إن كانت القمة الخليجية التي عُقدت بين هضاب العلا في السعودية مطلع العام الحالي قد أذابت خلافاً طال أربع سنوات بين دول خليجية متنازعة، فإن قمة آواخر العام نفسه التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض يعول عليها الكثير، لا سيما أنها تأتي في وقت يشهد فيه الخليج تحركات غير مسبوقة بين أفرقاء الأمس، الإمارات، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، والمباحثات التي قالت عنها السعودية إنها "استكشافية" مع طهران.
ساعات تفصلنا عن قمة دول مجلس التعاون الخليجي، الدول التي تمتلك أكبر احتياطات نفطية في العالم يبلغ حجمها نحو 1.6 يترليون دولار، وهي القمة الرابعة على التوالي التي تستضيفها السعودية منذ تاريخ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، والتي تأتي بعد جولة لافتة قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للدول الأعضاء، وبعد تبادل رسائل تلقاها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز من أمير دولة قطر، وسلطان عُمان، وملك البحرين.
طاولة القمة السداسية سيغيب عنها أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وسلطان عُمان هيثم بن طارق، بحسب ما أفادت الوكالتان الرسميتان لكل من الكويت وعُمان، لكن ثمة تمثيلاً دبلوماسياً عالي المستوى ينوب عنهما.
السلطان هيثم بن طارق الذي يقوم بزيارة خاصة إلى المملكة المتحدة تستغرق عدة أيام، أناب عنه، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية الرسمية، وفداً دبلوماسياً رفيعاً للمشاركة في القمة الخليجية يترأسه فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء.
ووفقاً لوكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا"، "يترأس ولي العهد الكويتي، الشيخ مشعل الأحمد الجابر، وفد بلاده في قمة دول مجلس التعاون الخليجي بالرياض".
اجتماع استباقي لوزاء الخارجية
قبل أيام عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون في مقر الأمانة العامة بمدينة الرياض، الدورة (150) التحضيرية للقمة الخليجية للمجلس الوزاري لمجلس التعاون، برئاسة الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري، وبمشاركة نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون.
وقال وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحافي بحضور وزير خارجية مصر، "إن القمة الخليجية المقبلة ستناقش عدة قضايا لا سيما أمن المنطقة"، مشيراً إلى أنها تأتي في وقت دقيق وحساس.
وأشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف بالجولة الخليجية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان لدول مجلس التعاون، والتي قال عنها، إنها "تأتي انطلاقاً من العلاقات التاريخية الممتدة التي تربط المملكة بشقيقاتها دول المجلس، وتعزيزاً لأواصر المودة والمحبة ووشائج القُربى التي تجمع بين قيادات ومواطني دول المجلس، وتنفيذاً لتوجيهات قادة دول مجلس التعاون لتطوير العلاقات وتعزيزها في مختلف المجالات، ودفعها نحو آفاق أرحب".
المتوقع من القمة
يرى مراقبون أنه من المنتظر أن تكون مفاوضات فيينا بين إيران ودول الغرب حول العودة للاتفاق النووي 2015 ضمن أجندة القمة، إضافة إلى "التدخلات الإيرانية المزعزعة لأمن المنطقة والداعمة لحروب بالوكالة تقودها في اليمن والعراق ولبنان".
ومن المنتظر أيضاً أن أن تكون حرب اليمن والصواريخ الباليستية الإيرانية التي تستهدف المنشآت النفطية السعودية حاضرة، إضافة إلى النزاعات الدائرة في العراق وليبيا وتطورات القضية الفلسطينية.
كما أن الأزمة اللبنانية التي عصفت بالخليج قبل نحو شهر، والتي دعت دول خليجية لسحب السفراء، لن تكون بعيدة عن أجندة القمة، بخاصة عقب الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حراك دبلوماسي غير مسبوق
تحركات غير مسبوقة في دول الخليج تسبق قمة الرياض، لا سيما الدبلوماسية الجديدة التي أبدتها أنقرة تجاه دول الخليج والزيارات المتبادلة بين الإمارات وقطر وتركيا، وهي التي أبدى من خلالها الرئيس التركي رجب طيب أرودغان قبل أيام استعداده لفتح أبواب الحوار في المنطقة، بعد أن قال في مؤتمر صحافي، إن أنقرة "ستفعل كل ما يلزم لتوطيد علاقات تركيا مع دول الخليج". موضحاً أن ثمة تقارباً مع الدول المطلة على الخليج العربي، وهو ما اعتبره "عصراً جديداً مع دول الخليج".
