تظل رواية "أحدب نوتردام" للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو، واحدة من الروايات الملهمة لصناع الدراما، سواء في السينما أو المسرح، أو التلفزيون، إذ تعددت معالجاتها السينمائية والمسرحية والتلفزيونية حول العالم، بدءًا من عام 1923 عندما قدمها، في فيلم سينمائي للمرة الأولى، المخرج والاس ورسلي، بطولة لون شاني وباتسي روث ميلر ونورمان كيري. وعام 1939، قدمها المخرج وليام ديترل في فيلم آخر، كما قدمها عام 1966 مسلسل تلفزيوني بريطاني من إخراج جيمس سيلان جونز، سيناريو فنسنت تيلسلي، قام ببطولته بيتر وودثورب في دور كوازيمودو، وجاي هاميلتون في دور إزميرالدا. وقدّمتها ديزني عام 1996 في فيلم رسوم متحركة، ولا أحد ينسى نسخة الفيلم الرائعة التي قدمها أنطوني كوين مع جينا لولو بريجيدا وآلن كوني وجان دانيت عام 1956.
"أحدب نوتردام" قُدّمت في المسرح المصري مرات عدة، يقدمها حالياً في نسخة جديدة، مسرح الطليعة، في ترجمة وكتابة مسرحية للراحل أسامة نور الدين، وإخراج ناصر عبد المنعم.
النسخة المسرحية الجديدة جاءت مختلفة عن سابقاتها، إذ اتسمت بسخاء إنتاجي واضح، استغله المخرج لإثراء صورته المسرحية، وتوظيف عناصره كافة لخدمة رؤيته التي اعتمدت على إبراز فكرة قسوة المجتمع تجاه العاهة البشرية وغياب العدالة. وقد مزجت الصياغة بين الكوميديا والتراجيديا، بخاصة أن الرواية نفسها تمتاز بالطابع "التراجيكوميدي".
نص العرض
نص العرض اختزل كثيراً من أحداث الرواية، تماماً كما فعل معظم الأعمال المأخوذة عن الرواية، في السينما والمسرح تحديداً. فالرواية التي تقع في أكثر من أربعمئة صفحة وتدور أحداثها في منتصف القرن الخامس عشر، وتتضمن خيوطاً عدة قد يبدو بعضها زائداً ويمكن الاستغناء عنه. لكنها تتضافر معاً في النهاية لتقديم رؤية شاملة عن تلك الفترة التي تدور فيها الأحداث، والتناقض الصارخ بين حياة طبقة النبلاء والحكام وتابعيهم، وبين حياة عامة الشعب الذين يعيشون في بؤس وشقاء، وتبرز قسوة المجتمع على أولئك الضعفاء والمشردين، بل وقسوتهم هم أنفسهم بعضهم على بعض. وتبرز كذلك، وهذا هو الأهم فكرة الجمال الداخلي الذي قد يتحلى به الإنسان على الرغم من تشوهاته الجسدية، وكيف أن في داخل الإنسان جمالاً ربما يكون كامناً وفي حاجة إلى من يستنطقه. فالأحدب كوازيمودو قارع أجراس كنيسة نوتردام، الأصم، المشوه، الذي يخشى الناس النظر إليه، عندما تم جلده واحتاج شربة ماء، لم يعطف عليه أحد سوى إزميرالدا الغجرية، التي تم جلده بسبب محاولته اختطافها. وتحركت في داخله مشاعر الحب تجاهها بمجرد أن نظر في عينيها، حتى إنه بعد ذلك غامر كثيراً لحمايتها، وعرّض نفسه للموت في سبيل ذلك. وعندما أُعدمت دفن نفسه حيّاً إلى جوارها في المقبرة.
فلاش باك
يبدأ العرض بالشاعرغرانغوار، أحد أشخاص الرواية، وهو الذي تزوجته إزميرالدا إنقاذاً له من الموت بحسب تقاليد الغجر، جالساً في أقصى يمين مقدمة المسرح ممسكاً بأوراق يقول إنها مذكرات كتبها كوازيمودو الأحدب بعد رحيله، متحدثاً فيها عن إزميرالدا التي أحبها، ويحكي قصته معها. ثم يفتح الستار على مشهد عيد المهرجين، الذي تم خلاله تنصيب كوازيمودو ملكاً لهم، وتبدأ الأحداث من خلال الفلاش باك، ثم يتحول الشاعر من راوٍ لها إلى مشارك فيها.
