Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دينامية التفاهمات الأميركية الروسية تزيد توتر "حزب الله"

يترقب محادثات الانسحاب الأميركي من معبر التنف كمقدمة لطلب انكفاء إيران

والد الشاب ابراهيم حرب يبكيه بعد وفاته الإثنين 27 سبتمبر الحالي، متأثراً بجروح تعرض لها إبان تفجير مرفأ بيروت منذ 14 شهراً (أ ب)

حفل الأسبوعان الماضيان بالمواقف المتشددة والمتصلبة حيال العديد من القضايا من قبل "حزب الله"، على الرغم من خطاب "الانتصار" والإكثار من شعارات "هزيمة المشروع الأميركي - الإسرائيلي" في لبنان والمنطقة، وإبداء قادة الحزب ارتياحهم إلى تمكنهم من استيراد المحروقات الإيرانية إلى البلد وبيعها حتى في مناطق تقع خارج نفوذه، في ما يشبه اختراقاً لساحات الخصوم وخصوصاً بعض القرى السنية في محافظة عكار (شمال)، والمسيحية في البقاع والجنوب.

فالحزب مأزوم في رأي عدد من المراقبين بسبب تصاعد لهجة التجرؤ عليه على الرغم من سطوته الأمنية والعسكرية في الداخل، وبفعل الخوف من خطوات وصفقات دولية قد تكون نتائجها على حسابه، في ظل تغييرات قد تفرضها بعض المساومات الخارجية بين حلفائه وخصومه في الإقليم.

الحملة الدعائية: المشكلة بالحصار الأميركي لا بالحزب

لم يتوقف "حزب الله" منذ أكثر من شهرين عن التبشير بأن خطواته أدت إلى كسر "الحصار الأميركي" عن لبنان وعن سوريا، في معرض نقل الحملة عليه بأن سياسته وسلاحه واستعماله لبنان كمنصة لتحركات أمنية وعسكرية ضد بعض الدول العربية، ونشاطات تدريبية لميليشيات وخلايا تدين بالولاء لإيران، سواء في اليمن أو في بعض الدول الخليجية كالكويت والبحرين، إلى حملة على "الشيطان" الأميركي وإسرائيل، بأنهما وراء المآسي التي يعيشها اللبنانيون، بينما هو المنقذ.
وفي وقت بدا خصوم الحزب ومعهم الدولة، ضعفاء أمام قدرته على سد بعض النقص بالمحروقات الذي تعانيه المستشفيات والمخابز، وظهر قادراً على فرض أجندته بالقوة بتعاونه مع إيران، ونظم حملة إعلامية من "الشكر للمقاومة" من بعض القرى والمؤسسات التي استطاعت سد النقص بالمازوت لمولدات الكهرباء لديها، فإن الأوساط السياسية المعارضة لنفوذ الحزب لم تتوقف عن مهاجمة استقدامه النفط الإيراني عبر الحدود غير الشرعية التي حولها إلى مناطق سائبة ومفتوحة. ورأت هذه الأوساط أنه يسعى لتعويض النقمة على حمايته تهريب هذه المواد التي كانت الشركات اللبنانية تستوردها بالسعر المدعوم، من لبنان إلى سوريا، لبيعها هناك بأسعار أعلى، ما تسبب بخسارة مبالغ طائلة من احتياطي الدولار الأميركي في مصرف لبنان المركزي. وآخر الأرقام التي أُعلنت في هذا المجال، جاءت على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليل 27 سبتمبر (أيلول) الحالي، في حديث تلفزيوني، إذ قال إن "الـ15 مليار دولار التي صُرفت على الدعم كان يمكن استخدامها لبناء معمل كهرباء لحل الأزمة".

الاستعراضات بتجييش الجمهور

وفي اعتقاد خصوم الحزب أن حملته الدعائية الأخيرة المرتكزة إلى المحروقات الإيرانية التي يخضع استيرادها لعقوبات قانون "قيصر" الأميركي، تهدف إلى حرف الأنظار عن الضغوط عليه، أولاً بسبب تحميله من قبل طيف واسع من القوى السياسية اللبنانية مسؤولية تدهور الوضع المعيشي، لأنه لن يتمكن مهما حاول الظهور بمظهر الساعي إلى التخفيف من الضائقة التي يعيشها اللبنانيون من الحلول مكان الدولة اللبنانية والدول صاحبة الإمكانات الكبيرة، التي تقدم المساعدات الإنسانية من دون المرور بالمؤسسات الرسمية المتهمة بالفساد. وثانياً لأن الحملة الدعائية التي قام بها بسبب استقدامه المحروقات الإيرانية، حيث جيّش قسماً من جمهوره لاستقبال صهاريج المازوت القادمة من سوريا، تحولت إلى استعراضات مفتعلة خدمته أمام جمهوره فقط ولمدة قصيرة من الزمن. فهذا الجمهور يعاني مثل سائر اللبنانيين الانهيار الذي أصاب الخدمات الأساسية والذي زاده انهياراً، ترك البلد في الفراغ الحكومي الذي دام 13 شهراً، نتيجة تصلب حليف الحزب أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في شروطهما لتأليف الحكومة.

التوتر على لسان قادته وانفضاح تهديد بيطار

لكن الاحتفالية التي قام بها الحزب تناقض دلالات التوتر الذي يمر به وفق تسلسل المواقف الآتية:

- اضطرار الحزب إلى تهديد المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، على لسان المسؤول الأمني فيه عن التنسيق والارتباط وفيق صفا، التي شكلت فضيحة مدوية كشفها صحافيان، تولى أحدهما نقل رسالة صفا إليه، عاد هو وأكدها ومفادها بأنه سيتم "قبعه" (إزاحته بالقوة) من تولي التحقيق نظراً إلى غضب الحزب منه. وأعاد هذا التهديد تسليط الضوء على اتهامات إعلامية وسياسية للحزب بأنه كان يحمي نقل جزء من نيترات الأمونيوم التي سببت انفجار المرفأ إلى سوريا، كي يستخدمها النظام هناك في البراميل المتفجرة ضد مناطق المعارضة. كما سلّط هذا الاتهام الضوء مجدداً على وقائع عن سيطرة الحزب الأمنية على جزء من مرفأ بيروت.
- قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إن "المازوت الإيراني هو وطني، وموازين القوى هي التي أتت بالمازوت الإيراني إلى لبنان". وسأل قاسم "مَن يتحدث عن السيادة وعن كيفية دخول الدعم الأميركي إلى بعض الأطراف والجمعيات؟"، وذلك في رده على اتهام الحزب بأنه أدخل المازوت عبر الحدود غير الشرعية وتباهى ببيعه بسعر أقل مما تبيعه الشركات لأنه لم يدفع رسوماً أو جمارك، وحقق أرباحاً.

- كشف رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد (الوفاء للمقاومة) عن قلق الحزب من تغيير ميزان القوى في الانتخابات النيابية المقبلة التي ستجري في نهاية مارس (آذار) 2022، وتراهن دول الغرب على أن تُعدَّل الأكثرية النيابية الراهنة المؤلفة من حلفائه، حين قال "سيضغطون على سحب عدد من المرشحين الذين يمكن أن ينجحوا ويكونوا في صف المقاومة، إما بالتهديد بمصالحهم خارج البلاد أو بتهديدهم بعقوبات ستُفرض عليهم، وبخاصة إذا كانت لهم مصالح خارج البلاد، وسيحاولون شراء الذمم ودفع أموال باهظة من أجل تعديل موازين القوى والسيطرة على الأكثرية المقبلة في المجلس النيابي". وأضاف رعد "كل ذلك توهم منهم بأنهم يستطيعون أن يغيروا المسار السياسي في هذا البلد، ويأخذوه إلى حيث أخذوا بعض دول الخليج لمصالحة العدو الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه. سنواجه هذا الاستحقاق بكل ما يتاح لنا قانوناً".

ويحسب الحزب حساباً لتغيير الأكثرية، فيقف مع تعديل قانون الانتخاب، بحيث يتم تأجيل البند الذي ينص على اقتراع المغتربين لاعتقاده بأن مشاركة هؤلاء بكثافة ستكون في غير مصلحته وحلفائه لأنهم سيتأثرون بمواقف الدول المعادية لهم. وهذه النقطة قد تكون مدار خلاف بينه وبين حليفه "التيار الوطني الحر" الذي يراهن على تجييش انتخابي لجزء من المغتربين المسيحيين لمصلحته.

عوامل خارجية تفوق دعم أميركا للجيش

يرد خصوم "حزب الله" توتره في الشهرين الماضيين إلى مؤشرات إقليمية ودولية هي الأساس في قلقه. فعلى المستوى المحلي تبدو مواقف معارضي هيمنته مكشوفة لأن هؤلاء يجاهرون بالحملة على تسببه، بتحالفه مع عون وباسيل، بأزمات لبنان وعلاقاته الخارجية التي حالت دون تقديم المساعدة المالية لانتشاله منها. ويقول المصرون على انتخابات نيابية مبكرة، مثل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بوضوح إن هدفهم هو تغيير الأكثرية النيابية، فيما بعض مجموعات الحراك الشعبي وثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ترفع شعارات علنية بأن سلاح الحزب و"الاحتلال الإيراني" وراء مأساة لبنان، ويدعون إلى مواجهته في الانتخابات. وبعض هذه المجموعات لا يخفي مطالبته بموقف دولي يؤدي إلى نزع سلاح الحزب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هؤلاء يعددون جملة عوامل خارجية بالإضافة إلى تعبير قياديين من الحزب عن انزعاجهم مما سموه "تحريضاً أميركياً" للجيش اللبناني عليه عن طريق المساعدات التي يقدمونها له. ومن هذه العوامل التي تضغط لتقليص دوره ودور إيران الإقليمي:

- اتفاق درعا في سوريا الذي رعته موسكو بين النظام السوري ومجموعات المعارضة في المحافظة السورية المهمة بالنسبة إلى أمن الحدود الجنوبية السورية. وهو اتفاق أدى إلى سحب الميليشيات الإيرانية التي اعتمد عليها النظام السوري في شكل أساسي لمحاصرة المعارضة في درعا البلد، لتحل الشرطة الروسية مكانها. وحظي هذا الاتفاق بدعم أردني أميركي إسرائيلي مصري وخليجي من وراء الستار، ولم تكن موسكو وحدها خلفه.

- دينامية التفاهمات الروسية - الأميركية تتسارع في شكل يؤثر في دور الحزب في عدد من ميادين وجود الحزب كأداة إيرانية، ولا سيما سوريا. فبالإضافة إلى اتفاق درعا، أشارت المعلومات إلى أن اللقاءات المتعددة بين الجانبين وآخرها لقاء رئيس الأركان في الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي في فنلندا، على مدى ست ساعات لم يقتصر على بحث "تقليص خطر وقوع الحوادث خلال ممارسة الأنشطة العسكرية" بين الجيشين، حيث يوجد بعضهما قرب بعض، مثل سوريا، بل تناول أيضاً وفق ما تردده مصادر مطلعة على توجهات الدولتين، مسألة الانسحاب الأميركي المحتمل من شرق الفرات في بلاد الشام، بحيث يتم ضمان عدم ملء الفراغ من قبل إيران التي تتهيأ للحلول مكان القوات الأميركية إذا انكفأت في سياق الاتجاه إلى سحب الجيش الأميركي من المنطقة، الذي يشمل العراق في نهاية العام الحالي. فموسكو وواشنطن تهتمان بالتوافق حول مَن يحل مكان الأميركيين إذا انسحبوا، لتفادي ملء الفراغ الذي يُحدثونه بطريقة فوضوية كما حصل في أفغانستان. فإدارة جو بايدن لم تعد قادرة على تحمل الحملات ضدها كالتي تعرضت لها نتيجة الأخطاء التي ارتكبتها في تقديراتها بأفغانستان. وكانت واشنطن قررت أن تستخدم وجودها في سوريا كورقة تفاوضية لن تتخلى عنها من دون مقابل، سواء في الموقف من نظام بشار الأسد في إطار الحل السياسي هناك، أو في الموقف من الوجود الإيراني. وانكفاء الأميركيين عن معبر التنف الذي يقع قرب مثلث الحدود العراقية الأردنية السورية الاستراتيجي سيؤدي إلى طرح مسألة الانسحاب الإيراني من سوريا. فحجة موسكو في مقابل مطالبتها، كونها القوة العسكرية الأقوى في سوريا، بدفع إيران إلى الانسحاب منها، كانت أن "الأمر ممكن إذا انسحبت القوات الأميركية". وتستكمل موسكو الترتيبات لانسحاب أميركي منتظَر في محادثات أجرتها مع ممثلين عن القوات الكردية في شمال سوريا (قسد)، التي تتمتع بحماية القوات الأميركية في عدد من المناطق، ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

- أن استقبال الرئيس فلاديمير بوتين الرئيس السوري بشار الأسد أطلق بدوره دينامية جديدة حول وضع الحدود السورية، أعقبه زيارة قائد الجيش السوري على رأس وفد عسكري وأمني موسع إلى الأردن من أجل تنسيق فتح الحدود الأردنية - السورية مجدداً، بعد أن كان ملك الأردن عبد الله الثاني اشتكى لدى بوتين حين التقاه من الوجود الإيراني في جنوب سوريا. وهو وجود يشمل مسلحي "حزب الله".

- أن إيران و"حزب الله" يستريبان المحاولات الجديدة للتموضع العراقي، لا سيما بعد قمة بغداد التي حضرتها دول الجوار بما فيها السعودية ومصر إضافة إلى فرنسا، على الرغم من حضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. فهي خلقت بدورها دينامية تعاون بين هذه الدول على الرغم من النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين عن طريق الحشد الشعبي الموالي لطهران، التي تترقب نتائج الانتخابات العراقية بعد أسبوعين.
ويعتقد مراقبون في بيروت أن أحد أسباب ارتباك "حزب الله" في لبنان هو اعتماده على الاتفاق النفطي مع العراق لتزويد مؤسسة كهرباء لبنان بمئة ألف طن من الفيول أويل على مدى سنة بأسعار مخفضة لتشغيل معامل الكهرباء، وأن حملته الدعائية لاستقدام المازوت الإيراني طغت على ذلك. فلم يهلل قادته لوصول بواخر الفيول العراقي إلى الساحل اللبناني وتفريغها حمولتها بمثل ما فعل للمازوت الإيراني، على الرغم من أن الكمية العراقية أكثر بكثير من ملايين الليترات من المازوت التي اشتراها من طهران وفق سعر السوق.

- أن اقتراب استئناف المحادثات الأميركية الإيرانية في فيينا سيطرح مجدداً احتمال إثارة المطلب الأميركي الغربي ببحث تدخلات طهران الإقليمية إضافة إلى برنامج صواريخها الباليستية. وهذا الأمر ينتظر أن يتناول عنوانين رئيسين هما: دور الحزب في اليمن وفي لبنان.

المزيد من تحلیل