Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البيت أو المكتب؟ مستقبل مكان العمل لا ينبغي أن يكون محصوراً بمقاربة واحدة

ثمة خلاف قائم اليوم بين أرباب العمل والموظفين، لكن السجال حول المسألة ينبغي أن لا يقود إلى هذا الانقسام الحاد

توصلت الـ "بي بي سي" إلى أن أكثر من نصف مليون موظف وموظفة لن يعودوا للعمل في المكاتب بالشروط ذاتها التي كانت سائدة قبل الجائحة (غيتي)

بفضل برنامج التطعيم الشامل ضد كوفيد التي طبقته هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS وما نتج من ذلك من رفع لقيود الحجر الصحي والتدابير الأخرى، تحاول شركات عدة اليوم التشجيع على عودة أعداد أكبر من موظفيها للعمل في المكاتب (مقارها الرسمية). وأظهر "مكتب الإحصاءات الوطنية" أن أكثر من نصف البريطانيين قد عادوا بالفعل إلى أمكنة عملهم المعتادة، فيما سجل يوم السادس من سبتمبر (أيلول) في لندن ساعة الذروة الأكثر ازدحاماً منذ بداية الجائحة، الأمر الذي يعد إشارة لبداية عودة الناس إلى ما يشبه روتينهم المعتاد.

لكن ليس الجميع متحمسين للعودة إلى الحياة "العادية"، إذ إن العمل من البيت خلال الفترة الماضية أثبت أنه نعمة حلت على الناس. في هذا الإطار، توصلت الـ "بي بي سي" إلى أن أكثر من نصف مليون موظف وموظفة لن يعودوا للعمل في المكاتب بالشروط ذاتها التي كانت سائدة قبل الجائحة، كما أن بعض الشركات قرر اعتماد العمل من البيت على نحو ثابت. وفي السياق، قامت شركة "ريتش بي أل سي" Reach plc، التي تنشر "دايلي ميرور" و"دايلي ستار" و"دايلي إكسبرس"، بالإعلان في مارس (آذار) أن معظم موظفيها سوف يُعفون من وجوب العودة للعمل في المكتب.

ومن المنصف تماماً في هذا الإطار أن يكون أشخاص كثيرون يودون الاستمرار بأداء وظائفهم من بيوتهم. إذ على الرغم من المخاوف السائدة من وقوع العمال والموظفين في شيء من الفوضى بفعل ذلك، إلا أن معدلات الانتاجية بدت (في حالة العمل من البيت) أعلى بكثير مما كان متوقعاً – حيث أظهرت إحدى الدراسات أننا نعمل بفاعلية أعلى بنسبة 47 في المئة حين لا نكون بمكاتب عملنا. فنحن (عندما نكون في البيت) كما تبين، لا نقضي معظم وقتنا في السرير مع الـ "لابتوب" (الكومبيوتر المحمول) نشاهد "هذا الصباح" This Morning (برنامج صباحي على التلفزيون البريطاني).

وبغض النظر عن مقدار المال والوقت الذي يمكن أن يوفر في حالة عدم الاضطرار إلى التنقل والذهاب إلى الوظيفة، فإن إداء العمل من بعد يتيح المزيد من المرونة في التوظيف – الأمر الذي يعد خطوة جوهرية لأولئك الذين اختاروا مغادرة لندن إبان الجائحة، أو بالدرجة الأولى بالنسبة للأشخاص الذين لا يريدون أبداً العيش في مدن كبرى ملوثة. كذلك، وبفضل هذه المرونة، بات يمكن للأشخاص ذوي الحاجات الخاصة أن يؤدوا عملهم من بعد، بلا عوائق كثيرة. إضافة إلى أن الكثيرين طبعاً لا يريدون العودة إلى المكاتب لأننا ببساطة ما زلنا نكافح الجائحة المميتة.

بيد أننا في المقابل نحتاج لأن نكون أكثر صراحة بالنسبة لظاهرة العمل من المنزل. فالظاهرة المذكورة هي بمثابة حلم حقيقي لمالكي المنازل من شريحة الطبقة الوسطى الميسورة نسبياً، والتي لدى أفرادها وظائف مكتبية مريحة. إذ إن العمل من بعد غير ممكن ببساطة للكثيرين ممن يعملون في قطاع الضيافة والاستقبال، أو قطاع بيع التجزئة. كما يمكن للأشخاص الذين يستأجرون مساكن مشتركة أن يتأثروا سلباً في حال جرى اعتماد شروط ثابتة للعمل من بعد، خصوصاً إذا ما كان وضعهم المادي هشاً ويضطرهم للعيش في المدينة. ومن المستبعد كثيراً أن يملك الأشخاص الذين يستأجرون مساكن ورواتبهم منخفضة، طاولة مريحة للعمل في غرف نومهم (أو أي شيء آخر يمكن أن يعد مكتباً بديلاً). كذلك، فإن الكثيرين من الذين يشاركون المساكن، هم من فئة الشباب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا المنحى يمكن القول إن ظروف السكن الضيقة والمحشورة، وقلة المصادر، وتزايد مشاعر القلق، تعد مكونات مثالية لعاصفة هوجاء [لتفاقم سوء الأمور] من التوترات المتصاعدة. فالمكتب (أو مقر العمل) في الواقع، هو أكثر من مجرد مكان نجلس فيه خلف الطاولة ونعمل على الحواسيب لقرابة الساعة الخامسة بعد الظهر – بل إنه عصب للحياة الاجتماعية، ويتيح لنا عبر طقوس عادية مثل احتساء الشاي معاً أو عقد اجتماعات العمل، تأسيس الروابط والعلاقات مع أشخاص يشبهوننا.

في الإطار عينه أيضاً فإن العديد من الأشخاص فشلوا في احترام الخط الفاصل الدقيق بين العمل والحياة المكتبية، ضمن اليوتوبيا المفترضة للعمل من المنزل. وتظهر دراسة لـ "ليبرتي غايمز" Liberty Games في السياق أن 38 في المئة من الناس يعملون لساعات أطول حين يؤدون وظائفهم من البيت، فيما أقر 28 في المئة بأنهم يشعرون بضغط أكبر إذ يعملون من البيئة المنزلية، لأنهم يشعرون بالعجز عن الفصل والتمييز بين ما يقومون به لتأمين العيش، وبين عيشهم نفسه.

اليوم إذ تقسم هذه المسألة بين أرباب العمل وبين الموظفين، فإن المناقشات حول مستقبل مكان العمل ينبغي ألا تكون خلافية إلى هذا الحد. وحين نتحدث عن مكان أداء العمل، ليس ثمة من مقاربة محددة ومحسومة في إطار واحد يمكن لها أن تمثل حلاً. لقد قامت الجائحة بإنزال تبديل ثوري في الأفكار المتعلقة بأمكنة أدائنا أدوارنا وسبلنا في ذلك، وبات من الضروري أكثر أن يفهم أرباب العمل حاجات موظفيهم. وبدل اقتراح أن يجري اقتطاع نسبة من رواتب الذين يعملون من بيوتهم (كما ألمحت شركة "غوغل")، فإن من مسؤولية أرباب العمل ضمان مطابقة مقارهم ومكاتبهم للمواصفات المناسبة. وإن وجب في السياق اعتبار العمل من المنزل شرطاً ثابتاً، فإن على أرباب العمل حينها التأكد من سرعة الإنترنت في بيوت موظفيهم، ومن صلاحية مكاتب الموظفين المنزلية، وأن يضعوا توقيتاً واضحاً للبدء بالدوام والفراغ منه، فلا يتحول دوام العمل إلى دوام للحياة.

كذلك إن رأى أرباب العمل ضرورة لحضور موظفيهم إلى المكاتب، فإن أسباب هذه الضرورة ينبغي أن تعلن. كما على أرباب العمل السماح بالمرونة من ناحية وقت الوصول إلى المكتب بالنسبة للموظفين الذين ينتقلون من أماكن بعيدة، وأن يضمنوا تمتع أمكنة العمل بالتهوئة الحسنة، وأن تكون مؤهلة من ناحية المساحة لاستيعاب المباعدة الاجتماعية، وتحوي مقداراً مقبولاً من معقمات الأيدي.

لقد تبدلت إلى الأبد طريقة أدائنا عملنا، لذا على مكان العمل أن يتكيف مع هذه الحقيقة. إنه أمر اليوم مطروح أمام الشركات الكبرى كي تقود المهمة. فالإصرار على مقاربة واحدة قسرية [تسري على الجميع]، لن يفضي إلا إلى خسارتنا جميعاً في سجال العودة إلى المكاتب.

© The Independent