Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشعل نتائج الانتخابات العراقية انتفاضة جديدة؟

يرجح مراقبون عودة الحراك الاحتجاجي في ظل مقاطعة غالبية "قوى تشرين" وغيابها عن المشهد

ساعات قليلة تفصل العراقيين عن بدء الانتخابات المبكرة، في وقت تمر فيه البلاد بإشكالات عديدة على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تحديداً بعد الانتفاضة الواسعة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي أسفرت عن مقتل نحو 800 متظاهر وجرح أكثر من 25 ألفاً، إضافة إلى عمليات الاغتيال التي طالت ناشطين بارزين منذ انطلاق الانتفاضة وحتى الأشهر القليلة الماضية.

وعلى الرغم من أن الانتخابات المبكرة مثلت أحد أبرز مطالب الناشطين العراقيين، فقد تغيب العديد من قوى الانتفاضة عن مشهدها، فيما يرى مراقبون أن القوى السياسية التقليدية باتت تجد فيها ممراً للحصول على الشرعية مرة أخرى، تحديداً بعد الحديث عن فقدان النظام السياسي تلك الشرعية بسبب الانتفاضة.

اشتراطات "تشرين"

وبرز مطلب الانتخابات المبكرة خلال الأسابيع الأولى للانتفاضة العراقية في أكتوبر 2019، إلا أنها شملت عديداً من الاشتراطات التي يرى ناشطون أن أياً منها لم يتحقق حتى الآن، الأمر الذي دفع طيفاً واسعاً من المحتجين للجوء إلى خيار المقاطعة.

وتدور التساؤلات حول الأدوار التي يضطلع بها ناشطو الانتفاضة العراقية والأحزاب التي انبثقت منها خلال الانتخابات الحالية، إذ يبدو أن عديداً من الناشطين البارزين والقوى السياسية المنبثقة من الانتفاضة قد اتخذت خيار مقاطعة الانتخابات، فضلاً عن محاولة دفع جماهيرها إلى هذا الخيار، نتيجة عدم تحقيق مطالبهم التي تسبق مطلب الانتخابات.

ويطالب الناشطون العراقيون بقائمة طويلة من المطالب الإصلاحية، على رأسها محاسبة قتلة المحتجين سواء من قوى الأمن أو الميليشيات المسلحة الموالية إيران وبعض الجماعات المسلحة الأخرى، وإعلان الجهات التي تقف خلف عمليات القتل تلك، إضافة إلى مطلب حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة، التي باتت تتنفذ على مراكز القرار السياسي والأمني والاقتصادي.

وإضافة إلى تلك المطالب ركز الناشطون العراقيون على ضرورة أن يكون المجتمع الدولي حاضراً للإشراف على الانتخابات، الأمر الذي رفضه كثير من الفاعلين السياسيين، وعلى رأسهم تحالف "الفتح" الممثل البرلماني الأكبر للجماعات المسلحة الموالية إيران، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى الاكتفاء بطلب الرقابة من قبل الأمم المتحدة.

قوى الانتفاضة وصراع الاشتراك والمقاطعة

وعلى الرغم من صعود موجة مقاطعة الانتخابات داخل الأجواء التشرينية، فإن بعض القوى المنبثقة من الانتفاضة العراقية اتخذت خيار الاشتراك، وعلى رأسها حركة "امتداد" التي يترأسها علاء الركابي الناشط البارز في محافظة الناصرية، إضافة إلى حركة "نازل آخذ حقي" و"جبهة تشرين"، وبعض التيارات الأخرى.

أما القوى المقاطعة فيتصدرها حزب "البيت الوطني" أحد أكبر الأحزاب التشرينية، الذي يتزعمه الناشط البارز حسين الغرابي، ويضم عديداً من الناشطين البارزين، إضافة إلى بعض القوى الأخرى.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، هيثم الهيتي، أن مشاركة قوى الانتفاضة في الانتخابات الحالية ستكون "ضئيلة جداً"، مرجعاً ذلك إلى "مقاطعة القوى الرئيسة لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير الهيتي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إلى عدة أسباب تقف خلف مقاطعة القوى التشرينية، على رأسها "فقدان الثقة بقدرة العملية الانتخابية على إحداث التغيير، فضلاً عن عدم الثقة بالمؤسسات الراعية للعملية الانتخابية". مبيناً أن المجتمع العراقي بات يدرك أن "الحركات الاحتجاجية أجدى في إحداث التغيير من الانتخابات".

ويدور في الأوساط العراقية هذه الفترة تساؤل مهم جداً يتعلق بمآلات الانتخابات المبكرة، التي يعتقد طيف من المراقبين أنها ربما تسفر عن انتفاضة جديدة تكون أكثر حدة من سابقتها، نتيجة التوقعات بعدم حدوث أي تغييرات في الخريطة السياسية بعد الانتخابات.

ويرجح الهيتي أن يعود الحراك الاحتجاجي مرة أخرى بعد ظهور نتائج الانتخابات، خصوصاً مع التوقعات بأنها ستكون "مماثلة نسبياً لسابقاتها". لافتاً إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى "ردة فعل جماهيرية تعزز اشتعال انتفاضة جديدة على غرار الانتفاضة السابقة".

ويختم أن الانتخابات المقبلة ستمثل "امتحاناً مهماً للنظام السياسي والمجتمع الدولي في إمكانية إقناع جمهور الحراك الاحتجاجي بنتائجها".

ساحة تنافس تسيطر عليها الميليشيات

في السياق، يرى أستاذ الجغرافيا السياسية، دياري الفيلي، أن الضغوط والأزمات التي عانتها قوى "تشرين" لم تمكنها من "بلورة شكل سياسي يجعلها قادرة على منافسة الأحزاب التقليدية"، لافتاً إلى أن هذا الأمر "كان من بين أبرز العوامل التي جعلت قوى الانتفاضة غير حاضرة بقوة في المشهد الانتخابي".

ويضيف الفيلي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الفترة الماضية لم تكن كافية لتمكين الحركات التشرينية من امتلاك شروط العمل السياسي".

ويبدو أن ما أسهم في عدم توحيد خيارات الأحزاب التشرينية هو أنها منقسمة بين اتجاهين رئيسين، بحسب الفيلي، الذي يشير إلى أن الاتجاه الأول يسعى لـ"إبقاء حراك تشرين في سياق اجتماعي يمكنه من تكوين كتلة اجتماعية معارضة كبيرة"، فيما يدفع الاتجاه الآخر إلى "التنظيم السياسي والدخول في الانتخابات كمسار للتغيير".

ويعتقد الفيلي أن "قوى الانتفاضة المشتركة في الانتخابات لم تتمكن من إقناع الجزء الأكبر من أجواء الانتفاضة نتيجة إدراكهم أن القوى التقليدية مستمرة بإحكام سيطرتها على المشهد السياسي في البلاد".

ويتابع، "واحدة من نقاط الضعف التي تتعلق ببنية حراك تشرين أنها تلتقي في ساحة جغرافية واحدة مع القوى المسلحة، الأمر الذي ربما سيدفع إلى مواجهات كبيرة مع القوى المسلحة مقابل ضعف الدولة في توفير الحماية لهم، مما أسهم بشكل كبير في دفع قوى الانتفاضة إلى اتخاذ خيار المقاطعة".

الاغتيالات وغياب الناشطين عن مشهد الانتخابات

ويبدو أن عمليات الاغتيال والترويع المستمرة على الناشطين العراقيين حتى فترة قريبة أسهمت بشكل كبير في عدم ترشح عديد من رموز الاحتجاجات، نتيجة غياب ما أطلقوا عليه "الأمن الانتخابي"، فضلاً عن استمرار حالة الإفلات من العقاب كسمة بارزة للنظام السياسي.

وجرت عمليات اغتيال عدة خلال السنتين الأخيرتين طالت ناشطين بارزين في الانتفاضة العراقية وباحثين مناصرين لها، من بينهم الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي، والناشط البارز إيهاب الوزني في محافظة كربلاء، والناشط تحسين الشحماني والناشطة ريهام يعقوب في محافظة البصرة، إضافة إلى العشرات.

ولم تتوقف ملاحقة الناشطين البارزين عند حدود عمليات الاغتيال، إذ جرت عمليات خطف طالت ناشطين بارزين على رأسهم سجاد العراقي أحد أبرز وجوه الاحتجاجات في مدينة الناصرية، فضلاً عن عمليات تفجير بيوت وتهديدات طالت ناشطين ودفعتهم إلى مغادرة محافظاتهم.

وكان الناشطون العراقيون قد بدأوا خلال الأسابيع الماضية حملات لإحياء ذكرى أبرز الناشطين الذين اغتيلوا، إذ نشروا صوراً للضحايا، مشيرين إلى أن هؤلاء كان يمكن أن يكونوا من المرشحين المحتملين في الانتخابات فيما لو انصاع النظام السياسي لمطالبهم.

ويشير رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إلى عدة أسباب تقف خلف "غياب غالبية رموز انتفاضة تشرين" عن مشهد الانتخابات، وعلى رأسها "التهديدات الفعلية التي طالتهم وحملات الاغتيالات التي أسهمت في تقويض إمكانية بروز منافسين في الانتخابات من داخل أجواء الانتفاضة".

ويعتقد الشمري أن نحو 80 في المئة من القوى الفاعلة في الانتفاضة العراقية فضلت خيار المقاطعة نتيجة "استمرار وجود السلاح المنفلت وعدم توفير بيئة آمنة للانتخابات، فضلاً عن عدم محاسبة القوى التقليدية على ما جرى من أخطاء خلال السنوات الماضية، التي تمثل اشتراطات رئيسة بالنسبة إلى قوى تشرين".

ويبدو أن "ضيق الوقت" بالنسبة إلى قوى الانتفاضة أسهم أيضاً في عدم قدرة الأحزاب الناشئة على ترتيب أوضاعها وتسويق شخصيات تنافس في الانتخابات، بحسب الشمري الذي يبين أن "غياب الخبرة السياسية للناشطين أسهم أيضاً في اتخاذ خيار المقاطعة".

ويختم أن المقاطعة ربما تدفع باتجاه "ثورة جديدة"، في حال انخفاض نسبة المشاركة وعدم حصول تغيير في الخريطة السياسية للبلاد.

وتعول الأوساط الاحتجاجية في البلاد على أن تدني نسب المشاركة والشعور العام بعدم جدوى الانتخابات كما جرى خلال انتخابات عام 2018 ربما يسهم في تحفيز الشارع العراقي على الخروج بانتفاضة جديدة.

المزيد من العالم العربي