جاءت تلك الافتتاحية كتمهيد يتم خلاله إعادة صياغة شخصية الأحدب الذي تصوره الرواية، فضلاً عن تشوهه الجسدي، شخصاً أصم، يتكلم بالكاد ببعض الجمل المبهمة، إلى شخص آخر لا يتكلم فحسب بل يعرف القراءة والكتابة، وهو ما يخالف شخصيته في الرواية، وهو أمر ربما قصده كاتب نص العرض ليضفي مزيداً من الثراء على شخصية الأحدب، باعتبارها الشخصية الأكثر فاعلية وحضوراً في العرض، وإن احتفظت بسماتها الجسدية الواردة في الرواية. ولعب ماكياج إسلام عباس دوراً مهماً في إبراز تشوهات الأحدب. وكذلك بقية أشخاص العرض، فجاءت ملابسهم أيضاً (صممتها نعيمة عجمي) كواحد من العناصر الواعية لطبيعتهم والطبقة التي ينتمون إليها، والفترة الزمنية التي يعيشون فيها، مضفية نوعاً من البهجة على العرض ككل.
البهاء المضاعف أضفاه على العرض الديكور، الذي صممه حمدي عطية، وكان واحداً من أبرز عناصر العرض. جاء الديكور في ستة مناظر، متنقلاً ما بين الكاتدرائية وساحتها، والسجن، وقاعة المحكمة، وحي الغجر، والبيت المشبوه الذي اصطحب الضابط فيبوس إزميرالدا إليه. وعلى الرغم من تعدد المناظر، والانتقال من هنا إلى هناك، وما يمكن أن يحدثه ذلك من مشكلات لمصمم الديكور، فقد نجح في تقديم حلول فنية ذكية، سواء بإسقاط قطع الديكور من أعلى، أو بإدخالها من جانبي المسرح، في توقيت حاسم وسريع، من دون أي إخلال بإيقاع العرض.
التصميمات ذاتها امتازت بقدر عالٍ من الدقة والجمال، من حيث تكويناتها وألوانها المبهجة، وبدت كما لو كانت تعادل كفّتَي الميزان، لتخفف من حدة البؤس والشقاء أمامنا. وهو ما انتهجه العرض ككل، من خلال الموازنة الدقيقة، في غير افتعال، ما بين الكوميديا والتراجيديا.
من العناصر البارزة أيضاً في العرض إضاءة أبو بكر الشريف التي لعبت دوراً مهماً، سواء في إبراز جماليات الديكور، أو في التعبير عن لحظات المرح والحب والتعذيب وغيرها، بتعدد ألوانها ودرجاتها ومصادر إسقاطها. وكذلك الاستعراضات التي صممتها كريمة بدير، مستلهمة بعض الرقصات المناسبة لطبيعة المؤدين، وهم هنا من الغجر والمشردين، وذلك عبر صياغات لحنية رشيقة ومبهجة لكريم عرفة، وأشعار تتماس مع الحالات التي يقدمها العرض، لطارق علي.
فجوة التمثيل
هذه العناصر كلها أسهمت في سد بعض الفجوات التي خلّفها التمثيل، الذي كان هو العنصر الأقل إبهاراً في العرض، باستثناء شخصية الأحدب التي أداها جورج أشرف، وبعض الشخصيات المساعدة، مثل محمد حسيب في دور القاضي، ومحمد دياب في دور كلونان، وآية خلف في دور سوزي وحسام الشاعر في دور فيبوس. كان التمثيل في حاجة إلى مزيد من الاهتمام، بخاصة أننا نتعامل مع مسرح احترافي وليس مسرح هواة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شخصية إزميرالدا هي الأبرز في العرض، قدمتها رجوى حامد، وحمّلتها مواصفات جسدية مثالية، وأداء راقصاً على قدر عالٍ من الاحترافية، كان ينقصها ضبط انفعالاتها واستخدام جهازها الصوتي بشكل أفضل، وهي أمور يمكن اكتسابها بالتدريب. الأمر نفسه حصل لمحمد عبد الوهاب في دور الأسقف، فهو ممثل جيد وموهوب، لكنه بالغ كثيراً في استخدام طبقات صوته، وانفعل أكثر من اللازم، في حين أن شخصية رجل الدين العاشق الخبيث المتآمر، التي يقدمها، يلزمها بعض الهدوء وخفض الصوت، لتكون أكثر إقناعاً، ويبدو الأداء داخلياً وليس خارجياً.
هذه الملاحظات حول التمثيل تخص الليلة الأولى للعرض، ربما يلتفت الممثلون إليها في ليالي العرض التالية، بخاصة أن مخرج العرض ناصر عبد المنعم واحد من المخرجين البارزين في مصر، وله تجارب مسرحية مهمة ما زالت عالقة في أذهان المشاهدين. وهو يدرك، لا شك، ضرورة الاهتمام بعنصر التمثيل، والعناية بتوجيه الممثل إلى "سكك" الأداء التي تجعله أكثر إقناعاً، وتكسب عرضه المزيد من الحيوية.