Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يزحف الاقتصاد العالمي نحو التضخم المدمر في 2022؟

تحذيرات من استمرار الأزمة وتآكل الأصول وانخفاض أسعارها بنسبة 15 في المئة

تداعيات كورونا تجدد أزمات الأسواق وتدفع التضخم للعودة بقوة  (أ ف ب)

في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يتلهف بشدة إلى التخلص من التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا، كانت الآمال تشير إلى أن العام الحالي سيشهد بداية انفراج سلسلة الأزمات التي صاحبت الجائحة، لكن بحلول الربع الثالث من العام الماضي بدت أزمة جديدة تمثلت في الاتجاه نحو ركود عالمي، وهو ما حدث بالفعل.

وعلى خلاف ما كان متوقعاً في شأن إمكان أن تتجاوز الاقتصادات الكبرى والمتقدمة سلسلة الأزمات بسبب اتجاهها السريع نحو خطط التحفيز ودعم اقتصاداتها، لكن حدث ما لم يكن متوقعاً، إذ تحولت خطط التحفيز الضخمة ومليارات الدولارات التي ضختها البنوك المركزية العالمية في اقتصاداتها إلى وقود لأزمة التضخم التي اشتعلت بالفعل، ولم تترك مربعاً على وجه الكرة الأرضية إلا ويعاني منها.

ففي الولايات المتحدة الأميركية قفز معدل التضخم مسجلاً أعلى مستوى له منذ نحو 39 عاماً خلال الشهر الماضي، مما يلقي مزيداً من الضغوط والتطورات على مشهد الاقتصاد العالمي. وسجل معدل التضخم ارتفاعاً بنسبة 6.8 في المئة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، كما ارتفع التضخم الشهري بنسبة 0.8 في المئة ليأتي متجاوزاً التوقعات.

ودفع الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات مثل أسعار الطاقة والطعام مؤشرات التضخم نحو تحقيق مستويات قياسية.

ويواجه العالم حالياً موجة تضخمية كبيرة خلفها انتشار فيروس كورونا واضطراب سلاسل الإمداد والطلب الكبير على البضائع والسلع، ويعد مؤشر التضخم في الولايات المتحدة الأميركية من البيانات المهمة للاقتصاد العالمي، نظراً إلى ما يمثله للعالم، إذ يعد أكبر اقتصاد فيه.

تحذيرات من موجة تضخم مستمرة

وفي دول الاتحاد الأوروبي كشفت بيانات رسمية حديثة عن أن معدل التضخم الأوروبي ارتفع ليسجل أعلى مستوى له خلال 24 سنة مع ارتفاع أسعار الطاقة، إذ ترتفع أسعار المستهلكين الأوروبيين بأسرع وتيرة لها منذ العام 1997.

وبلغ معدل التضخم السنوي في 19 دولة تستخدم اليورو، بما في ذلك أكبر اقتصادات أوروبا، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، مستوى 4.9 في المئة خلال شهر نوفمبر الماضي، مدفوعاً بشكل أساس بارتفاع أسعار الطاقة، وفقاً لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي، وهو أعلى معدل منذ العام 1997، عندما بدأ الاتحاد الأوروبي في جمع البيانات استعداداً لإطلاق اليورو بعد ذلك بعامين، وبزيادة من 4.1 في المئة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان تقرير حديث للرابطة الاقتصادية العالمية الصادر عن مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال قد كشف عن أنه من الضروري أن تجد حكومات العالم طرقاً للتعامل مع التضخم، وإلا فإن الاقتصاد العالمي سيواجه مرحلة الركود في عام 2023 أو 2024.

 

وبفرض استمرار الظروف على ما هي عليه، فمن المتوقع أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تقل عن واحد في المئة عام 2023، قبل أن يتعافى بشكل طفيف في 2024 إلى اثنين في المئة.

ووفق التقرير فقد ارتفع معدل التضخم بشكل كبير هذا العام بسبب نقص السلع الأولية والسلع الجاهزة ومساحات الشحن والوقود الأحفوري، مما أدى إلى ما يسميه المحللون الآن "التضخم المستمر"، وتوقعوا أن تنخفض أسعار الأصول بنحو 10 إلى 15 في المئة هذا العام، مما قد يساعد في تجنب التباطؤ في الاقتصاد العالمي المدفوع بالتضخم، من دون الحاجة إلى اللجوء لتدابير تقشف شديدة.

وتقود الولايات المتحدة هذا الاتجاه مع إعلان الاحتياطي الفيدرالي إجراء ثلاث زيادات في أسعار الفائدة خلال 2022، ومن المتوقع أن تتبعها الصين قريباً، كما لمّح البنك المركزي الأوروبي إلى أنه قد يحذو حذوها في عام 2023. ورجح التقرير أن تتعرض الأسواق الناشئة إلى الضرر على طول الطريق، مما يفاقم التحذيرات التي أطلقتها العديد من المؤسسات مثل وكالة "ستاندرد أند بورز".

