Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تستجمع شروط تأجيل الانتخابات الرئاسية بتوجيه من الجيش

تأسيس هيئة للإشراف على الاستحقاق يحتاج تعديلاً دستورياً يجريه البرلمان

يطالب باجراء انتخابات نزيهة خلال تظاهرات الجمعة الماضية (أ. ب.)

بعد انقضاء المهلة القانونية المحددة لعملية الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر، الإثنين، وبلوغ عدد المرشحين 74، لا يحظى أي منهم بإجماع الجزائريين أو المنظمات الفاعلة، أعطى رئيس أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، انطباعاً بتأجيل تلقائي لتلك الانتخابات، حين تحدث عن استحداث هيئة لتنظيمها على الرغم من غياب نص دستوري في هذا الشأن. وتوزّع المرشحون على الشكل التالي، 71 مرشحاً حراً، و3 ممثلين عن أحزاب هي "التحالف الوطني الجمهوري" و"جبهة المستقبل"، و"الجبهة الجزائرية للتنمية والحرية والعدالة". ويُفترض أن تنتهي المهلة القانونية، لإيداع ملفات الترشح لدى وزارة الداخلية قبل 45 يوماً من يوم الاقتراع المحدد في 4 يوليو (تموز) المقبل. وعولت السلطة المؤقتة التي خلفت نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على رمزية يوم الخامس من يوليو لإعلان نتائج انتخابات الرئاسة، تزامناً مع الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر عن فرنسا.

أحزاب المعارضة تقاطع بالجملة

في المقابل، قاطعت كل أحزاب المعارضة الجزائرية الانتخابات الرئاسية في تاريخها المحدد من قبل السلطة، بدعوى أن "أولويات المرحلة تتطلب تأسيس نظام جديد بدايةً برحيل رئيس الدولة (عبد القادر بن صالح) والوزير الأول (نور الدين بدوي)". وعلى الرغم من اختلاف المعارضة في ما بينها حول طبيعة الأولويات، إلا أنها توافقت على رفض إجراء الانتخابات الرئاسية وفق آليات الرقابة ذاتها والمسؤولين السابقين ذاتهم. وتحفّظ "التيار الوطني الديمقراطي" المعارِض، على تقديم مرشحين للرئاسة، كما فعل التيار الإسلامي، داعياً إلى مقاطعة شاملة. كذلك قاطعت أحزاب المعارضة المحسوبة على التيار العلماني واليسار، أبرزها "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية" و"حزب العمال"، الذي لا تزال أمينته العامة تقبع في السجن العسكري منذ 9 مايو (أيار) الجاري.

الموالاة من دون موقف

في المقابل، وعلى الرغم من دعمها المعلن لموقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن الموالاة في الجزائر، انسحبت تماماً من صناعة المشهد السياسي أو إبداء الرأي منه. ولم يقدم "حزب جبهة التحرير الوطني" (حزب بوتفليقة)، مرشحاً رئاسياً، ولم يدعم أي مرشح، للمرة الأولى في تاريخ الجزائر المستقلة. ويغرق حزب "جبهة التحرير الوطني" في معارك داخلية، تستهدف هذه الأيام رئيس البرلمان معاذ بوشارب. ووجّه نواب من الجبهة رسالة إليه (بوشارب) الإثنين، تدعوه إلى التنحي طوعاً "استجابةً لدعوات الشارع".
أما "التجمع الوطني الديمقراطي" (حزب رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، فيعيش بدوره صراعات داخلية بين أعضاء المجموعة التي تولت قيادته لسنوات طويلة. ويستميت أويحيى في الحفاظ على منصبه، أميناً عاماً للحزب، بينما لم يبد رأياً بالمرة من موعد الانتخابات الرئاسية.

رئيس الأركان: الانتخابات الرئاسية أو الفراغ

من ناحيته، جدد نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قوله إن "إجراء الانتخابات الرئاسية سيضع حداً لمَن يريد إطالة أمد الأزمة". وأضاف خلال زيارته إلى الناحية العسكرية الرابعة في محافظة ورقلة في الجنوب الشرقي، أن "الخطوة الأساسية تتمثل في الإسراع في تشكيل الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات".
وتابع "كما ننتظر التعجيل في اتخاذ الإجراءات المناسبة لتفعيل الآلية الدستورية، باعتبارها الأداة القانونية للحفاظ على صوت الناخب وتحقيق مصداقية الانتخابات"، مضيفاً أن "إجراء الانتخابات يجنّب البلاد خطر الوقوع في فخ الفراغ الدستوري وما يترتب عنه من أخطار وانزلاقات غير محمودة العواقب". ودعا قايد صالح، بعد أسبوعين منذ آخر خطاب له، إلى أن "يلتزم كل الخيرين من أبناء الجزائر الغيورين على سمعة وطنهم ومصالح بلادهم ومكانتها بين الأمم على الالتفاف حول هذا المسعى المصيري للمستقبل".

هيئة الإشراف

وحمل خطاب قايد صالح، مفارقة لاحظها مراقبون، متوقعين أن تؤدي إلى تأجيل الاستحقاق الرئاسي، حيث دعا إلى الإسراع في تأسيس لجنة عليا مستقلة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وهي هيئة غير منصوص عنها في الدستور. ويُفهم كلام قايد صالح، على أنه دعوة إلى تأسيس هيئة جديدة تقدم ضمانات للمشاركين في الرئاسيات، ما يستدعي تأجيل الموعد تلقائياً. وتنص المادة 194 من دستور عام 2016 على استحداث هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، أما تنظيم الانتخابات فلم يسبق استحداث هيئة بهذا الاختصاص.

المعارضة وضمانات الجيش

وفي أول تعليق من حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، قال رئيسه محسن بلعباس "رئيس الأركان لا يزال مؤمناً بالانتخابات الرئاسية من دون المرور بفترة انتقالية كفيلة بوضع الآليات، ومنها الهيئة المستقلة لتنظيم وليس مراقبة الانتخابات، والتي تضمن انتخابات شفافة وحرة حقاً وتناوباً ديمقراطياً على السلطة". وتابع أنه "على الرغم من أنه لم يهاجم هذه المرة مَن يسميهم أولئك الذين يسعون إلى عرقلة الحل الدستوري، إلا أنه لا يزال متذبذباً بين مواقف أضاعت وقتاً كثيراً على الأمة. والحقيقة أن لا أحد سعى إلى عرقلة الحل الدستوري، لأنه ببساطة ليس حلاً بل مشكلة".
أما عبد القادر بن قرينة رئيس "حركة البناء الوطني"، فقال إن "الحركة تتمسك بالحل الدستوري للخروج من الأزمة، ولا ترى مانعاً في تأجيل الانتخابات الرئاسية لفترة قصيرة بما لا يخرجها عن إطار الدستور".
وعلّق بن قرينة على خطاب رئيس الأركان قائلاً، إنه "وجب فعلاً إنشاء لجنة وطنية مستقلة للانتخابات، تشرف وتنظم وتراقب وتعلن النتائج، حيث تكون مسؤولة عن كامل مراحل العملية الانتخابية". وأضاف "نحن في الحركة ندعم الحراك السلمي الحضاري التمثيلي لكل ربوع الوطن وبشعاراته الوطنية ومطالبه المشروعة، فنحن مع تلاحم الشعب وجيشه تحت شعار "الجيش الشعب خاوة خاوة"، كما ترفض الحركة الفراغ الدستوري تحت أي مبرر، والاستجابة لمطالب الحراك، بالبحث عن حلول سياسية لا تخرج عن نص الدستور وروحه". وقال الإعلامي عبد النور بركاتي إن "خطاب قائد الجيش تضمن دعوة إلى الحوار مع جهات تمثل الحراك وتتجسد فيها الوطنية والمبادئ، وستفضي مخرجات الحوار الذي سترعاه مؤسسة الجيش، إلى شخصية توافقية مقبولة من الكل، فيما الانتخابات ستؤجَل شهرين آخرين" على الأقل. وطرحت مبادرات سياسية، تاريخ 31 أكتوبر (تشرين الأول) موعداً بديلاً للانتخابات المفترضة، إذ سيتزامن إعلان النتائج مع ذكرى الثورة الجزائرية في أول نوفمبر (تشرين الثاني).

"مطية سهلة"

وورد في خطاب رئيس الأركان أن "المسيرات الشعبية أصبحت مطية سهلة يركبها الساعون إلى الترويج لأفكار لا تخدم الجزائر ولا تتماشى إطلاقاً مع المطالب الشعبية المرفوعة". ومن هنا "يصبح ضرورياً وحتمياً إعادة النظر في كيفية تنظيم هذه المسيرات، وفي ضرورة تأطيرها بأشخاص من ذوي الحس الوطني المسؤول الذين يخافون الله في شعبهم ووطنهم ومؤسسات دولتهم، ويعملون على نقل المطالب الشعبية في إطار حوار جاد وبناء مع مؤسسات الدولة". وأعلن قايد صالح رفضه فكرة طرح مؤسسة الجيش، كطرف في الحوار، وقال "مع أخذ ما تحقق لحد الآن من مطالب في الاعتبار، بفضل المرافقة الدائمة للجيش الوطني الشعبي، الذي تعهد والتزم بأنه لن يكون طرفاً في هذا الحوار المرغوب".

التأجيل أمامه إشكاليات

إذا كانت نية السلطة القائمة هي التأسيس لهيئة تشرف وتنظم انتخابات الرئاسة، فالأمر يحتاج تعديلاً دستورياً، أو حلاً برلمانياً قائماً على أساس تعديل مستعجل لقانون الانتخابات. وقال النائب السابق فاتح قرد، إن "الدستور لا يسمح لرئيس الدولة المؤقت أن يعدله. يمكن للبرلمان فقط سن قانون أو إدخال تعديلات على قانون الانتخابات". وأضاف "كانت الكارثة أن توضع هيئة مراقبة الانتخابات في الدستور والتي هي مجالها القانون، ذلك أن الدستور مبادئ عامة تنظم عمل السلطات، بينما القانون هو الذي ينظم الإجراءات التي تضمن نزاهة الانتخابات".
وتوقع مراقبون أن يكون للبرلمان دور في الساعات المقبلة، بالتوافق مع الرئاسة المؤقتة، في سياق البحث عن صيغة قانونية تستحدث هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي