Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ من المحطات بين طهران وواشنطن... من "الموت لأميركا" إلى "لا نريد حربا معها" (الجزء الثاني)

احتجز الإيرانيون 52 دبلوماسيا ومواطنا من الولايات المتحدة رهائن مدة 444 يوما

الاعتقاد كان سائدا في أوساط الإيرانيين البسطاء ان دعم الثورة يبدأ من معاداة الولايات المتحدة (رويترز)

في الحلقة الثانية من العلاقات الأميركية- الإيرانية، تبدأ "اندبندنت عربية" من حيث انتهى بها المطاف في الحلقة الأولى، نعم، فشلت عملية "ديزرت وان" التي خاضها الكوماندوس الأميركي لإنقاذ موظفين ورعايا أميركيين في طهران، بعدما اجتاحت ميليشيات مرتبطة بالراديكالي الآتي من فرنسا، ليكون جزاء ضيافة الغرب له احتجاز رعايا الغرب، في مشهد يحمل دلائل ألا عهد مع متطرف يريد الاستئثار بحكم ثيوقراطي تكون له الحاكمية في الأرض ومن سكن فوق ظهرها.

الرئيس الأميركي جيمي كارتر وفي 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 يحظر النفط الإيراني ويأمر بتعليق واردات النفط من إيران، معلناً أن الولايات المتحدة لن تستسلم "للمطالبات غير المقبولة"، فالولايات المتحدة لن ترجع الشاه إلى إيران مقابل إطلاق سراح من يحتجزون من رعايا وموظفين عاملين في السفارة الأميركية لدى طهران.

الرهائن الأميركيون

احتجز الإيرانيون 52 دبلوماسياً ومواطناً أميركياً كرهائن لفترة دامت 444 يوماً، أي من الرابع من نوفمبر 1979 إلى 20 يناير (كانون الثاني)1981، بعد أن تولت مجموعة من طلاب الجامعات الإيرانيين المنتمين إلى خط الإمام، والتي ترتبط بالنظام الراديكالي الإيراني الجديد، ذلك النظام الذي حلّ على أنقاض حكم الشاه الذي اضطرته التوقيتات الحرجة إلى مغادرة أميركا ليكون ضحية مرض السرطان حيث وافاه الأجل في مصر.

وكان الاعتقاد سائداً في أوساط الإيرانيين البسطاء أن دعم الثورة الإيرانية يبدأ من معاداة الشيطان الأكبر (الولايات المتحدة الأميركية)، بحسب الرسائل والأدبيات لنظام الولي الفقيه، الذي أساء لتاريخ إيران المعاصر.

رونالد ريغن

كان إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين كرهائن في إيران أحد أهم القضايا الوطنية البارزة في الولايات المتحدة، وبعدما فاز الرئيس الأميركي وممثل أفلام الكاوبوي الشهير رونالد ريغن بالانتخابات، وفي يوم تنصيبه وبعد 20 دقيقة من اختتام خطابه الافتتاحي تحديداً، أعلنت السلطة الراديكالية الجديدة في إيران إطلاق سراح الرهائن.

العراق يرد على العدوان الإيراني

بدأت رحى الحرب بالدوران بين العراق وإيران في حرب استمرت ثماني سنوات، واتسعت الاشتباكات فيها على طول الحدود العراقية الإيرانية والبالغ طولها آلاف الكيلومترات، وبدأت الحرب على إثر توتر احتدم بين البلدين عام 1980. وفي ذلك الوقت، بدأت الاشتباكات الحدودية المتقطعة بين البلدين، ثم اتهمت حكومة بغداد إيران بقصف المخافر الحدودية في الرابع من سبتمبر (أيلول) 1980 وكانت هذه بداية للحرب.

وعلى إثر ذلك، قام الرئيس الراحل صدام حسين بإلغاء اتفاقية الجزائر في 17 سبتمبر 1975 مع إيران، وصرح النظام العراقي آنذاك، أن كامل مياه شط العرب ما هي إلا جزء من المياه الإقليمية العراقية، واشتدت حدة الاشتباكات الحدودية لتصبح حرباً شاملة بين البلدين بعد قيام القوات العراقية باجتياح الأراضي الإيرانية في 22 سبتمبر 1980، وأعلن العراق الانتصار في هذه الحرب الطاحنة في بيان اسماه بيان البينات عام 8-8-1988.

الأميركيون والسوفيات

تراجعت علاقة العراق مع الاتحاد السوفياتي في ظل رغبة موسكو في تعضيد العلاقات مع إيران، وامتنع الاتحاد السوفياتي عن دعم العراق أو بيع الأسلحة، وذلك بموجب اتفاقية تعاون موقعة بين البلدين. ولم يكن الدعم الأميركي للعراق في حربه مع إيران سراً، وكثيراً ما طرح النقاش حول هذا الأمر في جلسات مفتوحة في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين.

وفي التاسع من يونيو (حزيران) 1992، أفادت تقارير إخبارية أميركية بأن إدارتي ريغن وبوش الأب سمحتا بتدفق الأموال والتقنية الزراعية والتكنولوجيا والمواد الكيماوية والأسلحة إلى العراق. وفي عام 1983، وقع اختيار الرئيس الأميركي الأسبق ريغن على دونالد رامسفيلد ليكون مبعوثاً أميركياً إلى الشرق الأوسط، والتقى بصدام حسين في بغداد في ديسمبر (كانون الأول) 1983، أما الزيارة الثانية فكانت في أواخر مارس (آذار) 1984".

وفي 26 نوفمبر 1984، استعاد العراق والولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية، ليتمثل دعم الولايات المتحدة للعراق إبان الحرب العراقية- الإيرانية في أمور تتعلق بالدعم الاستخباري المباشر ودعم من نوع آخر من خلال الحلفاء، كما فرضت الولايات المتحدة حصاراً على إيران للحد من استيرادها للسلاح. ويرى مراقبون أن ما فعلته الولايات المتحدة جاء متماشياً مع استراتيجية موازنة القوى بين الطرفين، وعُدت الحرب فرصة لإضعاف البلدين.

 إيران كونترا

الغريب بالأمر أو ربما لا غرابة، هو ما قامت به الولايات المتحدة في 12 نوفمبر 1986 فيما أُطلق عليه إيران كونترا، ففي اجتماع مع أعضاء الكونغرس، أقر الرئيس رونالد ريغن شخصياً، للمرة الأولى، بإرسال الإمدادات العسكرية إلى إيران، وحجته أنه كان ينوي إقامة علاقات مع العناصر المعتدلة في إيران. وفي خطاب ألقاه من المكتب البيضاوي في 13 نوفمبر 1986، دافع ريغن عن مبادرته الدبلوماسية السرية مع إيران قائلاً "إنه يريد الضغط على طهران لاستخدام نفوذها في لبنان لتأمين الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين هناك"، معترفاً بإنه "أذن بنقل كميات صغيرة من الأسلحة وقطع الغيار الدفاعية" إلى إيران.

التحقيقات والنتائج

وفي 22 نوفمبر 1986، كشف المسؤولون في مكتب المدعي العام عن معلومات في مكتب المقدم أوليفر نورث، وهو مساعد مستشار الأمن القومي، نورث أشار إلى تحويل ملايين الدولارات من مبيعات الأسلحة الإيرانية إلى المتمردين في نيكاراغوا، وهم ما يطلق عليهم باسمContras .

الرئيس ريغن ونائبه جورج بوش أخبرا وسائل الإعلام بأنهما ليسا على علم بتحويل تلك الأموال، إذ أعلن ريغن في وقت لاحق استقالة الأدميرال جون بوينديكستر مستشار الأمن القومي، والذي قالت عنه الإدارة الأميركية إنه كان على علم بالعملية، كما عزل أوليفر نورث، مساعد مستشار الأمن القومي، ليبدأ الكونغرس تحقيقاً في هذه الفضيحة في مايو (أيار) 1987، ويستمع إلى أكثر من 250 ساعة من شهادات 28 شاهداً على دراية أو تعامل في هذا الملف.

المأزق الأميركي

ولكي تخرج الولايات المتحدة من هذا الوصف الداعم للراديكالية، كان لا بد من كسب الأمر إعلامياً على أقل تقدير، ففي العام ذاته، أي في عام 1987 دخلت الولايات المتحدة على خط الصراع العراقي- الإيراني، وعلى نحو مباشر، بعدما شنت هجوماً على زوارق إيرانية وناقلات نفط إيرانية، ما أدى إلى تدمير رصيفين عائمين تابعين لإيران وإغراق ثلاث مدمرات، وأصابت سفينتين عسكريتين قبالة السواحل الإيرانية.

الولايات المتحدة والحرب العراقية- الإيرانية

في يوليو (تموز) 1987، في الحرب التي اصطلح الأميركيون "حرب الخليج الأولى" اسماً لها، أما العراقيون فكانوا يطلقون عليها قادسية صدام المجيدة بخلاف الإيرانيين الذين أسموها "حرب الدفاع المقدس"، إذ كان الخميني يعطي مفاتيح للشباب الإيراني لكي يذهب بها إلى باب الجنة عند استشهاده دفاعاً عن فكر الولي الفقيه في عملية غسيل عقلي لا تقل ضرراً عما نسمعه من أفكار التطرف هنا أو هناك.

حينها، بدأت الولايات المتحدة بحماية الملاحة العربية في الخليج، وهو جهد أميركي يهدف إلى شل البحرية الإيرانية، وهي المرحلة الأولى لما أطلق عليه آنذاك بحرب الناقلات، إذ استخدم العراق طائرات هليكوبتر منخفضة الطيران لمهاجمة السفن الإيرانية، وفي المرحلة الثانية، ابتداء من مارس 1984، بدأت الطائرات العراقية بإطلاق النار على سفن متجهة إلى الموانئ الإيرانية.

إيران من جهتها، ردت في شهري أبريل ومايو عام 1984 بمهاجمة ناقلات نفط تابعة لدولة الكويت والسعودية، وكلاهما كان يدعم العراق في الحرب. وطلبت الكويت في ذلك الوقت الحماية الدولية، ووقع الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي على مرافقة السفن الكويتية بعدما قلت نسبة حماية الولايات المتحدة لناقلاتها.

ستارك يو. أس. أس

وفي 17 مايو 1987، أطلق العراق النار على فرقاطة الصواريخ الأميركية "ستارك" ما أسفر عن مصرع 37 من أفراد البحرية الأميركية وجرح 20 آخرين. وستارك كانت تقوم بدورية روتينية في المياه الدولية شمال شرقي البحرين عندما وقع الهجوم، وكانت في مهمة استكشاف تحت الماء كما قالت البحرية الأميركية في بيان لها.

العراق اعتذر عن الحادث، لأنه كما تناقلته وسائل إعلام، بأن ما حصل وقع خلافاً لأوامر القيادة العراقية، وأن الطيار الذي نفذ الهجوم أُعدم، لكن الأنباء تضاربت حول ذلك، وقيل إنه لم يعدم وبقي على قيد الحياة. وبعد هذه الحادثة، قال الرئيس ريغن "إنه سيتخذ إجراءات لحماية نقل النفط في الخليج من تهديدات إيران أو أي شخص آخر"، في إشارة واضحة إلى العراق.

المزيد من تحقيقات ومطولات