أثارت تصريحات الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، خلال وقفة احتجاجية في باريس منذ أيام، ضد قرارات الرئيس الحالي قيس سعيد، جدلاً واسعاً في تونس، بين من يرى أنها خيانة للوطن وتحريض الرأي العام الدولي ضد بلده، ومن يرى فيها حرية تعبير ودفاعاً عن الديمقراطية التي جاءت بها ثورة يناير (كانون الثاني).
وفي تصريحاته دعا المرزوقي صراحة فرنسا إلى "التوقف عن مساعدة تونس بسبب الانقلاب"، يذكر أن الرئيس قيس سعيد قد طالب قبل أيام بفتح تحقيق ضد شخص يسعى إلى تشويه سمعة تونس في الخارج، بحسب تصريحه، وقال سعيد إن جواز السفر الدبلوماسي سيتم سحبه من "أعداء تونس"، في إشارة فسرتها وسائل إعلام محلية بأنها موجهة إلى المرزوقي.
المرزوقي الذي لم يهدأ له بال من مكان إقامته في باريس منذ إقرار الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) الماضي، قال صراحة في حوار إنه سعى "لإفشال" عقد القمة الفرنكوفونية في تونس.
واتهم قيس سعيد شخصيات أخرى بـ "العمالة والخيانة بعد زيارتهم إلى دول عدة لتشويه سمعة بلدهم والسعي لتجميد أي مساعدات لتونس". واتهم مراقبون في تونس شخصيات أخرى حضرت اجتماع الكونغرس الأميركي الذي أدرج الأوضاع في تونس على جدول أعماله.
"عتبات السفارات"
وفي السياق، أدان الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان صدر قبل يومين ما اعتبره "تمسّح بعض الأشخاص المرتبطين باللوبيات وببعض الأطراف السياسية على عتبات السفارات والدول وتحريضها ضد تونس بدعوى الدفاع عن الديمقراطية التي كثيراً ما انتهكوها طيلة العشرية السابقة ووظفوها لخدمة مصالحهم الخاصة ومصالح أحزابهم واللوبيات التي تدعمهم على حساب قوت الشعب ومستقبل الأجيال".
ويعتبر الاتحاد، وهو أكبر تنظيم نقابي في تونس "الشأن التونسي شأناً داخلياً يُحسم سلمياً بين التونسيات والتونسيين وكل تدخل خارجي إنما هو إضرار بمصالح تونس وتأجيج للصراع داخلها"، ودعا بعض الدول الغربية التي "تمارس ضغوطات على تونس إلى مراجعة سياستها، ومراعاة علاقاتها العريقة بها والقائمة على الاحترام المتبادل واحترام إرادة الشعب وحقه في سياسة نفسه واختيار حكامه وبناء علاقات متوازنة".
المعارضة
وتعتقد الكاتبة الصحافية المهتمة بالشأن العام أمال الحاج علي في تصريح خاص أن "ليس كل من يعمل ضد الحكومة معارض"، متسائلة، "هل يمكن إيجاد معنى لما يسمى بمعارضة الخارج وهذه العادة السرية العلنية للتظلم ورفع تقارير بتونس أو بحكومتها أو بقيادتها لدى الدوائر الغربية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى الحاج علي "أنه بات من الضروري تحديد المفاهيم، ما معنى معارضة الخارج ومعارضة الداخل"، موضحة "المعارضة إما أن تكون وطنية أم لا، وهكذا تفصل، لأن المسألة أكثر شمولية وأكثر عمقاً من هذه التفصيلات السطحية". وأضافت، "من يستطيع التحدث كمعارض وطني في الداخل أو الخارج هو الذي يعي جيداً أن مستقبل البلاد تحدده طموحات الشعب التونسي وتطلعاته والمصلحة العليا للوطن، لا ما ترغب فيه تلك الكيانات المجهولة الموارد والمنفصلة تماماً عن واقع البلاد والمنبتة جغرافياً وثقافياً واجتماعياً".
محاولة للاستقواء بالأجنبي
وقالت الحاج علي، "هذا الخيار الذي اعتمده البعض ممن يسمى لغطاً بالمعارضة، لن يصبح أبداً وجهة نظر أو موقف مخالف بل هو محاولة للاستقواء بالأجنبي من أجل الحصول على السلطة أو على امتيازات في السلطة. ولو كان لهؤلاء أي برنامج وطني حقيقي لوقع طرحهم هنا في تونس على الأرض التونسية وعلى الشعب التونسي صاحب السيادة، ولدافعوا عنه حتى بلوغ الهدف"، مضيفة، "هم لا يعون أن الدول الغربية تستمع ولكنها في الأخير لن تتحاور ولن تفاوض إلا الحكومات الشرعية والمسنودة بشعبها. والتجربة مع النظام السوري هي أكثر التجارب المعبرة في تاريخنا المعاصر".
ولتوضيح وجهة نظرها، تتابع الحاج علي، "حين غادر المعارض الشيوعي باسم مشتاق العراق هارباً من سبعة أحكام إعدام، لم يشتك لأي دائرة غربية نظام صدام حسين ورفض أي تواصل مع أي جهة في أوروبا حيث كان يقيم، أيضاً لم يشتك أصحاب السترات الصفر إيمانويل ماكرون إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى الكونغرس الأميركي"، وتواصل، "لا بأس، لنذكر هؤلاء بأنهم يرفعون التقارير إلى بلد عرف أكبر عملية سحل للحريات ولحقوق الإنسان في تاريخ الإنسانية ولا يزال، هل نسينا ما وقع إبان حكم الماكارتية؟ هل نسينا ما وقع للفنانين الأميركيين والمثقفين الذين حوكموا على الهوية واقتيدوا كمجرمين إلى السجون الأميركية وحرموا من كل حقوقهم الأساسية، هل نسينا حملات القمع والاضطهاد لمجموعة الفهود السود، وهل نسينا ما حصل للأسطورة محمد علي كلاي حين رفض قتال الفيتناميين واعتبر الحرب ظالمة؟ لا، نحن لن ننسى بل سوف نذكر، فإن الذكرى تنفع".
أجندات خارجية
من جهة معاكسة، رأى رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" سمير بن عمر أن "هذه الاتهامات المتجهة للمنصف المرزوقي أو بقية المعارضين، والتي تفهم بالخيانة والعمالة، مصدرها بعض الأفراد المرتبطين بأجهزة أجنبية وأجندات خارجية وأنظمة فاشية لا تعترف بالديمقراطية"، ولفت القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي أسسه المرزوقي إلى أن "هذه الاتهامات أعادت إنتاج الاتهامات نفسها التي كان يكيلها زين العابدين بن علي لمعارضيه قبل الثورة... فهو الخطاب نفسه يعاد إنتاجه من طرف سلطة الانقلاب اليوم"، مضيفاً، "هذا ما يؤكد أن سلطة قيس سعيد ضاقت ذرعاً بالمعارضة وهي سلطة لا يتسع صدرها لأي صوت مخالف"، وختم بن عمر أن "كل التونسيين يعرفون وطنية الرموز الوطنية المعارضة للانقلاب ولا يحتاجون لمن يزايد عليهم".