Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تسبق الضغوط والوساطات الدعوات إلى العصيان المدني في السودان؟

تحذيرات من عودة البلاد إلى العزلة الدولية والعقوبات في حال عدم التوصل إلى مخرج للأزمة

متظاهرون يشعلون النار ليلاً في أحد شوارع الخرطوم احتجاجاً على إجراءات المكون العسكري (أ ب)

تكثفت الضغوط الدولية أخيراً لإيجاد حلول للأزمة السودانية المستفحلة، بينما نشطت أيضاً على نحو محموم اتصالات ووساطات وتحركات دبلوماسية مكوكية، عالمية وإقليمية ومحلية، للدفع باتجاه العودة إلى مسار التحول الديمقراطي واستئناف الشراكة المدنية - العسكرية، في إطار صيغة توافقية بالتراضي بين كل الأطراف، تهدف في مجملها إلى اقناع الفرقاء أو إجبارهم على الجلوس مجدداً إلى طاولة الحوار والترافق على صيغة تضمن عودة الحكومة المدنية إلى قيادة المرحلة الانتقالية في السودان.

أحدث الضغوط

وفي أحدث الضغوط والتحركات التي تأتي في سياق تضييق الخناق الدبلوماسي على المكون العسكري لإجباره على التراجع عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها بحل مؤسسات الفترة الانتقالية، والعودة إلى صيغة الشراكة مع المدنيين، صدر بيانان عن كل من مجلس الأمن الدولي، الخميس 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، والرئيس الأميركي جو بايدن، شددا على مطالبة العسكريين في السودان بإعادة الحكومة المدنية.
ووصف بيان بايدن، الأحداث الأخيرة باستحواذ المكون العسكري على السلطة بـ "الانتكاسة الخطيرة"، مؤكداً وقوفه إلى جانب الشعب السوداني وضمان السماح له بممارسة حقه في التظاهر، داعياً إلى إعادة مؤسسات الحكومة الانتقالية، والإفراج عن المعتقلين.
أما مجلس الأمن فأعرب في بيان صدر بإجماع أعضائه، عن بالغ قلقه "تجاه استيلاء الجيش على السلطة".
كما طالب المجلس بـالإفراج فوراً عن جميع المعتقلين، وبالاحترام الكامل لحقوق الإنسان ومن بينها حق التجمع السلمي وحرية التعبير.

وساطات وحوار

داخلياً، وفي سياق تحريك قنوات استئناف الحوار والوساطات، سمحت السلطات لمبعوثين دوليين بعقد لقاءات مع رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، في مقر إقامته للاطمئنان على صحته، بعد إعادته إلى منزله من قبل القوات العسكرية التي كانت اقتادته إلى قصر الضيافة، مقر القيادة العامة للجيش، عقب إعلان البرهان للإجراءات الأخيرة بإعلان حال الطوارئ وحل مؤسسات المرحلة الانتقالية.
وأكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم ومجموعة دول "الترويكا" في السودان التي تضم بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة، في بيان مشترك صدر نهاية الأسبوع الماضي، "التمسك بالاعتراف برئيس الوزراء وحكومته كقادة دستوريين للحكومة الانتقالية". وطالبت تلك الدول باستعادة حمدوك لكامل حريته، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين.

كما بحث فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" مع الفريق عبد الفتاح البرهان العلاقة بين المكونين المدني والعسكري، وضرورة الحوار الشامل والكامل بين الأطراف السياسية والاتفاق على خريطة طريق مشتركة للقضايا العالقة في ما تبقى من المرحلة الانتقالية، فضلاً عن الأوضاع في شرق السودان.

وسمحت السلطات أيضاً لمجموعة من قوى الحرية والتغيير، هي "منصة التأسيس" الموقِّعة على "ميثاق التوافق الوطني"، بقيادة جبريل إبراهيم رئيس "حركة العدل والمساواة"، و مني أركو مناوي، رئيس "حركة تحرير السودان"، بزيارة حمدوك في منزله المحاط بحراسة أمنية مشددة، في ضاحية كافوري في الخرطوم بحري.

قنوات الاتصال

وأعلنت وزارة الخارجية السودانية عن جهود ووساطات تجري لاحتواء الوضع، وأن قنوات الاتصال لا تزال مفتوحة ولم تُغلق، مجددةً الترحيب بأي جهود أو مبادرات لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار.
ونفى السفير علي الصادق، المكلف تسيير أعمال وزارة الخارجية من قبل القائد العام للقوات المسلحة، في جلسة عُقدت في مقر الوزارة دعيت إليها وسائل الإعلام، وجود "أي نية لدى الجيش للاستمرار في السلطة بعد إجراء الانتخابات العامة"، مشيراً إلى أن "ما قامت به القوات المسلحة كان بدافع الحفاظ على الأمن القومي ووحدة البلاد، بعدما باتت مهددةً بسبب الخلافات والتشاكس بين مكونات الشراكة الانتقالية، ما اقتضى تصحيح المسار للوصول بالمرحلة الانتقالية إلى انتخابات سودانية عامة حرة ونزيهة".
وركزت الوساطات والتحركات الداخلية التي قادها سفراء مجموعة "الترويكا" وفولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس"، عبر لقاءاته مع البرهان وحمدوك، على مساعي الوصول إلى مخرج واحتواء الأوضاع الداخلية المرشحة للتفاقم في ظل التصعيد الشعبي والعصيان المدني المعلنَين، وذلك تفادياً للمآلات والمخاوف من انفجار الوضع الداخلي المحتقن.

البحث عن تسوية

وتحدث أستاذ التحليل السياسي والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية، فتح الرحمن محمد أحمد عن الجهود والاتصالات الجارية بحثاً عن تسوية، فقال، إن "لقاءات رئيس البعثة الأممية بالخرطوم فولكر بيرتس، بكل من الفريق البرهان والسماح له مع مجموعة "الترويكا" بمقابلة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، تشير عملياً إلى أن القائد العام للجيش ارتضى بمخرج آخر جديد للأزمة"، مرجحاً أن تكون بعثة "يونيتامس" "تبحث الآن ملف التسوية المتوقعة، وستلحق بها لجنة من الاتحاد الأفريقي باعتباره الراعي الأول للوثيقة الدستورية، لدفع وتعزيز جهودها"، محذراً من أن "أي سلوك غير عقلاني أو متطرف من أي من الجانبين في هذه الأثناء، من شأنه أن يقود إلى إغلاق أفق الحل من جديد".
وتابع أحمد أن "إعلان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي وقف دعمهم المباشر إلى السودان، فضلاً عن تلميحات صندوق النقد الدولي بذات الإجراء، تمثل أولى الخطوات الملموسة نحو عزلة سياسية واقتصادية دولية تنتظر البلاد، ما لم يتم التوصل إلى تسوية مقبولة تضمن عودة أوضاع الفترة الانتقالية بما يضمن استمرار التحول المدني الديمقراطي في سياقه الصحيح، إذ إن أصل الانفراج في العلاقات الدولية وتدفق العون الخارجي والانفتاح الاقتصادي والتدفقات النقدية، كان مرتبطاً بشكل مباشر في كل مستوياته بالتحول الديمقراطي ودعماً له في إطار الشراكة العسكرية - المدنية كوسيلة لذلك الانتقال".

مقاربة جديدة

وأوضح الأستاذ الجامعي السوداني أنه "بعد انفراد الجيش بالسلطة بموجب الإجراءات التي اتخذها بحل مجلسَي السيادة والوزراء وتعليق المواد المتعلقة بالشراكة في الوثيقة الدستورية، اعتبر المجتمع الدولي ذلك انقلاباً أفضى إلى حكومة عسكرية لن تحظى باعتراف دولي، بل يصبح السودان مهدداً بالعودة مجدداً إلى العقوبات والعزلة الدولية، بحال لم يتم الوصول إلى حلول للخروج من المأزق".

واعتبر أن "تضافر الضغوط الدولية المتزايدة كداعم ومحفز للحراك الداخلي الرافض بشدة للانقلاب العسكري، يؤكد أن لا مفر من إعادة التوازن إلى العلاقات العسكرية المدنية، وأن تعود الأطراف إلى شكل من أشكال التسوية بمقاربة جديدة تعالج الأزمة وتبادر إلى فتح صفحة جديدة في العلاقة بين المكونَين، في إطار اعادة ترتيب وتشكيل المشهد السياسي وفق أوضاع جديدة غير منحازة ترضي كل الأطراف".

ووصف أحمد "سماح السلطات الحالية بلقاءات محلية ودولية مع رئيس الوزراء المقال، يأتي لسببين، الأول هو التأكيد على أنه بصحة جيدة كإشارة لطمأنة المجتمع الدولي. والثاني، محاولة اختراق وإبداء حسن النوايا وترك مساحة للحوار، بما يعني أن حمدوك لا يزال جزءاً من المشهد السياسي، فيما تظل التفاصيل وبقية المواضيع الخاضعة للحوار، تجري خلف الكواليس بين الأطراف المعنية".

الرفض الدولي

"أما إذا اختار المكون العسكري السير على طريقه متجاهلاً المجتمع الدولي والشارع الداخلي، فلا شك ستكون هناك عواقب وإجراءات ربما تصل حد التدخل"، وفق الأستاذ الجامعي السوداني، "بخاصة إذا تصاعد العنف الداخلي الناتج من استمرار الاحتجاجات، وربما تصل الأمور إلى درجة العودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا سيما وأن السودان لا يزال يقبع تحت طائلة ذلك الفصل بموافقة كل من روسيا والصين كجزء من القرار الذي صدر بخصوص البعثة السياسية الموقَّع عليه من الحكومة السودانية بشقيها المدني والعسكري، التي تمارس ولايتها على السودان الآن تحت الفصل السادس، في حين أن التحول إلى الفصل السابع يرتبط بمدى تطور الأوضاع الداخلية ومستوى العنف الذي قد يصاحبها".
من جانب آخر، قال ياسر عمر عبدالله، أستاذ القانون الدولي بالجامعات السودانية، "بات واضحاً أن المجتمع الدولي والعالم كله يضغط بوسائل متباينة مطالباً بالعودة إلى المسار الديمقراطي المدني، عبر التوصل إلى حلول تتوافق في شأنها كل الأطراف لتفادي عودة السودان إلى مربع الحرب والاقتتال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار عبدالله إلى أن "المكون العسكري يبدي تنازلاً ومرونة في تجاوبه مع الضغوط والوساطات الجارية في سبيل الوصول إلى مخرج من الأزمة، لكن ذلك لن يكون بالضرورة العودة إلى وضعية الحكومة السابقة، بل العودة إلى إطار ديمقراطي مدني، ربما يفضي إلى ترتيبات جديدة لإكمال ما تبقى من المرحلة الانتقالية وفق شراكة مدنية عسكرية."

العودة إلى الحوار

في سياق متصل، قال أستاذ العلاقات الدولية، مدير معهد الدراسات الدبلوماسية، عصمت أحمد حسين، إن "الضغوط والوساطات الجارية تصب كلها في اتجاه إعادة أطراف المرحلة الانتقالية إلى طاولة الحوار والتفاوض وإعادة الروح من جديد إلى الوثيقة الانتقالية"، مشيراً إلى أن "الخناق بدأ يضيق على المكون العسكري لإعادة الحكومة المدنية والمضي قدماً في طريق التحول الديمقراطي إلى نهاياته المنتظرة بإجراء الانتخابات العامة في عام 2023".

وتوقع حسين أن "تسفر ضغوط الدول العظمى مع التحركات الإقليمية والمحلية المترافقة مع التصعيد المستمر الذي تشهده الشوارع السودانية عن حل قريب، بخاصة بعدما تضاءلت الخيارات أمام المكون العسكري"، منوهاً بأن "المساعي الجارية تبحث عن صيغة تقوم على تراضي كل الأطراف تجنب البلاد العزلة الدولية ومخاطر الانزلاق إلى هاوية حرب أهلية وربما وصراع مسلح طويل الأمد".

التصعيد الداخلي

ميدانياً، أعلنت لجنة الأطباء المركزية ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات إلى ثمانية، وسقوط مزيد من الجرحى نتيجة إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
وفي إطار التصعيد المناهض لإجراءات الجيش، تجري الاستعدادات لمواكب وتظاهرات كبيرة تحت اسم (استرداد الديمقراطية)، في يوم السبت 30 أكتوبر الحالي.
وتواصلت التظاهرات وإغلاق الطرق الفرعية بالمتاريس وإشعال الإطارات والحجارة التي تتبناها لجان المقاومة في المدن ليل الجمعة - السبت، بينما تابعت قوات الأمن انتشارها وحملاتها لتفريق المتظاهرين في محاولة لوضع حد للاحتجاجات الشعبية.
ودعا "حزب الأمة القومي" جماهير الشعب في كل أنحاء السودان إلى "الانخراط في العصيان المدني الشامل المعلن والخروج في مواكب السبت والالتزام بالسلمية وعدم الاستجابة لمحاولات جر الثورة إلى العنف".
وناشد بيان لمجلس التنسيق الأعلى لحزب الأمة، "منسوبي القوات النظامية كافة عدم المشاركة في سفك دماء الثوار". كما طالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً، وإلغاء ما وصفها بالإجراءات الانقلابية.
وكان البرهان أعلن حال الطوارئ وحل مجلسَي السيادة والوزراء وإعفاء ولاة الولايات ووكلاء الوزارات، وعلق العمل في عدد من مواد الوثيقة الدستورية.
وقال في بيان متلفز إنه سيشكل مجلساً تشريعياً (برلماناً ثورياً) من شباب الثورة، وحكومة كفاءات مستقلة "تكنوقراط"، مؤكداً في الوقت ذاته حرصه على الوصول بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها بإجراء الانتخابات العامة في موعدها في يوليو (تموز) 2023.

المزيد من العالم العربي