Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب تراجع دور الاتحاد الأفريقي في الأزمة السودانية

أثبت الدور الأفريقي فعاليته في التوصل إلى توقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني

جانب من حركة قطع الطرقات في الخرطوم استجابةً لإعلان العصيان المدني، الثلاثاء 18 يناير الحالي (أ ف ب)

ظل السودانيون يتغنون لفترات طويلة بالدور الذي لعبه الاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر بين فرقائهم السياسيين بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، والذي كلل بتوقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019، لكن لوحظ تراجع هذا الدور مع تجدد الأزمة السودانية التي تفجرت بعد إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وفض الشراكة مع المدنيين في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولم يتحرك الاتحاد الأفريقي إلا قبل أيام معدودة، بوصول مفوض السلم والأمن أديوي بانكولي إلى السودان، السبت 15 يناير (كانون الثاني) الحالي، وسلم رسالة إلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من رئيس الاتحاد موسى فكي تتضمن رؤية الاتحاد لمعالجة الأزمة. فما أسباب هذا التراجع، وهل الاتحاد الأفريقي قادر الآن على لعب دور ينهي الأزمة السودانية؟

تعليق العضوية

عبر الباحث في العلاقات الدولية أحمد حسين، عن اعتقاده بأن "هناك عوامل عدة أسهمت في تراجع دور الاتحاد الأفريقي وتعاطيه مع الأزمة السودانية التي تفجرت عقب قرارات البرهان في 25 أكتوبر، منها قرار تعليق عضوية السودان وعدم مشاركته في كل نشاطات الاتحاد لاعتباره ما حدث في الخرطوم من سيطرة الجيش على السلطة وحل الحكومة الانتقالية انقلاباً عسكرياً يخالف المعايير الديمقراطية للاتحاد، بل إنه إهانة للقيم المشتركة. إلى جانب تكشف الأمور حول الاختراقات التي صاحبت الوثيقة الدستورية التي كان الاتحاد شاهداً على توقيعها، فضلاً عن دخول أطراف دولية وإقليمية مؤثرة لحل الأزمة السياسية في البلاد من دون تنسيق مع الاتحاد الأفريقي.
وأشار حسين إلى أن "من الأشياء التي قللت من مكانة الدور الأفريقي في السودان، أن الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك التي استمرت أكثر من سنتين لم تولِ اهتماماً وميولاً للجانب الأفريقي ولو في جانب الاستفادة من تجاربه في النهوض التنموي، على سبيل المثال تجربة رواندا التي أذهلت العالم، إضافة إلى غياب نشاط القمم الأفريقية وغيرها من الفعاليات لدعم السودان، خلافاً للمبادرات العربية التي كانت حاضرة لتقديم العون والمساعدة للحكومة الانتقالية، وليس ببعيد اجتماع أصدقاء السودان الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض، الثلاثاء 18 يناير، لمناقشة الجهود المشتركة لدعم استقرار وازدهار السودان وشعبه، وذلك من خلال تعزيز التنسيق المشترك لدعم كل الجهود التي تضمن الانتقال السياسي السلمي في البلاد، فضلاً عن دعم جهود بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية.
ولفت إلى أنه بوجه عام، لم يكن السودان متحمساً للحالة الأفريقية، والتي عانت أيضاً من تأثيرات وباء كورونا الذي تسبب في تراجع موارد عديد من دول القارة، وبالتالي حد من حركتها، إلى جانب الهزة التي ضربت إثيوبيا ممثلة في الحرب مع إقليم تيغراي، والتي شلت حركة الاتحاد يتخذ من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقراً له، وكذلك تأثير الصراع الدائر بين السودان وإثيوبيا على الحدود الشرقية"، مبيناً أن "الاتحاد الأفريقي أصبح عبارة عن منظمة إقليمية فاترة لا قدرة لديها على تقديم حلول ناجحة، وينحصر دورها في القيام بدور العلاقات العامة. لكن بشكل عام ليس للاتحاد تأثير كبير وتحركاته أصبحت غير مفيدة سياسياً واقتصادياً، وليس باستطاعته وقف أو إنهاء أي نزاع داخل القارة".
وأشار الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن "غياب القادة الفاعلين والعظماء الذين تقلدوا رئاسة هذا الاتحاد مثل الرئيس النيجري السابق أولوسيجون أوباسانجو، كان سبباً في ما يعاني منه الاتحاد الأفريقي من حضور ونشاط وفاعلية خلال هذه الفترة من تاريخ الاتحاد، لذلك لا بد من إعادة النظر في وضع الاتحاد وكيفية النهوض به مجدداً حتى يتمكن من أداء دوره بالصورة المطلوبة".

ممارسة الضغوط

في السياق، قال الكاتب الإريتري المتخصص في شؤون القرن الأفريقي محمود أبو بكر، "في اعتقادي أن تأخر الاتحاد الأفريقي في اتخاذ موقف لمعالجة الأزمة السياسية في السودان، مبرر لجهة أن الاتحاد علق عضوية السودان نتيجة ما اعتبره انقلاباً عسكرياً وفقاً لميثاقه، وبالتالي لم يكن من الوارد أو المناسب التوسط لدى الانقلابيين الذين دعاهم إلى التراجع عن قرارات 25 أكتوبر، وبالتالي من الطبيعي ألا يكون له دور في الوساطة في بداية الأزمة بل الضغط لإطلاق سراح الوزراء المدنيين الذين اعتقلوا قبل ساعات من تنفيذ الانقلاب، وعلى رأسهم عبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية، التي حلها البرهان بموجب تلك القرارات". وتابع أبو بكر، "بالفعل نجحت الضغوط الدولية، منها ضغوط الاتحاد الأفريقي وغيره في إطلاق سراح المعتقلين، وفق ما سمي الاتفاق السياسي الذي أبرم بين البرهان وحمدوك في 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن استقالة الأخير في الثاني من يناير وخروجه من الاتفاق قد يكون دفع الاتحاد إلى تطوير مواقفه، لا سيما في ظل دخول البلاد في أزمة جديدة ما بعد رحيل حمدوك".
ورأى في ما يتعلق بمدى قدرة الاتحاد الأفريقي على إحداث اختراق في الأزمة السودانية المستفحلة، الآن بعد أحداث العنف التي أدت إلى سقوط 71 قتيلاً منذ انقلاب البرهان، أن "الأمر مرهون بمدى تجاوب المكون العسكري مع الوساطة الأفريقية، ومدى قدرة الأخيرة على ممارسة الضغوط عليه للانتقال مرة أخرى إلى حكومة مدنية". وزاد، "المكون العسكري معني بالطبع، بإنهاء الأزمة لكن لم نتبين حتى الآن ما شروطه وبأي كلفة، كما أن دولة مقر الاتحاد الأفريقي (إثيوبيا) لم تعد تتمتع بعلاقات صحية مع السودان، كما كانت أثناء بداية ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وتحديداً بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، وبالتالي حظوظ نجاح وساطة الاتحاد الأفريقي تبدو أقل من التجربة السابقة".
ومضى الكاتب الإريتري ليقول، إنه "قد يكون الاتحاد الأفريقي بحاجة إلى تنسيق وساطته مع القوى الدولية الأخرى، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك جامعة الدول العربية لممارسة الضغط المطلوب على المكون العسكري خصوصاً، فضلاً عن القوى المدنية والأحزاب السودانية لإنهاء الأزمة الراهنة".

قوة فاعلة

في المقابل، أوضح منسق البرامج الخارجية في معهد دراسات وثقافات السلام في الخرطوم، عبد الناصر مجذوب، أنه "لم يحصل أن تقاعس الاتحاد الأفريقي طيلة عمره في مد يد العون إلى أي دولة أفريقية سواء فنياً أو لوجيستياً، وقد أثبت أن له قوة وفاعلية في قضايا عدة قام بحسمها، وشاهدنا دوره الفاعل في إحداث توافق بين المكونين العسكري والمدني في السودان عقب الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي توج بتوقيع الطرفين على الوثيقة الدستورية، كما سبق أن أنجز الاتحاد الأفريقي اتفاقية أديس أبابا في عام 1972 لإنهاء تمرد حركة الأنانيا في جنوب السودان في فترة حكم الرئيس الأسبق جعفر النميري، والتي حققت استقراراً لمدة عشرة سنوات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف مجذوب، "في تقديري، أن الاتحاد الأفريقي أقدر على حل أي مشكلة أفريقية وخصوصاً القضية السودانية، من منطلق خبرته الطويلة في مثل هذه القضايا، فضلاً عن أنه لا ينطلق من مصالح وأجندة محددة، عكس الجهات الدولية والإقليمية التي غالباً ما يكون لديها أهداف وأغراض معروفة. كما أثبتت الوقائع أن الاتحاد الأفريقي يسعى إلى تحقيق استقرار السودان وأمنه القومي ويريد الخير لشعبه، وذلك لقناعة الاتحاد بأن استتباب الأوضاع في السودان ينعكس إيجاباً على القارة الأفريقية ككل بخاصة منطقة القرن الأفريقي".
وعزا الباحث السوداني تأخر تدخل الاتحاد الأفريقي في الأزمة السودانية إلى أنه "قد يريد إعطاء فرصة للسودانيين لحل مشكلتهم من داخل البيت السوداني مستفيدين من إرثهم النضالي والتاريخي"، مبدياً اعتقاده أن "الاتحاد الأفريقي له حق إذا كان اتخذ موقفاً من السلطات السودانية أو أطراف الصراع، نظراً لتجاوزه في هذه الأزمة وعدم إعطائه القيمة والمكانة التي يستحقها لمساهمته القيمة في حل أزمة السودان الأولى"، مبيناً أنه "قد يكون وارداً أن فتور العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا على خلفية الصراع الحدودي على منطقة الفشقة، تسبب في تباطؤ الاتحاد الأفريقي في التدخل لحل هذه الأزمة على وجه السرعة، بحكم احتضان إثيوبيا لمقر الاتحاد، إضافة إلى تأثره بمحور روسيا والصين".
وأشار منسق البرامج الخارجية في معهد دراسات وثقافات السلام، إلى أنه "يجب على السودان أن يعظم ويعمق علاقاته مع الدول الأفريقية من خلال اتباع سياسة خارجية تراعي مصالحه، وذلك عند التعاطي مع القضايا ذات البعد الاستراتيجي في القارة مثل سد النهضة الذي كان على الحكومة السودانية أن تنظر له باعتباره مشروعاً تنموياً يعود بالنفع لدولتي المصب (السودان ومصر)، وليس مهدداً للأمن والسلم".

دعم التوافق

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان تسلم، السبت 15 يناير الحالي، رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي تتعلق برؤية الاتحاد حول التطورات السياسية في السودان وسبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.
وأكد المبعوث الأفريقي مفوض السلم والأمن أديوي بانكولي، استعداد الاتحاد الأفريقي لدعم التوافق السياسي بين كل الأطراف السياسية من أجل تحقيق الانتقال السياسي في السودان، مشدداً على التزام الاتحاد الأفريقي بالتشاور مع الحكومة وأصحاب المصلحة وكل المكونات المجتمعية من أجل الوصول إلى حل سياسي سلمي قابل للتنفيذ.
وأعرب بانكولي عن قلق الاتحاد الأفريقي تجاه الأوضاع التي يمر بها السودان باعتباره دولة مؤسسة للاتحاد، مشيراً إلى "التزام الاتحاد باحترام سيادة السودان". ودعا إلى "نبذ العنف وتغليب المصلحة الوطنية وازدهار السودان"، لافتاً إلى أن "الأمر يتطلب إرادة قوية من كل أصحاب المصلحة".
ولفت المبعوث الأفريقي إلى أن "حرص الاتحاد على التواصل مع جميع الشركاء الدوليين والمجتمع الدولي للوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية في البلاد من دون تجاوز دور الاتحاد الأفريقي في هذا الصدد".

تقديم تسهيلات

كما سبق أن أكد عضو مجلس السيادة الانتقالي الطاهر حجر أهمية تعزيز أوجه التعاون مع الاتحاد الأفريقي وترقيتها إلى آفاق أرحب".
وامتدح خلال لقائه، الثلاثاء 18 يناير، الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان السفير محمد بلعيش، دور الاتحاد وجهوده لترسيخ دعائم الاستقرار في دول القارة، لا سيما السودان. وعزا ذلك "لإلمام الاتحاد ومعرفته بالواقع السوداني وما يحظى به من قبول وثقة لدى السودانيين".
من جهته، أشار بلعيش إلى أن "اللقاء تناول دور الاتحاد ومساهمته في تقديم التسهيلات والمساعدات اللازمة للخروج من الأزمة السياسية الراهنة في السودان وفق ما يرتضيه أهله"، لافتاً إلى "المساعي والأفكار النيرة التي تم تقديمها من أجل إيجاد مخرج يؤمن الاستقرار والتحول الديمقراطي المنشود". وبين أن اللقاء بحث أيضاً الكيفية التي يمكن من خلالها تأمين حصص ودورات تدريبية لترقية وتطوير قدرات أبناء السودان في مختلف المجالات.

المزيد من العالم العربي