ماذا تعرف عن التضخم؟

والتضخم هو زيادة واسعة النطاق ومستمرة في أسعار السلع والخدمات في البلاد على مدى فترة طويلة من الزمن، ويشير إلى زيادة أسعار معظم السلع والخدمات الشائعة أو تلك التي يستخدمها السكان بشكل يومي، مثل الطعام والملبس والمسكن، وببساطة فإن معدل التضخم هو مقياس يجمع متوسط أسعار مجموعة من هذه السلع، وتحدد نسبته وفقاً للسلطة المتخصصة.

ويعكس مؤشر التضخم الارتفاع في كلفة هذه المجموعة من السلع والخدمات خلال فترة معينة، والتي قد تكون شهرية، لكن المؤشر الأكثر شيوعاً عادة ما يقيس التغير خلال عام كامل، وقد تستخدم كل سلطة داخل الدولة سلة سلع وخدمات مختلفة عن غيرها، بمعنى أن المنتجات التي يقيس البنك المركزي التغير فيها قد تختلف قليلاً عن سلة المنتجات التي تستخدمها الحكومة أو جهاز الإحصاءات في الدولة.

ويعتبر معدل التضخم الاقتصادي مؤشراً إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة داخل الاقتصاد، ويتم تحديد قيمته بالنسبة المئوية، والتي تعكس كما ذكرنا معدل الزيادة في أسعار السلع والخدمات.

وفي حال كانت النسبة سالبة فهذا يعني انخفاض الأسعار، ويسمى انكماشاً وليس تضخماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق تقرير لصندوق النقد الدولي فإن التضخم يعد أحد أكثر الكلمات شيوعاً في علم الاقتصاد، مشيرة إلى أنه تسبب على مر التاريخ في غرق البلدان في فترات طويلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، كما أنه غالباً ما يكون هدفاً للمسؤولين، فمثلاً يطمح قادة البنوك المركزية دائماً إلى أن يكونوا الأبطال الذين كبحوا جماح التضخم (في حالات نادرة يحاولون زيادته)، وبعض السياسيين يعتمدون في الدعاية الانتخابية على الوعود بالسيطرة على التضخم، وبعضهم فقد شعبيته لفشله في ذلك.

متى يكون التضخم مدمراً؟

هناك أمثلة كثيرة على أنه من الممكن أن يتحول التضخم إلى كارثة حقيقية، ففي اليونان عام 1944، وصل معدل التضخم "اليومي" إلى 18 في المئة، إذ كانت الأسعار تضاف عشرات المرات على مدار الساعة، وذلك في خضم الحرب العالمية الثانية وبعدما استولى الاحتلال على موارد الدولة، وتسبب ذلك في انهيار الإنتاج الزراعي ونقص الغذاء، مما أحدث مجاعة كبرى، وتراجعت الضرائب وقفز التضخم الشهري إلى 13800 في المئة، وهذا يعني أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بهذه النسبة عن مستوى الشهر السابق.

وأيضاً شهدت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى حالاً مشابهة، ونظراً إلى الديون المتراكمة اندفعت الحكومة إلى طباعة الأموال، فانهارت قيمة العملة المحلية (المارك)، وتخلفت البلاد عن سداد ديونها عام 1923، وأدى ذلك إلى احتلال فرنسا وبلجيكا جزءاً من الأراضي الألمانية للحصول على مستحقاتهما في شكل أصول ثابتة.

وفي خضم هذه الأحداث وصل معدل التضخم الشهري إلى 29500 في المئة. وعلى سبيل المثال كانت كلفة رغيف الخبز قبل 10 أشهر تبلغ 250 ماركاً، لكنها قفزت بعد ذلك إلى 200 مليار مارك.

وفي تسعينيات القرن الماضي اضطرت يوغوسلافيا إلى إصدار عملة جديدة بعد موجة تضخم قاسية، كما اضطرت زيمبابوي خلال العقد الأول من هذه الألفية إلى استخدام الدولار الأميركي إلى جانب الراند، وفي الوقت الحالي تعاني فنزويلا تضخماً مفرطاً وأزمة سياسية عميقة.

كذلك الولايات المتحدة الأميركية لم تسلم من التضخم المفرط، ففي السبعينيات عانت من فترة ممتدة من التضخم الذي وصل إلى 14 في المئة سنوياً عند مرحلة ما، متسبباً في تراجع حاد لقيمة سوق الأسهم وضعف النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة.