بقيود تكبل أياديهم وأرجلهم، كما لم يسبق أن وصل بهذه الحال معتقل إلى المحكمة الإسرائيلية، قدّم جهاز الشاباك والشرطة الإسرائيلية الأسرى الفلسطينيين الأربعة، الذين أُلقي القبض عليهم بعد هربهم من سجن جلبوع لمدة خمسة أيام، إلى محكمة الصلح في الناصرة.
وبأمر من رئيس المحكمة، القاضي دورون فورات، أُضيفت أوصاد لتكبيلهم، وشددت الحراسة من حولهم من خلال استقدام عدد كبير من عناصر الأمن، ليدخل كل منهم على انفراد ويمثل أمام القاضي خلف أبواب مغلقة، مُنع خلالها دخول محاميَي الدفاع اللذين استمعت إليهما المحكمة قبل ذلك.
ويمثّل الأسرى محمود عارضة ويعقوب قادري ومحمد عارضة، المحامي خالد محاجنة، فيما يمثّل الأسير زكريا زبيدي المحامي أفيغدور فيلدمان، الذي سبق أن رافع عنه بعد اعتقاله الأخير، ولم يصدر قرار محكمة بهذه القضية بعد.
"اعتداء مبرح"
وصباح الأحد 12 سبتمبر (أيلول) الحالي، نُقل الأسير زكريا زبيدي إلى مستشفى رمبام في حيفا لتلقي العلاج. وقال المحامي محاجنة في حديث خاص إن زبيدي ومحمد عارضة تعرّضا لاعتداء مبرح عند العثور عليهما، وفيما يعاني زبيدي من إصابات قاسية في عينه ووجهه، جُرح عارضة في جبينه، لكن الشاباك رفض نقلهما إلى المستشفى.
وبسبب منع الأسرى من لقاء محاميَي الدفاع، لم يتمكن محاجنة أو فيلدمان من معرفة الوضع الصحي لزبيدي الذي اضطر الشاباك لنقله إلى المستشفى. وقال المحامي محاجنة "قلقنا يتعاظم إذ ذهب الأربعة إلى وضع مجهول في غرف تحقيق الشاباك، ولا ندرك إذا ما نُقل الزبيدي إلى مستشفى رمبام للعلاج بسبب إصابة تلقّاها عند الاعتقال، أو أنه تعرض لاعتداء داخل غرف تحقيق الجهاز، ما أدى إلى تدهور وضعه ونقله إلى المستشفى".
ويضيف أنه والمحامي فيلدمان رفضا، في جلسة تمديد الاعتقال التي عُقدت مساء السبت، تمديد اعتقال الأسرى الأربعة وفق طلب الشاباك لمدة 13 يوماً. وبعد مناقشة، وافق القاضي على تقصير المدة لتسعة أيام. ويقول: "كنا نريد عدم إبقائهم ليوم واحد في غرف تحقيق الشاباك في معتقل الجلمة، ولا شك في أن تقصير أربعة أيام يخفف ولو القليل من معاناتهم، لأن أساليب تحقيق الجهاز معروفة بقسوتها وبشاعتها، فكيف الحال بعد عملية الهروب التي ضربت هيبة الأجهزة الأمنية في صميمها، ولذلك نتوقع أن يتعرض الأربعة لتعذيب سواء من خلال التحقيق المتواصل لمدة عشرين ساعة، كما هو أسلوب الشاباك، أو استخدام الشبح وعزلهم في غرف أكثر قساوة من وضعية وظروف الزنازين المعروفة، أو نقلهم إلى غرف العصافير في محاولة لسحب معلومات خاصة منهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلمنا أن أجهزة الأمن تُعدّ غرفاً خاصة لأسرى "نفق الحرية"، ومن المتوقع أن تقام في النقب في صحراء الجنوب خوفاً من محاولة هربهم مرة أخرى. وتطرق المحامي محاجنة إلى القلق الذي يساورهم حيال إبقائهم في العزل لمدة طويلة بعد انتهاء التحقيق، "فالقانون الإسرائيلي يتيح للشاباك العزل لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، لكن من المعروف أن الجهاز يتمتع بحرية مطلقة في التعامل مع الأسرى الأمنيين، ضارباً بعرض الحائط القوانين الإسرائيلية والدولة كافة، وعليه قد تطول فترة عزلهم".
وأشار إلى أن المحكمة الإسرائيلية متأثرة جداً من الأجواء التي تعيشها إسرائيل، أمنياً وشعبياً وسياسياً بعد هروب الأربعة ونجاح حفر النفق، "وهذا ما انعكس في تجاوب المحكمة لكل طلبات الشاباك، منها عدم لقائهم ومثولهم في المحكمة والاستماع للمحاميين، إلى جانب هذا فالوضعية التي ظهر فيها الأسرى في المحكمة من حيث تقييدهم والعدد الكبير من الحراس، تشير إلى "تأثر المحكمة بهذه الأجواء، ونخشى أن ينعكس ذلك على سير المحكمة".
الإصرار على لقائهم
بعد رفض الشاباك لقاء محاجنة وفيلدمان الأسرى الأربعة، تقدم المحاميان بطلب جديد للمحكمة لعقد جلسة للاستماع إليهما بكل ما يتعلق بحقهما في لقاء الأسرى، وستُعقد جلسة الاثنين لبتّ الموضوع.
وفي هذه الأثناء، سيبقى الأسرى في غرف تحقيق الشاباك إلى حين تقديم لوائح اتهام ضدهم.
ووفق التهم الموجهة إليهم، بحسب ما قال لنا المحامي محاجنة، فإن تهمة الهروب من السجن هي تهمة جنائية وليست أمنية، والحكم الأدنى لها خمسة أعوام، أما التهم الأمنية، فهي التآمر مع تنظيم مُعادٍ وتخطيط عملية الهرب من خلال التنسيق مع تنظيم معادٍ والعضوية في تنظيم معادٍ والتخطيط لتنفيذ عملية عسكرية.
الشرطة تعدل روايتها حول إلقاء القبض على الأسرى
تناقضت روايات الشرطة حول إلقاء القبض على الأسرى الأربعة، فبالنسبة إلى عارضة والقادري، أُعلن عن اعتقالهما عقب اتصال أجراه أحد سكان الناصرة حين وصل الاثنان إلى بيته يطلبان المساعدة والطعام. وتبين أنه متطوع في الشرطة، ويتعرض هذا الشخص لحملة تحريض وتهديد واسعة مع نشر صورته والدعوة إلى قتله.
أما بالنسبة إلى تفاصيل ضبط زبيدي والعارضة بعد سبع ساعات، ففي حين قيل بداية إن أحد سكان أم الغنم اتصل وأبلغ عنهما، أعلنت الشرطة في ما بعد أن عنصراً من شرطة السير شاهد الأسيرين في منطقة مرج بن عامر قرب العفولة. وبعد ذلك، تم الحصول على حقيبة فيها حاجات لهما بينها سجائر وعلب شراب، فقام قصاصو الأثر بتعقب خطواتهما إلى أن وصلوا إلى موقف شاحنات في بلدة أم الغنم حيث ألقوا القبض على زبيدي والعارضة.
كما تراجعت الأجهزة الأمنية عما نُشر من أن سيارة أو أكثر ساعدت الأسرى في التنقل وانتظرتهم لدى خروجهم من فتحة النفق، الذي قادهم إلى خارج السجن. وبحسب تقديرات الشرطة، توجه الأسرى إلى قرية قريبة من سجن جلبوع في منطقة برج ابن عامر بعد أن لاحظوا أنوار مآذن المساجد، وهناك قرروا الانفصال عن بعضهم البعض، وتوزعوا على ثلاث مجموعات.
انعكاس عملية النفق على جبهات عدة
الأجهزة الأمنية التي لا تزال تبحث عن الأسيرين اللذين لم يتم التوصل إلى طرف خيط حول وجودهما، علماً أن تقديرات إسرائيلية ترجح أن يكون أحدهما وصل إلى الضفة، تبحث في سبل التعامل مع الوضع، خصوصاً بعد استمرار إطلاق الصواريخ من غزة.
واعتبر رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي أن عملية النفق ستؤثر في الوضع الأمني على جبهات عدة. "هذا حدث له تأثيرات في المنطقة وارتدادات على جبهات إضافية، نحن جاهزون لكل السيناريوهات، وسنواصل الجهود حتى القبض على كل إرهابي فار"، وفق تعبيره.
أما رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، فدعا إلى الحفاظ على درجة عالية من الاستنفار إلى حين إلقاء القبض على جميع الأسرى.
صعوبة التحكم بأسرى "الجهاد الإسلامي"
من جهتها، حمّلت الأجهزة الأمنية عدداً من أسرى "الجهاد الإسلامي" مسؤولية هروب هؤلاء الستة، إذ شارك عدد كبير منهم عام 2014 في التخطيط لعملية هروب فشلت قبل تنفيذها. ويشكل أسرى "الجهاد الإسلامي" ثمانية في المئة من مجمل الأسرى الفلسطينيين (400 أسير).
ووصفهم مسؤول أمني إسرائيلي بالأكثر خطورة وتطرفاً بين الأسرى، قائلاً: "لديهم جرأة هستيرية، ولاحظنا هذا من خلال محاولات عدة لهم لإدخال هواتف إلى داخل السجن، فحاول أحدهم إدخال 60 هاتفاً بالتنسيق مع نشطاء من الخارج عبر طائرة مسيّرة".