دعت الولايات المتحدة الصين إلى "التوقّف عن تقويض سيادة الدول الأخرى"، بينما بدأت في تحصيل رسوم جمركية أعلى بنسبة 25 في المئة على سلع صينية عدة وصلت إلى الموانئ الأميركية صباح السبت في تكثيف للحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما أدى إلى فرض بكين تعرفات جمركية انتقامية. وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الزيادة في الرسوم على قائمة من السلع الصينية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار في 10 مايو (أيار) لكنه وافق على فترة سماح للبضائع المحمولة بحراً، التي غادرت الصين قبل هذا الموعد وبالتالي ستخضع للرسوم التي كانت سارية قبل ذلك وهي 10 في المئة. وحدد مكتب الممثل التجاري الأميركي في 15 مايو الماضي، الأول من يونيو (حزيران) موعداً نهائياً لهذه السلع التي تصل إلى الولايات المتحدة، تبدأ بعدها هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية في تحصيل رسوم تبلغ 25 في المئة في الموانئ الأميركية.
وتشمل زيادة التعرفة الجمركية مجموعة كبيرة من السلع الاستهلاكية والمكونات الوسيطة من الصين، بما في ذلك خوادم الإنترنت والأثاث والمكانس الكهربائية ومنتجات الإضاءة. الصين من جهتها، بدأت في وقت سابق السبت تحصيل رسوم انتقامية أعلى على معظم السلع الواردة في قائمة مستهدفة تشمل بضائع أميركية قيمتها 60 مليار دولار. وكانت هذه التعرفات أُعلنت في 13 مايو وتفرض رسوماً إضافية تبلغ نسبتها 20 في المئة أو 25 في المئة على حوالى 5140 منتجاً أميركياً مستهدفاً.
صراع على نفوذ
تخوض واشنطن وبكين صراعاً على النفوذ في منطقة الشرق الأقصى التي تضم نقاط توتر عدة مثل بحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان. وطغت العلاقات بين البلدين على النقاشات في منتدى "حوار شانغريلا" الذي ينعقد في نهاية الأسبوع في سنغافورة بحضور وزراء الدفاع وكبار المسؤولين العسكريين من مختلف أنحاء العالم. وقال وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان في سنغافورة إن "الصين يمكنها ويجب عليها أن تقيم علاقات تعاون مع بقيّة (دول) المنطقة". وأضاف خلال منتدى "حوار شانغريلا" "لكن السلوك الذي يُقوّض سيادة الدول الأخرى ويزرع عدم الثقة بنوايا الصين، يجب أن يتوقّف". وتأخذ الولايات المتحدة بشكل خاص على الصين عسكرتها لجزر صغيرة عدة في بحر الصين الجنوبي تطالب بها تايوان وسلطنة بروناي وماليزيا والفيليبين وفيتنام. وتجري بانتظام عمليات يُطلق عليها اسم "حرية الملاحة" في المحيط الهادئ وتقوم بطلعات جوية فوق المجال الدولي، فيما تبحر سفن حربية قرب جزر متنازع عليها وعبر مضيق تايوان.
ارتياب وحذر
قال شاناهان "حين تقطع دولة ما وعداً ولا تحترمه، فيجب الارتياب منها. أما حين لا تقطع الدولة ذاتها أي وعد، فيجب الحذر منها فعلياً"، في إشارة إلى الوعد الذي قطعه الرئيس الصيني شي جينبينغ للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعدم عسكرة جزر صغيرة باتت الآن تحت سيطرة بكين. وشدد شاناهان على أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراعات، لكننا نعلم أن امتلاك قدرات لكسب حرب ما، هو أفضل وسيلة لتجنب الصراعات"، مشيراً إلى المخاطر على أمن المنطقة التي تمثلها دول مثل كوريا الشمالية "التي لا تزال تشكل تهديداً استثنائياً وتتطلب تيقظاً دائماً". وأضاف "لا يمكن لأي دولة ولا يحق لها، أن تهيمن على منطقة المحيط الهندي-الهادئ... نريد التأكد من عدم تمكن أي خصم من الاعتقاد أن بإمكانه بلوغ أهداف سياسية عبر قوة السلاح".
الانفاق العسكري
وذكر شاناهان أن موازنة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التي لا يزال يُفترض أن يصادق عليها الكونغرس، تنص على نفقات أبحاث وتنمية بقيمة 104 مليار دولار، موضحاً أن "البنتاغون سيستثمر كثيراً في السنوات الخمس المقبلة في برامج مهمة لمنطقة المحيط الهندي-الهادئ لكي تكون مستقرة وآمنة". وأشار بشكل خاص إلى الدفاع المضاد للصواريخ، وهو المجال الذي استثمرت فيه الصين كثيراً في السنوات الماضية. وخلص الى القول إن منطقة المحيط الهندي- الهادئ "هي مسرح عملياتنا الذي يحظى بأولوية، وسنستثمر في المنطقة، معكم ولكم".
رد صيني
في المقابل، أوفدت الصين للمرة الأولى منذ العام 2011 إلى سنغافورة وزير دفاعها الجنرال وي فنغ الذي سيلقي خطاباً الأحد للرد على تصريحات شاناهان. وحذرت بكين الجمعة وفي مناسبة لقاء بين شاناهان والجنرال وي على هامش منتدى "حوار شانغريلا"، من أن الولايات المتحدة يجب ألا "تقلل من أهمية تصميم وعزيمة وقدرات الجيش الصيني". لكن شاناهان حاول تهدئة التوتر عبر التأكيد على وجود مجالات تعاون محتملة بين البلدين وخصوصاً في مجال مراقبة احترام العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية في محاولة لثنيها عن مواصلة برنامجها النووي.
توتر مع الهند
في سياق آخر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الولايات المتحدة ستوقف المعاملة التجارية التفضيلية للهند اعتباراً من الأربعاء المقبل، ما سيسبب بانتكاسة اقتصادية جديدة لنيودلهي تُضاف إلى تباطؤ النمو ومعدل بطالة قياسي.
وتُعتبر الهند أكبر دولة مستفيدة من برنامج الأفضليات المعمم المطبق منذ عقود، والذي سمح لها بتصدير ما قيمته 5,7 مليار دولار من السلع المعفية من الرسوم الجمركية في العام 2017، وفق بيانات نشرها الكونغرس الأميركي. وصرح ترمب في وقت متأخر الجمعة أنه يريد وصولاً أكبر للسلع الأميركية إلى الهند، مضيفاً "توصلت إلى أن الهند لم تضمن للولايات المتحدة بأنها ستتيح لها وصولاً منطقياً وعادلاً إلى أسواقها... وبالتالي من المناسب إنهاء منح الهند وضع البلد النامي". وكان ترمب أعلن في مارس (آذار) الماضي أنه سينهي الاتفاق التجاري التفضيلي مع الهند لكنه لم يحدد تاريخاً لذلك. وسعت واشنطن إلى تعزيز العلاقة الدبلوماسية مع الهند، لكنها كثيراً ما اشتكت من القيود المفروضة على الوصول إلى السوق الضخم الذي يضم 1,3 مليار شخص. وفي 2017-2018، بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الهند 26,7 مليار دولار. ويُعد إعلان ترمب، عقبةً جديدة تهدد الحكومة الهندوسية القومية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي أُعيد انتخابه لولاية ثانية قبل أسبوعين بعد حملة ركزت في جزء منها على سجله في إصلاح الاقتصاد. وأظهرت أرقام رسمية نُشرت الجمعة أن نمو الهند تباطأ للفصل الثالث على التوالي، مسجلاً 5,8 في المئة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس. لم تصدر الحكومة أي تعليق فوري على قرار واشنطن، لكن تقارير وسائل الإعلام ذكرت أن نيودلهي تفكر في زيادة رسوم الاستيراد على أكثر من 20 سلعة أميركية من بينها منتجات زراعية وكيماوية. وقلل وزير التجارة الهندي من أهمية القرار الأميركي بإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية في مارس، قائلاً إن التجارة التفضيلية تتعلق بجزء صغير من صادرات الهند السنوية إلى الولايات المتحدة والبالغة قيمتها حوالى 80 مليون دولار.
خلافات مع باكستان
كذلك، أعلنت الولايات المتحدة الجمعة أنها علّقت امتيازات الإعفاء الضريبي الممنوحة لدبلوماسيين باكستانيين، بسبب خلافات متبادلة مع إسلام آباد في فصل جديد من التوتر بين البلدين. وبموجب معاهدة فيينا التي أُقرت في العام 1961، يُعفى الدبلوماسيون في أنحاء العالم من دفع ضرائب في الدول التي يوفدون إليها. ويستخدم موظفو السفارات في واشنطن بطاقات إعفاء ضريبي تمنحها وزارة الخارجية الأميركية في المطاعم ومتاجر التسوق. وقالت وزارة الخارجية إنها تسحب الإعفاء الضريبي الممنوح لدبلوماسيين باكستانيين اعتباراً من 15 مايو (أيار) الماضي، مشيرةً إلى مسائل ضريبية عالقة يواجهها دبلوماسيون أميركيون في باكستان. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن "المسألة تخضع لمحادثات ثنائية مستمرة، ونأمل أن نتمكن من حل المسألة وإعادة تطبيق الامتيازات الضريبية". وفيما لا ترتبط هذه المسألة بالسياسة، فإن الولايات المتحدة فرضت العام الماضي قيوداً على حركة دبلوماسيين باكستانيين في واشنطن تمنعهم من التنقل خارج نطاق 40 كيلومتراً حول العاصمة بعد اتهامات بأن الشرطة الباكستانية غالباً ما تضيّق على دبلوماسيين أميركيين. وقالت السفارة الباكستانية في واشنطن إن 22 مسؤولاً من طاقمها كانوا يستفيدون من الإعفاء الضريبي "على أساس مبدأ المعاملة بالمثل". وتُعد باكستان حليفةً للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، لكن العلاقات بينهما اتسمت بالتوتر في السنوات الماضية، فاقتطع ترمب 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لإسلام آباد وسط اتهامات بإخفاقها في كبح المتشددين الذين يشنون هجمات في أفغانستان والهند. وحاولت باكستان إحياء العلاقات باستخدام اتصالاتها مع حركة "طالبان" لتسهيل المفاوضات مع إدارة ترمب التي تريد سحب قواتها من أفغانستان وإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.