Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجيش السوداني يعزز تدابيره والمحتجون يتكبدون مزيدا من القتلى

عمدت قوات الأمن إلى إغلاق الطرق وقطع الإنترنت وتركيب كاميرات على المحاور الرئيسة في الخرطوم

محتجون ضد الحكم العسكري في الخرطوم (أ ب)

قطعت السلطات السودانية، اليوم الخميس، خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة، وأغلقت الطرق المؤدية إلى الخرطوم، ووضعت حاويات على الجسور التي تربط العاصمة السودانية بضواحيها، فيما قالت لجنة أطباء السودان المركزية إن أربعة قتلى سقطوا خلال الاحتجاجات المناهضة للحكم العسكري، وواجهتها قوات الأمن بقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.

وقالت لجنة الأطباء في بيان، إن أربعة محتجين قتلوا برصاص قوات الأمن، منهم ثلاثة على الأقل في أم درمان، مضيفةً أن "المطاردات (للمتظاهرين) تتواصل داخل الأحياء مع إطلاق الرصاص الحي والانتهاك السافر لحرمات المنازل".

ومع كل دعوة جديدة يطلقها مناصرو السلطة المدنية المعارضون للفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، الذي عزز سلطته بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، تستخدم السلطات وسائل جديدة.

قطع الإنترنت

وتعطلت فيما يبدو خدمات الإنترنت في العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الخميس، قبل الاحتجاجات.

وقال مصدر في شركة الاتصالات لـ"رويترز" إن "أمر وقف الخدمات جاء من الهيئة القومية للاتصالات السودانية".

واليوم، عمدت قوات الأمن (الشرطة، والجيش، والقوات شبه العسكرية من قوات الدعم السريع) للمرة الأولى إلى تركيب كاميرات على المحاور الرئيسة في الخرطوم، حيث من المقرر أن يتجمع المتظاهرون، وفق ما أشار مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية.

وأعاد مجلس السيادة السوداني هذا الأسبوع صلاحيات الاعتقال والاحتجاز والمصادرة لجهاز الاستخبارات.

وطالبت السفارة الأميركية، الأربعاء، "بضبط النفس الشديد في استخدام القوة"، بينما أسفرت التظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري خلال شهرين عن مقتل 48 متظاهراً وإصابة المئات بالرصاص.

ودعت السفارة السلطات إلى "عدم اللجوء إلى الاعتقالات التعسفية" بالتوازي مع إعلان النشطاء عن مداهمة منازلهم ليلاً، كما يحدث في عشية كل تظاهرة.

وفي 19 ديسمبر (كانون الأول) الموافق الذكرى الثالثة للثورة التي أسقطت عمر البشير، اتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن باغتصاب متظاهرات، لمحاولة تهشيم حركة لطالما حشدت عشرات الآلاف من السودانيين.

وبعد إدانة العالم انقلابه، أعاد البرهان ظاهرياً رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك إلى منصبه، لكن السودان ما زال من دون حكومة، وهو شرط لاستئناف المساعدات الدولية للبلد الذي يعد من الأفقر في العالم.

ويترقب السودانيون، بقلق بالغ انطلاق مسيرات "مليونية 30 ديسمبر" في العاصمة الخرطوم التي ستتجه إلى القصر الرئاسي في ثالث تحدٍّ خلال 12 يوماً من أجل المطالبة بإبعاد العسكر من الحكم، وإفساح المجال كاملاً للمدنيين لإدارة شؤون البلاد، وذلك في ضوء منح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة للتصدي للمتظاهرين بكل وسائل البطش المتاحة من دون أدنى مساءلة قانونية بحق أي فرد من القوات النظامية في حال قيامه بعمليات اعتقال أو تفتيش، أو غيره من الأعمال ذات الطابع الأمني.

وشهدت منطقة وسط الخرطوم التي تقع فيها المنشآت الاستراتيجية، كالقصر الرئاسي، والقيادة العامة للجيش، والوزارات والمصارف، منذ مساء الأربعاء، انتشاراً أمنياً كثيفاً وإغلاقاً تاماً للمنطقة بآليات عسكرية ثقيلة مع إطلاق تحذيرات من الاقتراب إليها، إلى جانب اغلاق الكباري والجسور التي تربط بين الخرطوم ومدينتي الخرطوم بحري وأم درمان ما عدا جسري "الحلفاية" و"سوبا"، وذلك لمنع تدفق المتظاهرين لهذه المنطقة (وسط الخرطوم)، وعرقلة حركة وصولهم إلى القصر الرئاسي الذي يعتبر وجهتهم الرئيسة.

وقد حددت تنسيقيات لجان المقاومة في مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) مسارات نقطة التقاء المواكب قبل تحركها باتجاه القصر الرئاسي، فضلاً عن إصدارها تعليمات عامة تمثلت في الالتزام بتوجيهات القيادة الميدانية على أن تكون اللافتات في مقدمة المواكب، وضرورة التتريس (إغلاق الشوارع بالأحجار) أثناء حركة سير المواكب، وزيادة المتاريس عند حدوث اشتباكات مع قوات الأمن، وترك مسار وحركة المواكب، في حال إغلاق الكباري والجسور أو فتحها والمسارات البديلة، إلى القيادة الميدانية، والالتزام بزمن تحرك المواكب بحسب موجهات القيادة الميدانية، والحفاظ على سلمية المواكب والتعاون مع لجان التأمين لحسم التفلتات، وعدم الاحتكاك مع القوات النظامية، والالتزام بمسارات المواكب، والتعاون مع اللجان الطبية وإفساح المجال لها لأداء مهامها، ورصد المندسين وإخطار لجان التأمين.

فرق محامين

ووفقاً لعضو التحالف الديمقراطي للمحامين السودانيين، المعز حضرة، فإنهم يأملون من السلطات السودانية المحافظة على حقوق الإنسان بالسماح للمواطنين بالتظاهر السلمي باعتباره حقاً مشروعاً منصوصاً عليه في الوثيقة الدستورية المتوافق عليها بين المكوّنين المدني والعسكري، كما أن كل القوانين تدعو لذلك، بالتالي لا يجوز لأي جهة منع هذا الحق، مؤكداً أن العنف الذي تستخدمه الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين مخالف للقوانين، كما أن حالة الطوارئ المعلنة باطلة، وبحسب المادة 11 في الوثيقة الدستورية، فإنه يحق لرئيس الوزراء طلب أمر الطوارئ على أن يعتمده مجلس السيادة، لكن ما تم هو العكس تماماً.

وبيّن حضرة أنهم، كتحالف للمحامين، لديهم فرق تنتشر في أقسام الشرطة كافة لتفقد المعتقلين من المتظاهرين والقيام بإجراءات إطلاق سراحهم بالضمان المالي، مستنكراً ما يجده المحامون من معاملة سيئة من قبل أفراد الشرطة في ظل غياب تام لوكلاء النيابة من مسرح العدالة، إذ تعتقد الشرطة أنها تعمل بموجب أمر طوارئ يتيح لها هذا الحق.

معركة غير متكافئة

وأشارت إيمان حسن عبدالرحيم، عضو لجان مقاومة أم درمان الكبرى والناشطة الحقوقية، إلى أن الشارع السوداني لا يُرهبه التخويف والتلويح بالطوارئ، بل إن ما صدر من مرسوم طوارئ بإطلاق يد أفراد الأمن لترعيب المواطنين يزيد من إصرار وعزيمة الشباب الذين يعتبرون وقود هذه التظاهرات، وتمسكهم بالشعارات الرافضة حكم العسكر، وعدم التفاوض والشراكة معه، لافتة إلى أنهم على قناعة تامة بأن مشوار المقاومة سيطول، وأنهم سيواصلون نضالهم السلمي لحين الوصول إلى المدنية الكاملة طال الزمن أم قصر. وتابعت، "نتوقع اليوم ممارسة كل أشكال العنف والبطش والإرهاب، لكن هذا الجيل من الشباب أصبح لديه قناعة بما يخوضه من معركة شرسة غير متكافئة، وأنه على استعداد بأن يضحي بحياته، ناهيك بالاعتقالات بغية الوصول إلى هدفه المعلوم".

وطالبت الناشطة الحقوقية الأحزاب السياسية في البلاد بأن تتعامل بشفافية ووضوح مع لجان المقاومة في العملية السياسية، وذلك بأن تواكب التطور الذي ينتظم الشارع السوداني، فضلاً عن تحمل المسؤولية تجاه الوطن، بخاصة أن البلاد أمام معترك تاريخي من أجل استرداد الدولة السودانية المختطفة على الرغم من سقوط النظام السابق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سلطات واسعة

وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، قد أصدر في وقت سابق أمر طوارئ يمنح جهاز الاستخبارات سلطات وصلاحيات وحصانات، فضلاً عن اعتقال الأشخاص والتفتيش والرقابة على الممتلكات والمنشآت والحجز على الأموال، وغيره، إلى جانب حظر أو تنظيم حركة الأشخاص، كما اشتمل أمر الطوارئ على عدم اتخاذ أي إجراءات في مواجهة أفراد القوات النظامية التي تتولى تنفيذ قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997، المعلن في أكتوبر 2021 وفق المرسوم الدستوري رقم 18، على أن تنتهي مدة صلاحية هذا الأمر بانتهاء حال الطوارئ المعلنة في البلاد حالياً.

وتأتي إعادة هذا الأمر من جديد بعد أن تم إلغاؤه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، حيث جرى آنذاك تجريد جهاز الاستخبارات العامة من سلطات الاعتقال والتوقيف، وتم النص في الوثيقة الدستورية التي وقّعت بين المكوّنين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019 لإدارة شؤون الحكم في البلاد، على حصر صلاحياته في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها لجهات الاختصاص لتقوم باللازم.

استقالة حمدوك

ومنذ 25 أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات واسعة في الخرطوم ومدن البلاد الرئيسة بلغت 12 مسيرة احتجاجية سقط خلالها 48 قتيلاً، بحسب اللجنة المركزية لنقابة أطباء السودان، رداً على إعلان قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، في ذلك اليوم، حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، عقب اعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، وهو ما اعتبرته قوى سياسية ومدنية انقلاباً عسكرياً، مقابل نفي من الجيش.

وفي 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقّع البرهان ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك اتفاقاً سياسياً يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهّد الطرفان العمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي.

ورحّبت دول ومنظمات إقليمية ودولية، بينها الأمم المتحدة، بهذا الاتفاق، بينما رفضته قوى سياسية ومدنية سودانية، معتبرة إياه "محاولة لشرعنة الانقلاب".

وتأثراً بتداعيات المشهد السياسي وتعقيداته، رشحت أخبار باعتزام رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تقديم استقالته، في ظل رفض القوى السياسية، بخاصة المنضوية تحت مظلة قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السابقة للحكومة الانتقالية) التعاون معه، فضلاً عما وجده من صعوبات لتشكيل حكومته الجديدة بالنظر لتواصل موجة الاحتجاجات الشعبية الداعية لإبعاد العسكر من الحياة السياسية وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، لكن جرت مساعٍ محلية ودولية لإثنائه عن الاستقالة، وتلقى حمدوك اتصالات هاتفية من عدد من الشخصيات الدولية والإقليمية، ولا سيما من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود.

خريطة طريق

وفي إطار الجهود المحلية لحل الأزمة السودانية، طرح حزب الأمة القومي السوداني خريطة طريق تسعى لاستعادة الشرعية واستكمال مهام الفترة الانتقالية، إضافة إلى إقناع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعدم تقديم استقالته، لمنع انزلاق البلاد إلى مربع الفوضى مع تباعد وجهات النظر بين أطراف سياسية مختلفة فشلت في تهدئة غضب الشارع، والوصول إلى رؤية واضحة تحقق أهداف الثورة. وحددت خريطة الطريق خطوات العودة إلى المسار الدستوري من خلال الحوار بين أطراف المرحلة الانتقالية بإشراف إقليمي ودولي، وعمل ميثاق شرف ملزم يوقع عليه جميع الشركاء، وإعادة بناء تحالف الحرية والتغيير وفق نظام سياسي يحفظ التوازن، وعقد مؤتمر تأسيسي لإجازة خطة استئناف الشرعية واستكمال مهام المرحلة الانتقالية، وتكوين لجنة قانونية لتطوير الوثيقة الدستورية.

وأكد رئيس حزب الأمة المكلف، برمة ناصر، خلال مؤتمر صحافي، أن انقلاب 25 أكتوبر أدخل البلاد في نفق مغلق، وأربك المشهد الوطني، وزاد من تفاقم الأزمات السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن أنه أهدر فرص استعادة علاقات السودان الخارجية إلى وضعها الطبيعي.

ودان ناصر الانتهاكات المستمرة للسلطة الانقلابية ضد المتظاهرين السلميين، لا سيما الانتهاكات التي وقعت ضد النساء عقب موكب 19 ديسمبر، وحملة الاعتقالات الممنهجة وقطع الإنترنت والاتصالات، مستنكراً إعادة سلطة الاعتقال ومنح الحصانة لجهاز الأمن والاستخبارات، ما يشكل مخالفة دستورية واضحة وتهديداً لمسيرة الانتقال والتحول الديمقراطي. ولفت إلى أن الوطن يمرّ بمرحلة خطيرة تتطلب التكاتف وترك الاختلافات والتشرذم، باعتباره المخرج الوحيد الآمن للوطن للخروج من أزمته الحالية.

وأكد رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي محمد المهدي، أن خريطة الطريق التي طرحها حزبه أوجدتها الظروف التي تمر بها البلاد، لا سيما التعقيد الذي ألقى بظلاله على الوضع برمته والمتمثل في الانقلاب المشؤوم الذي أطاح الشرعية القائمة بموجب الوثيقة الدستورية المتوافق عليها بين المكوّنين المدني والعسكري. ونوّه بأن تداعيات هذا الانقلاب قادت حزب الأمة إلى البحث عن مخرج لهذه الأزمة، وتقدم بخريطة طريق تحتوى على 26 محوراً تغطي كل القضايا التي تهم الوطن، فضلاً عن اقتراح صيغة جديدة لإصلاح قوى الحرية والتغيير.

المزيد من متابعات