Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التكايا... ملاذ الصائمين وفرج للجائعين في رمضان

الخليل... المدينة التي لا تعرف الجوع أبداً

تكية نابلس افتتحت 2012 وكانت امتداداً لما كان يُعرف سابقاً بموائد الرحمن (اندبندنت عربية)

عرفت التكية (كلمة تركية تعني الاتكاء أو الاستناد) أنها مكان للمنقطعين والتائهين وعابري السبيل وطلاب العلم، وتحولت عبر الزمن إلى مكان يقدم الطعام للوافدين إليها من محتاجين وفقراء، يكفيهم شر التسول وخصوصاً في الشهر الفضيل، وهي عادة قديمة ورثها الفلسطينيون عن أسلافهم من أيام الحكم العثماني وما قبل ذلك وما زالت مستمرة حتى اليوم.

تطوع عن حب

خيرٌ وفير لا ينقطع ونفس طيّب في الطبخ وهمة شبابية عالية للتطوع وعمل الخير، هي كل ما تحتاجه تكية نابلس الخيرية في شهر رمضان. فمن داخل غرفتين صغيرتين في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، تخرج مئات الوجبات المجانية لمختلف أصناف الطعام الشهي، من بين أيدي أمهر الطهاة الذين يُعدّون تلك الوجبات للعائلات الفقيرة والمحتاجة بكل الحب والعطاء والانتماء. محمد وأحمد متطوعان شابان اجتمعا على حب الخير والإحسان، وقررا التطوع داخل تكية نابلس التابعة للجنة الزكاة المركزية في المدينة طيلة الشهر الفضيل لخدمة الصائمين. وظيفة محمد تكمن بترتيب قطع الدجاج أو اللحم في علب الطعام البلاستيكية الخاصة، وأحمد يكمل الخطوة من بعد محمد بوضع الرز والخضار بجانب الدجاج ليستلم المتطوعون الآخرون مهمة تغليفِ الطعام وتوصيله للمحتاجين والفقراء، وفق لائحة تُعد يومياً بأسماء المنتفعين من التكية وعناوين منازلهم.

"الله يرضى عليك ويجزيك الخير"

يقول محمد لـ "اندبندنت عربية" إن هذه التجربة هي الأولى لي في العمل التطوعي، ما أقوم به في تكية نابلس ليس فقط تطوعاً بل هو خدمة لوجه الله تعالى وابتغاء الأجر في شهر رمضان، وخدمة إشباع بطون الجائعين هي ما يفرحني بالفعل، وأتمنى أن يحالفني الحظ سنوياً للتطوع في التكية، فعلى الرغم من الأجواء الحارة التي تحيط بنا أثناء تحضير الطعام، والرائحة الزكية التي تزغزغ المعدة يومياً، والوقوف لساعات لإتمام العمل ونحن نتصبب عرقاً، إلا انني أشعر بالارتياح عندما تصل الوجبات التي نعدها لأصحابها المحتاجين بالفعل، وأكثر ما يسعد قلبي هو الدعاء والرضا الذي يطالني من الناس أثناء تسليمهم الوجبات، فأنسى كل التعب والألم عند سماع "الله يرضى عليك ويجزيك الخير."

خير لا ينقطع

تكية نابلس التي افتُتحت عام 2012 كانت امتداداً لما كان يُعرف سابقاً بموائد الرحمن، التي كانت تُقدم للصائمين بشكل مجاني لسنواتٍ طويلة في شهر رمضان، وكانت توضع المائدة داخل خيمة أو (عريشة) في مكان عام ومعروف، وكل منقطعٍ أو عابر سبيل أو فقير كان يأكل منها من دون سؤال، ومع ازدياد الحاجة إلى تنظيم العمل الخيري والتطوعي، نبعت فكرة التكية لدى لجنة زكاة نابلس لتقديم الطعام طيلة أيام السنة بمعدل مرتين في الأسبوع، أما في شهر رمضان، فيُقدم الأكل والشرب يومياً للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل.
ماهر الرطروط، منسق عمل تكية نابلس الخيرية يتحدث لـ "اندبندنت عربية"، قائلاً "في هذه الأيام الفضيلة المباركة يقصد أهالي نابلس، وغيرهم من القرى والبلدات المحيطة التكية ليقدموا تبرعاتهم العينية والمادية، فالتكية بدأت في شهر رمضان الحالي بـ 1600 وجبة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد مع نهاية الشهر الكريم إلى 2600 وجبة، تخدم ما يقارب 60 عائلة فلسطينية من مختلف المناطق، 80 في المئة من تلك الوجبات نوزعها عبر فريق مختص لمنازل المنتفعين لرفع الحرج عنهم. 10 في المئة منهم يحضرون بأنفسهم لأخذ الوجبات من التكية، وما تبقى يُوزع على عابري السبيل والمنقطعين ومن فاتهم الفطور الرمضاني مع العائلة."

12 متطوعاً

خمس ساعات تقريباً من إعداد الطعام يومياً، تنتهي بتوزيعها بعبوات بلاستيكية متراصة بأحجام واحدة تحتوي على الرز وصنف من البروتين كاللحم أو الدجاج.
يكمل رطروط حديثة، قائلا "يوجد في تكية نابلس 12 متطوعاً من كلا الجنسين، مهمتهم تقتصر على توضيب الوجبات وتوزيعها بشكل جيد، مع ضرورة الحرص على النظافة بارتداء اللباس المطلوب، واختيار أجود الأنواع. وفي ما يتعلق بالطبخ، هناك طاقم متخصص بالطهي، إذ نطبخ كل أنواع الطعام البيتي من فاصولياء وبامية ولبن ومنسف وملوخية، ليشعر الصائم أنه في أجواء طبيخ البيت".
خدمات التكية تتحسن من سنة إلى أخرى، سواء برفع أعداد المستفيدين بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية أو بنوعية وجودة وكميات ما يُقدم للمحتاجين، وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات فقط على تكية نابلس، فإن أصولها تعود لسبعينيات القرن الماضي، وكانت تُسمى موائد الرحمن، لكن الأهم في موضوع التكايا بحسب القائمين عليها، أن يتطور دورها كي تقدم خدماتها خلال العام وألا تقتصر أنشطتها على شهر رمضان فقط.

المدينة التي لا تعرف الجوع

التكية الإبراهيمية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، تشهد في شهر رمضان حالة استثنائية، إذ تقدم الطعام المجاني للفقراء والأسر المحتاجة على مدار العام، ما جعل مدينة الخليل تكتسب شهرة واسعة بأنها المدينة التي لا تعرف الجوع أبداً، وباتت تكية إبراهيم الخليل تشكل ملاذاً لعشرات العائلات الفلسطينية التي تعجز عن توفير إفطارها اليومي خلال الشهر الفضيل.
مدير صندوق الزكاة الفلسطيني إسماعيل أبو الحلاوة تحدث لـ "اندبندنت عربية"، قائلاً "يعود عمر التكية الابراهيمية للعام 1279حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي، وكان يُطلق عليها شعبياً "الطبلانية"، فقديماً كان العاملون فيها يدقون الطبول معلنين البدء بتقديم الطعام صباحاً ومساء، ويبلغ عدد المستفيدين منها في الأشهر العادية حوالى 600 مستفيد، بينما يتزايد عدد المقبلين على التكية في شهر رمضان المبارك ليرتفع إلى حوالى 3000 مستفيد".

"شوربة إبراهيم"

وتابع "يوزّع الطعام في التكية طوال أيام السنة، وتقدّم اللحوم مرتين في الأسبوع، وفي باقي الأيام تسكب "شوربة إبراهيم" وهي عبارة عن قمح مسلوق ومطبوخ بطريقة خاصة، إلا أن لشهر رمضان وضعاً خاصاً يجري خلاله توزيع وجبات خاصة، إذ تستهلك التكية يومياً طناً و200 كيلو دجاج بالحد الأدنى، أو ما يقارب 600 كيلو من لحم العجل."
وذكرت التكية الابراهيمية عند الرحالة والسياح الذين زاروا مدينة الخليل منذ عصور قديمة كابن الفضل العمري الذي زارها سنة 745 وابن بطوطة سنة 725 .

دائرة التكايا

يوجد في الضفة الغربية والقدس حوالى 18 تكية، 3 تكايا منها خاصة لا تتبع للجنة أو صندوق الزكاة الفلسطيني كما بقية التكايا، والتكية الحكومية الوحيدة التي لها ميزانية خاصة ضمن ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هي التكية الإبراهيمية في الخليل، وبحسب أبو الحلاوة، فإن التوجه اليوم من وزارة الأوقاف والحكومة الفلسطينية وضمن الخطة الجديدة، هو لإنشاء دائرة مستقلة داخل صندوق الزكاة تُسمى (دائرة التكايا)، وذلك لتنظيم عمل التكايا، بحيث يصبح لها نظامٌ يحكم عملها من حيث الموارد والنفقات، ويعزز دورها كرافد لمحاربة الجوع والفقر، ليصبح إنشاء التكايا بناء على دراسة موضوعية تتلمس الفقر، مع تأسيس بنية تحتية قوية تضمن نجاحها في الصحة والنظافة والسلامة والتغلي والتوصيل، وعدم السماح بإنشاء التكايا بشكل عشوائي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات