلام عن أي تلميح بالجفاء الرئاسي - أو، إن لم يكن الأمر كذلك،  فإنها تبحث عن الود. ويتم التعليق على كل شيء من لغة الجسد إلى مدة المؤتمر الصحفي إلى تبادل الهدايا على أنها تنطوي على معنى خفي.

تنجح مثل هذه الزيارات عندما يرى الجانبان حافزاً سياسياً قوياً يدفعهما للقيام بذلك: مثل ان تكون هناك عملية انتخابية قادمة، أو اشتراك الجانبين بطرح مبادرات طموحة للسياسة الخارجية ، أووجود العدو المشترك. وربما تنجح مثل هذه الزيارات حيث توجد كيمياء قوية تجمع بين الأشخاص.

من الواضح أن زيارة الدولة التي سيقوم بها دونالد ترمب إلى بريطانيا ستكون صعبة. وربما الأكثر تحدياً في الذاكرة. الكثيرون على الجانب البريطاني كانوا يأملون ألا تُوجّه دعوة على عجل في فترة ترمب الرئاسية الاولى. وبعد الاضطرابات السياسة التي شهدتها بريطانيا خلال الأسبوع الماضي، تساءل الكثيرون في الجانبين عما إذا كان توقيت الزيارة لا يزال مثالياً.

لكن وفقاً للمعطيات الحالية، فإن طائرة الرئاسة الأميريكية ستهبط على مدرج المطار في 3 يونيو/حزيران. لقد حدد القصر الملكي موعداً لاستقبال خاص للرئيس، بدلاً من الاحتفال العام ومسيرة استعراض الخيول المعتادة. إن أعمال الصيانة التي تجري في القصر تعني أن ترمب لن يقيم فيه.  وتمنع المخاوف الأمنية من جولة استعراضية في عربة ذهبية في الشارع الواصل بين قصر باكنغهام وساحة الطرف الأغر، الأمر الذي كان دونالد ترمب يتوق إليه.

في زيارات الدولة السابقة، أقام الرئيس الأميركي حفل عشاء في السفارة الأمريكية على شرف الملكة. هذه المرة، سيحضر الأمير تشارلز حفل العشاء نيابة عنها. رئيسة الوزراء ستستقبل  الرئيس ترمب في داونينغ ستريت، قبل أيام قليلة من تنحيها عن زعامة الحزب.

ومرة أخرى، ستشكل الاحتجاجات الواسعة خلفية للزيارة، مُسجّلة الكره المنتشر في جميع الأحزاب البريطانية لسياسات وأسلوب وقِيَم ترمب. لكن يجب على المملكة المتحدة أيضاً أن تميز بين ترمب الشبيه بشخصية الشرير في المسرحيات الترفيهية، وبين ترمب الرئيس الأميريكي. بالنظر إلى الحساسيات، ستكون الطموحات متواضعة. وتحتاج بريطانيا إلى ثلاثة أشياء من هذه الزيارة.

أولاً، أن تُظهر للعالم - وللبلد نفسه - أن هناك عالماً يتجاوز موضوع خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأن بريطانيا لا تزال تتمتع بالأهلية والوحدة والكرامة. عندما نتعامل مع أنفسنا بجدية أكبر، نستطيع مطالبة العالم بأخذ تطلعاتنا العالمية على محمل الجد.

ثانياً ، على بريطانيا تجنب المزيد من الاستقطاب في النقاش السياسي المعطوب في المملكة المتحدة. في بعض الأحيان في السنوات الأخيرة، كانت السياسة البريطانية على هيئة دائرة لإطلاق النار يصوّب الجميع فيها أسلحتهم على بعضهم البعض. و سيكون هناك قلق من أن ترمب سيرمي بقنبلة إضافية. إن اللغة التي يستخدمها في حديثه عن الأعراق أو الجنس أو شركاء المملكة المتحدة في الكومنولث، ستكفل طرده من أي حكومة بريطانية. لذلك يأمل مضيفوه في أن يستطيع إبقاء خطابه  في سياق الرئاسة أكثر، وأن يبقى عقد أي لقاء مع شخصيات غير رسمية - مثل ’نايجل فاراج’ زعيم حزب بريكست مثلا - بعيداً عن عدسات المصوّرين. ونتمنى أن يحالف بريطانيا الحظ في هذا الجانب (اي منع التصوير مع شخصيات جدلية).

ثالثاً، ولتفادي أسوأ هجمات على النظام الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة ولكنها تبرّت منه الآن. تعتمد الاستراتيجية الجيوسياسية للمملكة المتحدة على قيادة أمريكية مسؤولة على المسرح العالمي بدلاً من دبلوماسية أشبه بلعبة الكرة والدبابيس وعدم القدرة على التنبؤ بعرض اللعبة هذا أن خرجنا من الاتحاد الأوروبي أو ألا نخرج. وتتجسد مصالح بريطانيا في المفاوضات الصبورة اللازمة لتجنب أزمات المناخ والتجارة والهجرة، وإخماد الحرائق في الشرق الأوسط بدلاً من إشعالها.

لن تكون التوقعات عظيمة، وقد تعهد ترمب بانتظام بإثبات أن منتقديه على صواب. لكن الجهود جارية لإنقاذ بعض الكلمات الرئاسية المُطمئنة للناتو على أقل تقدير.

في هذه الأثناء، يحتاج دونالد ترمب إلى ثلاثة أشياء مختلفة.

أولاً، الظهور كرئيس له علاقة تربطه بالعائلة المالكة في بريطانيا. وسيأمل ألا تطرأ تعديلات ولو طفيفة على البروتوكول المعتاد. وأن تُلتقط له صور جيدة في القصر.

ثانياً ، إظهار أن سياساته المميّزة تحقق نجاحاً. ومع أن أي تغريدة لم تصدر عن ترمب حتى الآن لتأكيد (سعادته بنتائج حزب بريكست في الانتخابات الاوروبية)، لكن يُفترض أن ترمب مسرور بنجاح حزب بريكست وحلفائه في الانتخابات الأوروبية. وسوف يستمد طاقة مما يراه امتدادا ترَمْبيّاً رافضاً للسياسات التقليدية. ومع ذلك، فإن مستشاريه الأكثر يقظة سيحذرونه من أن القيم السائدة في المملكة المتحدة، بما في ذلك بين مؤيدي بريكست، ليست ترَمْبية. بشكل خاص، فإن حرية التجارة والتنقل والتفكير والابتكار هي الخط الفاصل بين مؤيدي بريكست التحرريين و المنادين بالخروج الانعزاليين.

ثالثاً، محاولة صرف الاهتمام عن التحديات السياسية التي يواجهها في الولايات المتحدة، وهذا يعتمد بشكل رئيسي على العاملَيْن الأولَيْن.

إن التحدي الذي يواجهه أولئك الذين يضعون اللمسات الأخيرة على الخطط هو أن الزيارة تحتاج أن تسير بدقة بالنسبة للمضيفين البريطانيين، وأن تكون مفاجئة بالنسبة لترمب.

توقعوا أن يركز أولئك الذين ينظمون تلك الاستعدادات قدر الإمكان على الأهداف المتداخلة (آفاق التجارة المستقبلية والرسائل الرصينة والمشتركة حول التحديات السياسية العالمية مثل كوريا الشمالية) ؛ للسيطرة قدر الإمكان على تلك المواضيع المعروفة و المجهولة في نفس الوقت؛ والمرور عليها بأسرع ما يمكن، قبل حلول لحظة أهم بكثير وهي: الاحتفال مع زعماء العالم بالتضحية التي قدمها جيل سابق في يوم النصر لحمايتنا من الاستبداد والتعصب والتطرف.                                           

في خضم هذا، سيشعر العديد من البريطانيين بالارتياح، حيث التقت الملكة خلال سنوات حكمها السبع والستين، بعشرة رؤساء أمريكيين: لقد أدت دورها في هذا الجانب. إنها شخص محترف للغاية لدرجة أنها لن تسمح للحظة بتسريب رأيها الحقيقي بهذا الرئيس بالذات، لكن البعض سوف يتكهن بأنها لن ترغب بالجلوس معه في ظل ظروف أخرى.

سيُستقبل دونالد ترمب في المملكة المتحدة بكرامة وحب واحترام بسبب المنصب الذي يشغله، وللشعب الأميركي، وللقيم والتاريخ المشترك، وللعلاقة الخاصة القوية القادرة على الصمود في  بما يكفي لتحمل الأوقات الجيدة والسيئة. اما الذهب فلديه الكثير منه في بلده.

*توم فليتشر الحاصل على وسام الشرف الملكي، أستاذ زائر في جامعة نيويورك، عمل سابقاً  سفيراً للمملكة المتحدة ومستشاراً لرئيس الحكومة. وهو مؤلف كتاب "الدبلوماسي العاري".

© The Independent

المزيد من آراء