كما تعقد القمة في وقت تشهد المنطقة تقارباً بين إسرائيل ودول خليجية عقب "اتفاق أبراهام"، وعقب يوم من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى أبو ظبي، وهي المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول إسرائيلي عالي المستوى دولة خليجية. وكانت تل أبيب قد طرحت قبل شهر "إمكانية إقامة دفاعات مشتركة مع دول عربية خليجية ضد إيران"، في الوقت الذي يجري فيه ترتيب مبيعات عسكرية للإمارات.
زيارة إماراتية إلى طهران
يجتمع قادة الدول اليوم، بعد نحو 8 أيام من زيارة "غير مسبوقة" قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران، الذي التقى خلالها نظيره الإيراني والرئيس إبراهيم رئيسي في زيارة قالت عنها الدولة الخليجية، إنها تأتي "لتجاوز الخلافات ولتهدئة المنطقة المضطربة بالصراعات". الإمارات التي اتخذت أخيراً شعار "تصفير المشاكل"، قالت إن تحركاتها تجاه طهران تأتي بتنسيق مع السعودية، بحسب ما قال مستشار رئيس الإمارات أنور قرقاش، والذي أضاف أن "الإمارات تشارك السعودية القلق إزاء هجمات حركة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على مدن بالمملكة.
المرتبة الأولى في مجال إنتاج النفط
من الجانب الاقتصادي، تحتل دول مجلس التعاون المرتبة الأولى على مستوى العالم في مجال إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي، حيث بلغ إنتاج دول المجلس من النفط الخام 16.2 مليون برميل يومياً في عام 2020، كما بلغ إنتاج الغاز الطبيعي المسوق خلال نفس العام نحو 424.2 مليار متر مكعب، محتلة بذلك المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وتمتلك دول مجلس التعاون أكبر احتياطي من النفط في العالم، إذ يقدر بنحو 500.2 مليار برميل في عام 2020، بالإضافة إلى ثاني أعلى احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا ويقدر بنحو 43.3 تريليون متر مكعب في عام 2020.
يقول الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي سعود المشاري، أن "دول المجلس تمتلك اقتصاداً يُعد من أقوى الاقتصاديات في العالم، حيث يبلغ حجمه نحو 1.6 تريليون دولار، كما أنها تمتلك الاحتياطيات النفطية هي الأكبر، وتشهد اليوم تحولات اقتصادية كبيرة نحو تنفيذ الرؤى التنموية الطويلة الأجل، مشيراً إلى أن المنظمات الدولية تتوقع أن تشهد هذه الاقتصادات معدلات نمو جيدة تصل إلى 3 في المئة في المتوسط عام 2021، و4.5 في المئة في المتوسط عام 2022.
وبالحديث عن توقيت القمة الـ42، كتبت وكالة الأنباء السعودية تقريراً قالت فيه، إن "القمة الـ42 تأتي متزامنة مع تداعيات جائحة كورونا، التي لا تزال تعصف باقتصادات العالم أجمع، الأمر الذي يعزز القناعة لدى الجميع بأن العالم ما بعد كورونا مختلف تماماً عن العالم ما قبل كورونا، وإن كان عام 2020 قد فرض تحديات غير مسبوقة بسبب الجائحة، إلا أنه قد حمل فرصاً جديدة للعمل على اغتنامها والاستفادة منها".
وأضافت، "تبنى مجلس التعاون التكامل الاقتصادي عوامل عديدة منها الرؤى والخطط التنموية الوطنية في جميع دول المجلس وما توفره من فرص كبيرة للقطاع الخاص نحو قيادة الاقتصاد الخليجي، وبروز الحاجة للتكامل الخليجي في مجالات الأمن الغذائي والدوائي، وتوظيف الاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي، والتكامل اللوجيستي، وكذلك توفير متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز التعامل مع الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وتعزيز الاستثمارات الخليجية المشتركة وتوطين رأس المال الخليجي في مشاريع التكامل على أسس تجارية واقتصادية وفق أفضل ممارسات الحوكمة، وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول والتكتلات المماثلة من خلال اتفاقيات التجارة الحرة ودعم التنافسية والحضور الإقليمي والدولي".
يذكر أن أول قمة خليجية عقدت في دولة الإمارات العربية المتحدة من 25-26 مايو (أيار) عام 1981، برئاسة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتم خلالها الاتفاق على إنشاء مجلس يضم دول المجلس يسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقام الأعضاء حينها "بالتوقيع على النظام الأساسي للمجلس الذى يهدف إلى تطوير التعاون بين هذه الدول وتنمية علاقاتها وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع الميادين الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والتشريعية، بما يخدم مصالحها ويقوي قدرتها على التمسك بعقيدتها وقيمها".