تشهد منطقة إملشيل تجمعاً سنوياً يُعرف بموسم الخطوبة الذي تُنظم خلاله زيجات جماعية لشباب المنطقة، ويعود سبب إطلاق الموسم، رغبة قبيلة آيت أحديدو التكفير عن خطأ ارتكبته قبل أكثر من قرن، حين منعت زواج شاب وشابة بسبب خلاف بين قبيلتيهما.
إملشيل
تقع إملشيل في قلب جبال الأطلس الكبير في جنوب شرقي المغرب، تقطنها قبائل آيت حديدو الأمازيغية الصنهاجية التي استقرت هناك بحسب المؤرخين في القرن17، على ارتفاع 2220 متراً، ومن مميزات هذه القبائل حفاظها على خصوصياتها حتى اليوم كما خَلص إلى ذلك المؤرخ والأنثروبولوجي الأميركي دافيد هارت، فهي قبائل تعتمد على العمل في مجالي الزراعة وتربية الماشية.
موسم الخطوبة
ينظَم سنوياً موسم الخطوبة بإملشيل في شهر سبتمبر (أيلول)، إذ يختار شباب المنطقة عرائسهم قبل بدء الموسم، الذي تقام خلاله احتفالات شعبية عريقة في إطار عرس جماعي بعد عقد قران عدد كبير من الأزواج. ومن تقاليد مراسم الخطوبة أن يتوجه والدا العريس إلى منزل العروس حاملين السكر والحناء واللوز وبعض الهدايا. ويوزع فرد من عائلة الخطيب، بعد اتفاق الطرفين على تفاصيل الزواج، التمر على أفراد عشيرته، كما يوزع فرد من عائلة الخطيبة التمر على قبيلته، وبعد ذلك يقام تجمع نسائي لطحن القمح وتأمين الكمية الكافية من الدقيق لصنع الخبز خلال حفلة الزفاف التي تستغرق ثلاثة أيام. وخلال الحفلة تقدم أسرة العريس خبزة كبيرة تسمى "أبادير" لأطفال أسرة العروس، فيما تطهو عائلة العريس الطعام للحاضرين.
اعتقاد خاطئ
يورد موقع قناة إملشيل في دراسة حول تسمية الموسم أنه "كلما اقترب موعد الموسم العالمي تثار ضجة إعلامية حوله، وتتقارع مجموعة من العقول بآرائها وتقديراتها المختلفة حول التسمية الأنسب لهذا الحدث. هذا الموسم إذا أردنا أن نعرفه من منظور عام وسطحي، فهو موسم تجاري ضخم بامتياز، تختلف فيه المنتوجات بين ما هو أجنبي وما هو وطني، وما هو محلي مثل صناعات محلية كالنسيج التقليدي الذي يعرف اهتماماً كبيراً من قبل الزوار الأجانب وكذلك المحليين، إضافة إلى مجموعة أخرى من المنتجات". وتضيف الدراسة "أن كل زائر يتلقى تسميات مختلفة عن الموسم مما يجعله يقف ويتساءل ما هو معيار كل تسمية على حدة. ومن بين هذه التسميات الشائعة نذكر "موسم الخطوبة" هذا الاسم يعرف نسبة متوسطة من الرضا لسببين اثنين، الأول هو أنه يجعل البعض يلهث ويعتقد أننا نقدم الأنثى الحديدوية كذات تجارية، أو أننا نعرض إناثنا في سوق نخاسة، فمن أعجبته فتاة يأخذها مقابل ثمن رمزي، وهذا بمثابة سوء تقدير للمرأة ومكانتها داخل المجتمع الحديدوي بصفة خاصة ومختلفة عن بقية الأماكن، خصوصاً المناطق الحضارية. أما السبب الثاني أن هذا الاسم يستعمل لإهانة كل من ينتمي إلى الرقعة الجغرافية لقبائل آيت أحديدو، مما جعل الأعداء يستعملونه لتشويه سمعة المنطقة ونسائها".
تكفير عن ذنب
تختلف الآراء حول السبب الرئيسي الذي أدى إلى تنظيم موسم الخطوبة بتلك المنطقة من دون غيرها من مناطق المغرب الأخرى، ويرجح أن السبب يعود إلى رغبة القبيلة التكفير عن غلطتها عندما منع خلاف قبيلتين تنتميان إليها تزويج شاب من قبيلة آيت إبراهيم بشابة من قبيلة آيت يعزو، دفعهما ذلك الخلاف إلى اختيار نهاية مأسوية.
عشق أسطوري
تحولت قصة الشابين من فرط العشق الذي كان بينهما إلى أسطورة تاريخية، حيث انتحرا أمام انسداد أفق الزواج غرقاً، إذ ألقى الشاب بنفسه في بحيرة باتت تُعرف بـ "إيسلي" وتعني العريس، فيما أغرقت الفتاة نفسها في بحيرة أخرى سميت "تسليت" وتعني العروس. ويقول المدون الأمازيغي محمد بنصالح "وقع الشاب موحى سليل فريسة حب فتاة تدعى حادة. وتعيش قبيلتا العاشقان على عداء دائم، فهما جارتان تنتميان إلى قبائل آيت حديدو قرب إملشيل، ولم يستثنِ الصراع بينهما شيئاً، الحدود ومنابع الماء والأراضي الزراعية،... ووسط هذه الأشواك من الكراهية نمت وردة العشق بين موحى وحادة، وكان العاشقان يلتقيان خفية من أهاليهما". ويضيف "تحت ظلال أشجار الخروب المنتشرة في المنطقة، خطط موحى وحادة للزواج، إلا أن القبيلتين رفضتا هذه الخطوة، ومنعوهما من لقاء بعض، حبست حادة نفسها في غرفتها حزناً على فراق حبيبها قسراً، وكذلك فعل موحى ورفض الزواج بغيرها، وعندما بدا لهما أن أمر الزواج بات مستحيلاً، أغرقت حادة نفسها في بحيرة، وما لبث موحى أن سمع بخبر غرق حبيبته حتى كرر فعلتها وأغرق نفسه في بحيرة أخرى جنب الأولى، وهكذا كان ختام حب قتلته الكراهية". تداخلت أسطورة إيسلي وتسليت بالخرافة حيث يقول بنصالح "في رواية أخرى يُروى أن حادة وموحى قد بكيا حتى امتلأت البحيرتان بدموعهما، ومن ثم أغرق كل واحد منهما نفسه في دموعه، تعاقبت السنون ولم ينسَ أهل المنطقة الحب الغارق، حتى تلاشى العداء بين القبيلتين، وللتكفير عن ذنبهما قررا تسمية البحيرتان "إيسلي وتسليت" (العروس والعريس) ليحقق حلم موحى وحادة بالزواج - رمزياً - ولو بعد غرقهما بسنين طويلة، كما قررت القبيلتان أن تجمعهما علاقة مصاهرة دائمة، ومرت السنون ولم يرحل حب إيسلي وتسليت، حتى بات ذكرى سنوية في موسم إملشيل، حيث يعقد موسم الزواج بين العشاق على ضفاف بحيرتي إيسلي و تسليت".
تفسير علمي
اكتشف فريق من العلماء من كلية بن زهر بمدينة أكادير عام 2012 أن البحيرتين تشكلتا إثر سقوط نيزك قبل 40 ألف عام، ويبلغ قطر حفرة إيسلي 1500 متر وقطر حفرة تسليت ألف متر، وعمقهما 75 متراً و26 متراً على التوالي. وقال الدكتور عبد الرحمن إبهي الخبير المغربي في علم النيازك آنذاك، إن هذا الحدث الكوني فجر طاقة أكبر من تلك المنبعثة من مجموعة من القنابل النووية، ما أدى إلى تأثر المناخ الحيواني والنباتي بكل المنطقة في تلك الحقبة، وأن وجود هذه الحفرة المزدوجة يعود إلى انقسام النيزك عند احتكاكه بالغلاف الجوي إلى جزءين كبيرين. ويعرف موسم إملشيل، الذي أصبح يحظى بشهرة عالمية، حضوراً كبيراً للزوار المغاربة والأجانب الذين يبحثون عن الأصالة والتقاليد العريقة، التي استطاعت قبائل آيت أحديدو المحافظة عليها لأكثر من قرن.