Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حي يهودي في القدس الشرقية يثير جدلا دوليا  

لمح الرئيس السابق بيل كلينتون إلى استخدام حق النقض الأميركي في مجلس الأمن ضد المشروع

موقع الحي اليهودي جفعات هماطوس المزمع تنفيذه شرق القدس مقابل قرية بيت صفافا (اندبندنت عربية)

فرحَ يزن عليان (33 سنة) وخطيبته ديانا عام 2016، بموافقة لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية بترخيص بناء 600 وحدة سكنية جديدة للعرب في قرية بيت صفافا جنوب غربي القدس، التي تعاني كما بقية الأحياء والبلدات المقدسية من أزمة سكنية خانقة، وشحٍ كبير في الأراضي المتاحة للبناء.

عليان الذي يعمل مدرساً في إحدى مدارس القرية ويعاني ظروفاً اقتصادية صعبة ومحدودة، تفاجئ بأن سعر الشقة داخل المشروع المزمع تنفيذه والتي تبلغ مساحتها 120 متراً مربعاً لا يقل عن نصف مليون دولار، وهو مبلغ يصعُب تأمينه، بخاصة أن البنوك والمؤسسات المالية الفلسطينية تتعامل مع الاستثمار داخل القدس من منطلق تجاري، وتضع شروطاً كبيرة من أجل الاستثمار أو من أجل تقديم القروض، التي يعجز الشباب عن تسديدها.

خطة قديمة

في الوقت الذي لا يزال فيه مشروع المباني السكنية للعرب في بيت صفافا حبراً على ورق منذ سنوات، أعلنت لجنة التخطيط المحلية في بلدية القدس بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري عن خطة إسكان لحيٍ يهودي في القدس الشرقية مقابل القرية، يقع وراء الخط الأخضر (لفظ يطلق على الخط الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية)، وكانت الأرض محور جدلٍ دولي منذ مصادرتها عام 1995، حيث أمر  رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين  آنذاك بمصادرة مليون و200 ألف متر مربع من مساحة الأرض المفتوحة في القرية، لإنشاء حي "جفعات هماطوس" مع العديد من المعابد اليهودية المخطط لها، لكن أنباء الخطة أثارت ضجة دولية حادة، لاعتبارها أول مصادرة من هذا القبيل في القدس الشرقية، وجاءت على خلفية اتفاقيات أوسلو عام 1993، ما دفع رابين لتجميد الخطة قبل أيام من تصويت مجلس الأمن، بعد أن لمح الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون استخدام حق النقض الأميركي في مجلس الأمن ضد المشروع، مقابل وعدٍ من قبل رابين بعدم المضي قدماً في المشروع المثير  للجدل، الذي كان يتناقض مع زخم عملية بناء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حينه.

تقول الناشطة السياسية البارزة حنان عشراوي في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، " الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان منغمساً في العملية السياسية وتفاصيلها الدقيقة، وسعى من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكنه فعلياً لم ينفذ شيئاً من وعوده، وقيل لنا صراحة إن الأميركيين لن يقفوا يوماً في مواجهة إسرائيل ولا بأي شكلٍ من الأشكال من أجل القضية الفلسطينية، التي لم تكن يوماً على جدول أعمال الحكومات الأميركية المتعاقبة، والتي أكدت مراراً أنها لن تحل الصراع بين الجانبين، بل ستقوم بإدارته ضمن أجندات السلام الاقتصادي، وستطلب من إسرائيل ألّا تُحرجها بالاستيطان. الاختلاف بين كلينتون وبايدن وما بينهما من رؤساء، كان فقط في الاستراتيجيات التكتيكية والدبلوماسية وطريقة إدارة الصراع، وساذج من يعتقد أن الاتفاقيات والوعودات المبرمة بين إسرائيل الولايات المتحدة قد تُنفذ، فالأخيرة لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين على رغم موقفها الواضح من الاستيطان واعتباره غير الشرعي، ومنذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 كانت القدس ولا تزال خارج أي تفاهمات إسرائيلية بهدف استئصالها عن محيطها العربي الفلسطيني، ومحاصرتها بالمستوطنات، وفرض خطة إسرائيلية مُحكمة للضم والتوسع تعزز مفهوم القدس الكبرى على كل فلسطين".

وتضيف عشراوي "إسرائيل لا تُلغي أبداً مشاريعها الاستيطانية وبخاصة في القدس، بل هي تؤجل تنفيذها لاصطياد الوقت والظرف المناسبين، ومشروع بيت صفافا المُجمد منذ 26 سنة، وجد فرصته اليوم للتنفيذ، فهناك وَهن فلسطيني، ضعف حكومي، تقاعس مجتمع دولي، تطبيع عربي، تواطؤ أميركي. إسرائيل لا تعطي أي اعتبار  للولايات المتحدة وقراراتها واستنكاراتها ضد الاستيطان، لأنها متأكدة أن حكومة بايدن هَشة وضعيفة وتنأى بنفسها عن التدخل في إسرائيل التي تضعها في الزاوية، وبإمكانها الضغط عليها والاستقواء باللوبي الأميركي الداعم لها والذي يضم مزيجاً من عدة مؤسسات قوية وفاعلة وتيارات دينية لها تأثيرها في سير الانتخابات الأميركية وقدرة على اللعب بالأرصدة الانتخابية للمرشحين".

عزل كلي

على ثلث مساحة الأرض التي صادرها رابين، سيبنى حي "جفعات هماطوس" اليهودي على مساحة 38 ألف مترٍ مربع، وسيقام فيه بحسب مخططات البلدية حوالى 500 وحدة سكنية ومدرسة ابتدائية وكُنس للعبادة وروضات أطفال، ما سيؤدي وفق مُختصين إلى فصل أحياء بيت صفافا شرق القدس عن مدينة بيت لحم في الضفة الغربية بشكل كامل.

في المقابل، يوضح  رئيس اللجنة الهندسية في بيت صفافا عبد الكريم لافي "إذا ما تم تنفيذ المشروع فعلياً فستصبح القرية كجزيرة فلسطينية عربية محاصرة بأربع مستوطنات، الاحتلال عام 1967 استولى على العديد من الأراضي وسيطر على القرية بالكامل، وحرمنا من التراخيص بحجة قانون أملاك الغائبين، وفي سبعينيات القرن الماضي، صادر نحو 200 ألف متر  لشق طريق "دوف يوسيف" ليصل بين مستوطنة جيلو جنوباً وبات شمالاً، وبذلك فَصل القرية إلى نصفين شرقي يتبع أراضي 1967 وغربي يتبع أراضي 1948، ومع بداية الثمانينيات صادر 80 ألف متر إضافية لشق طريق "موشي برعام" الذي فصل القسم الشمالي من القرية عن مركزها، لتصبح بذلك مقسمة إلى ثلاثة أقسام، وأحكم الخناق على بيت صفافا وعزلها كلياً عن محيطها العربي بعد مصادرة ما تبقى من أراضيها لبناء مستوطنة "جفعات هماطوس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "لا يوجد للفلسطينيين في بيت صفافا أي قطعة أرض للبناء أو التوسع، وهو  ما أجبرنا على البناء بشكل عمودي مكلف وباهظ ومكتظ، كما أن أزمة السكن مع ارتفاع أسعار الشقق بشكل كبير، دفع قرابة 150 ألف شاب من القرية وهم المقبلون على الزواج للسكن خارج حدود بيت صفافا، ما يعني أنهم مهددون من قبل السلطات الإسرائيلية بسحب هُوياتهم المقدسية لمخالفتهم شروط الإقامة الدائمة".

جدل دولي

وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، لم يتم بناء أي حي يهودي على أرض  جفعات هماطوس خلال السنوات الـ 26 الماضية، ولم تنفذ أي مصادرة أخرى من هذا القبيل في القدس الشرقية، لأن أيدي السلطات الإسرائيلية كانت مقيدة بسبب التزام رابين.

منظمة "سلام الآن" المناهضة للاستيطان حَذّرت من أن تكون خطط البناء هذه بمثابة "ضربة قاضية لحل الدولتين"، فيما شدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بداية ديسمبر الجاري، على ضرورة تجنب تل أبيب اتخاذ "أية خطوات أحادية الجانب تُقوض جهود حل الدولتين الذي يجري التفاوض عليه، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية غير القانونية".

بدوره أعرب مفوض الاتحاد الأوروبي السامي للسياسة الخارجية والأمنية، جوزيب بوريل عن "قلق بالغ" إزاء التطور، وقال في بيان سابق "هذا موقعٌ رئيسي بين القدس وبيت لحم في الضفة الغربية المحتلة. إن أي بناء للمستوطنات سيؤدي إلى إلحاق ضرر جسيم بآفاق دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة جغرافياً، وعلى نطاق أوسع، لإمكانية التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض بما يتماشى مع المعايير المتفق عليها دولياً وبأن تكون القدس العاصمة المستقبلية للدولتين".

كما ندّد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في وقت سابق بالخطوة، ووصفها بأنها "محاولة من جانب إسرائيل لـقتل حل الدولتين المدعوم دولياً".

تقاعس

في سياق متصل، أكدت الناشطة حنان عشراوي أن الجهات الرسمية الفلسطينية تقاعست في إظهار حقيقة ما يجري بالقدس وعزلها، وتوضيح الأمور  للمجتمع الدولي"، مشبهةً ردود الفعل الفلسطينية كمن "يضرب رأسه بالحائط".

وقالت "القيادة الفلسطينية لا تملك عوامل قوة تمكنها من ردع إسرائيل ومشاريعها الاستيطانية ، ونُزعت منها مصادر القوة".

ترحيب إسرائيلي

إعادة إحياء جدل "جفعات هماطوس" جاء بعد أيام قليلة فقط، من قيام لجنة التخطيط اللوائية الإسرائيلية بتأجيل مشروع سكني آخر مثير للجدل في موقع مطار عطروت في القدس الشرقية، ووسط رد فعل سلبي من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والمجتمع الدولي حول الاستيطان، رحب وزير هيئة شؤون القدس والتراث الإسرائيلية، زئيف إلكين بالبناء، وقال إنه يجب المصادقة على خطط البناء في حي جفعات هماطوس المتاخم لبيت صفافا لما له من "قيمة استراتيجية لتطوير القدس".

وأشاد عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي ميكي زوهر بالخطة، معتبراً أنها تتيح التواصل بين الأحياء اليهودية في القدس قائلاً "هذا حي في منطقة استراتيجية بين بيت صفافا وطريق الخليل. إن البناء هناك ضروري للحفاظ على التواصل اليهودي بين حيي تابليوت وغيلو".

حقائق جديدة

بحسب معطيات الإدارة المدنية التي تم تسليمها رداً على طلب حرية المعلومات، الذي قدمته جمعية  بمكوم (مخططون من أجل حقوق التخطيط) الإسرائيلية، فإنه بين الأعوام 2016 و 2020 تم إصدار 24 رخصة بناء لفلسطينيين من بين 2550 طلباً، فيما تمت المصادقة في الفترة ذاتها على رخص بناء لـ 8365 وحدة سكنية في المستوطنات في الضفة الغربية، وهو عدد أكبر بـ 384 ضعفاً من عدد الرخص التي أُعطيت للفلسطينيين في المنطقة المصنفة ج (خاضعة للسيطرة الإسرائيلية).

الباحث في منظمة "عير عميم" الحقوقية أفيف تتارسكي، أشار في تصريحاتٍ سابقة لوسائل إعلام إسرائيلية أن جفعات هماطوس، إلى جانب غيلو، سيحوطان حي بيت صفافا العربي بالكامل قائلاً  "يوماً ما، إذا كان هناك حل على أساس مبدأ الدولتين ودولة فلسطينية في القدس الشرقية، ستكون بيت صفافا مقطوعة عن بقية أجزاء القدس الشرقية التي يطالب بها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية. الحي الجديد سيَضع حقائق على الأرض، بحيث إذا رغبت حكومة إسرائيلية في المستقبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، سيكون من الصعب القيام بذلك بصورة تحافظ على التواصل الجغرافي".

وأضاف أن "ضائقة السكن في بيت صفافا هي نتيجة سياسة إسرائيل في العشرين عاماً الأخيرة فهي لم تصادق على أي خطة لتوسيع منطقة البناء في أحياء فلسطينية في المدينة. والآن، في السنة التي سُجل فيها في القدس الشرقية رقم قياسي بهدم البيوت نتيجة للتخطيط الذي يميز ضد الفلسطينيين، سَلبت البلدية والحكومة ما تبقى من الأراضي من بيت صفافا".

من جهة ثانية، يَعتبر المجتمع الدولي بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي أن الأحياء اليهودية في القدس الشرقية غير قانونية، فيما تعارض إسرائيل هذا الادعاء، بحجة أنها تتمتع بسيادة كاملة على القدس بما في ذلك الأحياء التي تم الاستيلاء عليها عام 1967.

ويطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية، بما في ذلك الحرم القدسي والبلدة القديمة، كعاصمة لدولتهم المستقبلية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات