Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في "رسائل حب" يتواجه العاشقان بالمكاتبة على المسرح

 نص الكاتب الأميركي أ. ر. غورني أخرجته لينا أبيض في ترجمة فرنسية

من جو مسريحة "رسائل حب" (الخدمة الإعلامية للمسرحية)

وسط الفوضى التي تشهدها بيروت، تقدم المخرجة اللبنانية لينا أبيض مسرحية "رسائل حب" على خشبة مسرح مونو، في عرض يستمر حتى الثالث من شهر أكتوبر (تشرين الأول). وقد يستغرب البعض خيار أبيض في تقديم المسرحية باللغة الفرنسية بينما النص مكتوب باللغة الإنجليزية في الأصل وهو للكاتب المسرحي والروائي الأميركي أ. ر. غورني (Love Letters, Albert Ramsdell Gurney, 1930-2017)، وقد أخذ البعض على لينا أبيض عدم تقديمها النص بالعربية ليطاول شريحة أكبر من متذوقي المسرح، إنما بحسب لينا أبيض فهذه الخطوة الجريئة والجميلة "تذكر بالفرانكوفونية الأنيقة التي تشتهر بها أزقة بيروت والانفتاح الذي يعرفه لبنان والاتصال بحضارات ولغات وثقافات مختلفة".

وصل أ. ر. غورني بفضل نص مسرحيته "رسائل حب" إلى القائمة القصيرة لجائزة البوليتزر- فئة الدراما، عدا عن أن أبرز ممثلي برودواي في نيويورك والمسرح الأميركي عموماً قدموا هذا النص وأدوه على خشبات مختلفة منذ عام 1988، وقد بلغ الأمر بالممثلين الفرنسيين ألان دلون وأنوك إيمي لتأدية هذه المسرحية في مسرح لا مادلين بباريس عام 2008.

وقد أجمع النقاد على أن ميزة أدب الكاتب المسرحي الأميركي أ. ر. غورني وضعه نصوصاً مسرحية أرادها مرآة لحياة الطبقة الأميركية البروتستانتية المخملية البيضاء. فقد فضح غورني بحسب نقاد الأدب نمط حياة  ناس هذه الطبقة عندما تطرق إلى عاداتهم وتقاليدهم وأنماط عيشهم وتفكيرهم عبر شخصياته الكثيرة من النساء والرجال الذين رافقهم في مختلف مراحل حياتهم. فجاءت "رسائل حب" من بعد رائعته "غرفة الطعام" (The Dining Room, 1981) التي كانت السبب خلف شهرته لتتوقف عند مختلف تفاصيل حياة شخصيتين، نمت القصة مع نموهما ومع تقدمهما في العمر.

يختار أ. ر. غورني في مسرحيته "رسائل حب" أن يحصر نصه في شخصيتين، ميليسا وآندرو. فيكتب كل منهما إلى الآخر، يقرأ كل منهما رسائله إلى الآخر، رسائل تهنئة بأعياد الميلاد ورأس السنة والأعياد الدينية، رسائل اعتراف بحب أو غضب أو علاقة سرية أو زواج، رسائل عتاب أو غضب أو حب أو غيرة، رسائل طويلة وأخرى قصيرة وبينها أحد الطرفين صامت حردان، رسائل مشوقة وأخرى مملة وأخرى لاهية لعوب. صديقان أو حبيبان أو حتى عاشقان لم يدرك أحدهما حبه للآخر سوى في النهاية بعد نصف قرن من تبادل الرسائل والأخبار، فيقول آندرو في رسالته الأخيرة، "أدرك الآن أنني أحببتها طيلة هذا الوقت، أحببتها منذ اليوم الأول الذي رأيتها فيه"، لكن أحد الاثنين لم يجرؤ على الاعتراف بحبه للآخر، سنوات مرت، سنوات من المشاحنات والشجارات والاختلاف الهائل في الطباع، فبين فتاة جميلة ثرية مدللة وشاب رصين طموح جدي آلاف نقاط الاختلاف ونقطة التقاء واحدة مبطنة.

حب تراجيدي

يكتشف جمهور لينا أبيض بجرأة جميلة "رسائل حب" للكاتب الأميركي غورني، رسائل تغطي حقبة تمتد من 19 أبريل (نيسان) 1937 حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين. علاقة صداقة بين عائلتين تمتد على مدى نصف قرن لتربط بين شاب وفتاة من أوساط ثرية تقليدية يخوضان الحياة كل من ناحيته من دون أن ينقطع بينهما حبل التراسل. وبينما ميليسا فتاة قوية مشاغبة عفوية لا تخشى الحياة ولا استفزاز المحيطين بها، آندرو شاب رزين محافظ لا يتطرق كثيراً إلى مشاعره ولا يفصح عن عواطفه، بل يبقى ملتزماً الآداب والحدود الاجتماعية الرصينة.

نقاط اختلاف كثيرة تفصل بين الشخصيتين الوحيدتين اللتين ينحصر النص فيهما، فبينما آندرو يعشق الكتابة والتراسل بخط اليد، تميل ميليسا إلى التهاتف واللقاء، بينما تشجع ميليسا آندرو على الإفصاح عن عواطفه، يميل آندرو إلى الكتابة بجدية وتقليدية تفضحهما بدلته الرسمية وربطة عنقه التي يرتديها طيلة العرض، بينما ميليسا رسامة وفنانة عفوية طائشة، آندرو رجل قانون وسياسة ودبلوماسية وعضو في مجلس الشيوخ الأميركي. وعلى الرغم من أن الجمهور يميل إلى رعونة ميليسا وطيشها وعشقها للحياة والحب والمغامرة، يبقى آندرو حجر الأساس الذي يمسك بزمام حياته وحياة المحيطين به، وحتى بحياة ميليسا من دون أن تدري أو أن يدري هو نفسه.

إخراج مختلف

تقدم لينا أبيض في "رسائل حب" عملاً جديداً إخراجاً وأداء، كعادتها في ذلك. فهذه المسرحية التي تمت تأديتها على مسارح العالم كله بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه، لم تعد هي نفسها مع المخرجة اللبنانية وأستاذة المسرح لينا أبيض. تمت كتابة هذه المسرحية ليقرأها رجل وامرأة يجلس كل منهما خلف مكتبه ويمسك بأوراقه ورسائله وأقلامه. على خشبات المسارح كلها هذا كان هو العرض، أما في بيروت فقد اختارت أبيض أن تقدم أمراً مختلفاً، فالمرأة الورجل يمثلان ويؤديان ويتحركان على المسرح. وتقول أبيض عن خيارها هذا في حديث تصر على إقامته بعد كل عرض مع جمهورها إنها شاءت تأدية هذا النص بطريقة مختلفة عمداً، فهي لم تتبع توجيهات المؤلف لأن جمهور هذه البقعة من الأرض غير معتاد أن يجلس أمامه شخصان ويقرآ نصهما بكل بساطة. لقد اختارت لينا أبيض أن تصنع مقدمة وإطاراً يبرران الديكور والإضاءة وعازف الساكسوفون وتحركات الشخصيتين على المسرح، وهي أمور غير موجودة في حواشي النص الأصلي.

وتضيف أبيض متحدثة عن المسرحية، "إنها قصة حب فاشلة، كانت الشخصيتان تبحثان دائماً عن قصة حب بينما كانتا تعيشانها من دون أن تعرفا ذلك، فالرجل مأخوذ تماماً بالتقاليد المحافظة والمسار الذي رسمه له والداه لحياته، بينما الفتاة فنانة طائشة مأخوذة بالمغامرة والعفوية. إن إمكانية لقاء هكذا شخصين هشة للغاية، هشة لدرجة الحزن والتراجيديا. هذه المسرحية هي قصة رسائل شخصين مختلفين تماماً لا يلتقيان، والشيء الأساسي هو علاقة الحب التي لا تؤتي ثمارها. برأيي إنها قصة عنيفة بشكل لا يصدق، وهو أمر نحن أليفون معه جيداً في شرقنا المليء بقصص الحب المستحيلة بسبب الوالدين أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو الهجرة أو غيرها من الأسباب. هناك كثير من قصص الحب الفاشلة في واقعنا للأسف وهو أمر يحزن ويوجع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتؤدي جوزيان بولس دور ميليسا بخفة ورشاقة تليقان بالدور بشكل مثالي، فبولس الحافية القدمين النزقة العفوية المشاكسة تجسد على أكمل وجه طباع ميليسا الفنانة الضائعة المتوهجة، وكذلك يؤدي الممثل نديم شماس دوره بثقة وتمكن هو التقليدي الرصين بربطة عنقه وسترته وأناقته الأرستقراطية. ليبقى الشاب نارغ كارابتيان على الساكسوفون العنصر الذي يضفي حميمية على العرض ومزيد من التراجيديا والحزن بمقطوعات رومنسية تؤطر النص وتمنحه فواصل موسيقية رقيقة عند الحاجة.

"رسائل حب" مسرحية لذيذة دافئة فيها ما فيها من تراجيديا ورومانسية تشبه الشرق بصراعات أهله، كما تشبه أميركا وطبقتها البيضاء الأرستقراطية، لتجسد هذه المسرحية الفن في نزعته العالمية التي توحد الأفراد مهما كانت انتماءاتهم أو هوياتهم أو أوطانهم، فتقول أبيض في ختام عملها، "إن هذه المسرحية مميزة لأن الجمهور هو شريك فيها، المتلقي هو ثالث هذه العلاقة التي لا تنجح. لا ينظر الممثلان إلى بعضهما ولا يتحدثان مباشرة ولا يتلامسان، هما يتواصلان عبر الجمهور، مهما كان الجمهور. إن الحب واحد، والحزن واحد، والعمر الذي يسير بسرعة للأسف، واحد".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة