لا يبدو أن الجولة الواسعة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، طيلة يومين، بين الزعماء العراقيين، قد أتت بجديد، إذ تكررت العبارات المعهودة نفسها، التي تعقب لقاءات من هذا النوع، من قبيل "تعزيز العلاقات وتعميق الروابط". لكن الجديد هو أن رأس الدبلوماسية في طهران أعلن صراحة أن بلاده ليست بحاجة إلى وساطة عراقية في أزمتها مع الولايات المتحدة، مقترحاً على دول الخليج توقيع ميثاق "عدم اعتداء مشترك".
على المستوى الرسمي، التقى ظريف في بغداد، برئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فضلاً عن وزير الخارجية محمد الحكيم.
على المستوى السياسي، التقى الوزير الإيراني زعيم تحالف الإصلاح عمار الحكيم، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري، وزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي.
وزخرت البيانات التي صدرت عقب هذه اللقاءات، بعبارات المجاملة بين الطرفين، ولم تتضمن أي إشارة إلى طبيعة المساعدة التي تعهّد العراق بتقديمها إلى إيران في مواجهة العقوبات الأميركية.
الطرفان يستغلان الوضع
يقول مراقبون إن كلاً من طهران والزعماء في بغداد يستخدم هذه اللقاءات والصور والبيانات التي تصدر عنهما للاستهلاك الإعلامي.
تفرض التعقيدات المتعلقة بالمحاصصة السياسية في العراق إطاراً غريباً في التعاطي مع زيارات مسؤولي الدول الأخرى. ولأن "الرئاسات الثلاث: الحكومة والجمهورية والبرلمان"، موزعة على التوالي بين الشيعة والأكراد والسنة، أصبح جزء من بروتوكولات زيارات المسؤولين الخارجيين إلى العراق اللقاء بـ"الرؤساء الثلاثة"، لضمان المساواة الشكلية بين "ممثلي الشيعة والأكراد والسنة".
لا يعكس عدد اللقاءات التي يجريها مسؤول خارجي يزور العراق أهمية الملف الذي جاء من أجله، ولا اهتماماً عراقياً به، قدر تعلقه بحساسيات عراقية داخلية.
تسويق إيراني
تريد إيران استغلال هذه الفرصة، لإبلاغ العالم بحضورها الفاعل، في ظل العزلة الدولية الكبيرة التي تعانيها، مستفيدة من بيانات وصور "احتفاء" العراق بمسؤوليها.
يجري تسويق هذه الصور والبيانات عبر شبكة إعلامية واسعة تمتد من طهران إلى بغداد، وينخرط فيها إعلاميون عراقيون وإيرانيون.
وقال معلقون في بغداد إن حديث الوزير الإيراني علناً من بغداد عن عدم حاجة بلاده إلى وساطة العراق مع الولايات المتحدة يكشف عن "قدر كبير من الوقاحة الإيرانية" في التعاطي مع العراق.
مع إعلان ظريف هذا، لم يبقَ من مجال أمام العراق للتعاطي مع الملف الإيراني إلا من خلال خرق العقوبات الأميركية، وهذا ما لا يمكن أن تتوقعه طهران من بغداد.
يخضع الاقتصاد العراقي لمجموعة قيود، طورها الأميركيون طيلة أعوام بقائهم في البلاد، صُممت أساساً لمراقبة الأنشطة المالية الموجهة إلى دعم الجماعات الإرهابية.
أميركا تراقب أموال العراق
بعد تلاشي خطر هذه الجماعات، تبنّت الولايات المتحدة خطة لتحويل مهمات هذه القيود نحو مراقبة الأنشطة المالية بين العراق وإيران.
ووفقاً لمصادر مطلعة، يمكن الولايات المتحدة الآن تقييد أي تعامل ماليّ رسميّ بين العراق وإيران.
وبحسب هذه الوقائع، يمكن إيران الاعتماد على عمليات التهريب عبر الحدود بين البلدين، وهي عملية تتضمن مخاطر كبيرة، وتخضع لمضاربات خاصة.
في ظل انهيار الاقتصاد الإيراني، لن يجد المضاربون العراقيون ما يستحق في الأسواق الإيرانية لإبداله بعملة الدولار الأميركي، التي تحتاج إليها طهران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حملة تبرع في كربلاء والنجف
تقول مصادر مطلعة لـ"اندبندنت عربية" إن سبب وضع زيارة المواقع المقدسة في مدينتَي كربلاء والنجف، المعقلين الشيعيين الأهم في العراق، على جدول أعمال الوزير الإيراني في العراق، يعود إلى رغبة المؤسسة السياسية في طهران في إشراك رجال دين عراقيين في حملة للحثّ على التبرع لإيران.
تعتقد إيران أن إطلاق حملة من هذا النوع عبر رجال دين عراقيين مؤثرين، يمكن أن يلقى صدى واسعاً في أوساط الأثرياء الشيعة.
لم تردْ من كربلاء أو النجف أنباء عن أيّ مداولات مهمة عقدها ظريف هناك، لكن المعلومات الخاصة بهذا النوع من اللقاءات عادةً ما تكون شحيحة.