بين التمثيل على الخشبة وأمام الكاميرا السينمائية والتلفزيونية والتعليم الجامعي وإدارتها لمهرجان "ربيع بيروت" الذي تنظمه مؤسسة سمير قصير، تجد الفنانة رندة أسمر نفسها مكتفية مادياً ومعنوياً، وأنها ليست مجبرة على الوجود تلفزيونياً خصوصاً في ظل انعدام الفرص والأدوار المهمة التي تتناسب مع مكانتها الفنية.
لمع اسمها في المسرح ولعبت أهم الأدوار مع كبار مخرجي المسرح أمثال ريمون جبارة وجواد الأسدي وشكيب خوري ومنير أبو دبس وغيرهم. شاركت في عروض مسرحية في دول عربية وأوروبية وتم تكريمها في بعض المهرجانات، من بينها "هيئة المسرح العربي" في الشارقة عام 2012 بمناسبة يوم المرأة العالمي. وعلى الرغم من مشاركتها في أدوار أساسية في التلفزيون والسينما، فهي منكفئة عنهما، وكان آخر أفلامها "طيارة من ورق" عام 2009 مع المخرجة الراحلة رندة الشهال، وآخر مسلسلاتها "الشقيقتان" عام 2016.
أدوار البطولة
بداية تتحدث أسمر عما إذا كان عملها تحت إدارة كبار المخرجين، على الرغم من أهميته، شكل عائقاً أمامها في مرحلة لاحقة وجعلها متطلبة أكثر فنياً، تقول: "تعاملي مع هذه الأسماء لم يكن له أي انعكاسات سلبية، بل أنا كنت محظوظة أكثر من غيري الذين لم تتح أمامهم الفرصة للعمل مع تلك الأسماء. منذ صغري اختارني هؤلاء الكبار للعمل معهم، وأسندوا إلي أدوار البطولة وقدمنا أعمالاً راقية وناجحة وشاركنا في مهرجانات دولية، وحصدنا الجوائز. في الأساس كان يهمني أن أشتغل في مستوى معين، ولم يجبرني المال على القبول بأي دور. وأنا أشفق على الجيل الجديد من الفنانين، لأن هناك فئة منهم تريد المستوى الفني العالي، لكنّ القطاعين المسرحي والتلفزيوني لا يوفران لهم احتياجاتهم. كمسيرة وكاسم محترم في العالم العربي في مجال المسرح أنا راضية جداً، ولم أشكُ يوماً، لأنني لم أعتمد على المهنة، بل كان إلى جانب عملي في التمثيل، مهنة أخرى أعتاش منها، فأنا أدرّس في الجامعة وأشغل حالياً منصب مديرة مهرجان ربيع بيروت في مؤسسة سمير قصير، وقبلها كنت مديرة تنفيذية في مسرح المدينة. أنا لم أكتف بأن أكون ممثلة، كي لا أشكو دائماً، بل فضلت أن أعيش بكرامة وأن أقوم بالأعمال التي أقتنع بها".
وعن سبب ابتعادها عن الدراما التلفزيونية، توضح: "أنا أطلب النص أولاً لأنه الأساس، من بعده يهمني المخرج ومن ثم الممثلون المشاركون في العمل. وإذا توفرت هذه العوامل مع الإنتاج الجيد، لا يمكن أن أرفض العمل. الدراما تمر بظروف صعبة والتصوير يحتاج إلى كثير من الوقت والطاقة، وتصح عليه مقولة: اترك كل شيء واتبعني. في "الشقيقتان" شاركت بدور صغير جداً، كي لا يُقال أنني متطلبة، لكن التجربة كانت صعبة، حيث تمّ التصوير في بيوت الناس وفي مناطق نائية جداً. وفي هذه المرحلة من عمري ومن بعد خبرتي وتجربتي، لا يمكنني أن أصرف طاقة على عمل لا يؤمن لي على الأقل مدخولاً معنوياً".
تقارن أسمر بين تجربتها وتجارب ممثلين يشبهونها بالقيمة والخبرة لكنهم رضخوا لمتطلبات الدراما التلفزيونية، تقول: "هم اليوم في مرحلة من حياتهم يستطيعون فيها التفرغ للدراما التلفزيونية. هم يتصلون بالممثل قبل يوم واحد من أجل التصوير، وهذا يعني أنه يجب أن يتجرّد من كل شيء وأن ينتظر الأوردر، وأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك، بسبب انشغالي بالتعليم في الجامعة وعملي في مؤسسة سمير قصير وارتباطاتي العائلية. ولا يمكنني أن أنتظر اتصالاً كي أهرع إلى التصوير، خصوصاً وأنني أعتمد النظام والتخطيط ولا أحب العشوائية. إلى ذلك لا يوجد دور مغر يستحق التضحية ويمكن أن يترك بصمة، وآخر دور لعبته وكان مغرياً فعلاً هو شخصية كريمة في مسلسل "ياسمينا". حتى الكُتاب يقولون لي عندما ألتقي بهم (لا يوجد لدينا دور يستحق قيمتك)، وهذا يعني أنهم لا يرشحونني لدور يعتبرون أن قيمتي أكبر منه. أما أصدقائي في المهنة فيقولون لي "نحن نقبل بأي دور لأننا مجبرون على العمل من أجل المال". وأنا أشعر أنني محظوظة، مع أنني تعبت على نفسي من ناحية أخرى لكوني اشتغلت في مهنة أخرى، وهذا الأمر يمكنني من رفض الأدوار التي لا تعجبني".
صحن من فضة
وعما إذا كانت تشعر بوجود هوة بين جيلها الفني والجيل الفني الجديد الذي لم تتوفر له فرص جيلها، تجيب: "لم تسمح لهم أوضاع لبنان بظروف مشابهة لظروفنا، عدا عن أن جيلنا اشتغل في المسرح والتلفزيون خلال الحرب وعرف قيمة العمل والتعب. نحن لم تصلنا الأدوار على صحن من فضة ولم نصبح فجأة نجوماً ونلعب أدوار البطولة. حالياً هم يعيشون مرحلة كيفية تعلم من يعمل في المهنة وكيفية تأمين أنفسهم، ونحن سبقناهم إلى ذلك، لذا نحن أكثر قدرة منهم على التحمل نتيجة خبرتنا في العذاب. إلى ذلك، نحن لم يكن وسيلة للوصول إلى الثقافة، لكننا اشتغلنا على أنفسنا. مثلاً، أنا لم أكن أفوّت مناسبة في المركز الثقافي الفرنسي، رغم الحرب، لكي أواكب الجديد. هذا الجيل "معتّر"، يتعلم قليلاً من نتفليكس، والبهرجة والأسماء الكبيرة لن تستمر لأنها مجرد موجات، ولم يعد هناك أسماء بقيمة أنطوان كرباج وإيلي صنيفر أو غيرهما ممن تركوا بصمة في الدراما اللبنانية. الكل صاروا أبطالاً وضيوف شرف وأصحاب إطلالات خاصة وكلهم متشابهون. وأنا أجنّ عندما أشاهد جنريك المسلسلات، حتى سلم القيم اختلف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورداً على سؤال حول ما إذا كان زملاؤها المسرحيون الذين اتجهوا نحو التلفزيون خانوا المسرح؟ ترد أسمر "بل أنا أفرح لمشاركتهم في الدراما لكونهم يمنحونها ثقلاً. العام الماضي، شاهدنا نقولا دانيال وجوليا قصار وعايدة صبرا في عمل لكارين رزق الله، وهم بوجودهم رفعوا قيمته، بينما الاستعانة بغيرهم كمن يُسمع درسه أمام الكاميرا. بفضل تلك الأسماء يتعرف الناس على نوع آخر من التمثيل، لأن كثيرين لا يعرفوننا بل يكتفون بمشاهدة بعض المسرحيات الكوميدية. قبل أن أولد وحتى اليوم، جمهور المسرح قليل جداً، لأنه لا يوجد لدى الناس فضول لمعرفة ما لا يعرفونه، بل يفرحون ويتابعون ما يعرفونه، ولا يهمهم معرفة ماذا يحصل في العالم، إلى أين يمكن أن يذهب العقل بالتفكير، الحياة، الموت، الحب، الفقر... المجتمع متعب جداً والمسرح يرجعه إلى ذاته ويواسيه، وآخر مسرحياتي "لعل وعسى" التي قدمتها مع حنان الحاج علي للمخرجة كريستيل خضر، وهنا أريد أن أؤكد مجدداً أنني لست فنانة متطلبة ولا أرفض العمل مع شخص لديه القدرة، حققت نجاحاً باهراً، ونحن سوف نقوم بجولة لعرضها في عدد من المدن الفرنسية".
وأشارت أسمر إلى أنها كونت ثنائياً ناجحاً جداً مع الممثلة حنان الحاج علي مع أنهما مختلفتان تماماً، موضحة: "كل واحدة منا عاشت خلال الحرب في ناحية مختلفة من المدينة، كما أن تجربتينا مختلفتان. فهي عاشت تجربة الحكواتي وأنا عشت تجارب مختلفة مع شكيب خوري وريمون جبارة ومنير بو دبس، كما أن كل واحدة منا جاءت من خلفية مختلفة، وما يجمع بيننا هو البلد ووجعه وخيبات أمله. والمسرحية تنتهي ببارقة أمل بأننا مستمرون طالما نحن على قيد الحياة".
لا أقاطع
في المقابل، تنفي أسمر مقاطعتها للسينما، وتقول: "أنا لا أقاطع بل أدرس العروض ثم أقرر. لكن أين هي الأفلام التي أنتجت منذ فيلم "طيارة من ورق" وحتى اليوم". ولأن هناك أفلاماً لبنانية تفوز بجوائز عالمية، تعلق "هذا الأمر يحصل حالياً ولكن في فترة "طيارة من ورق" كان يُنتج فيلم واحد أو فيلمان أو ثلاثة أفلام سنوياً. وهذا العدد يقلل الفرص أمام الممثل للمشاركة فيها، خصوصاً أنهم ينصحون المخرجين الذين يعيشون في الخارج باسم معين، فيتعاملون معه في كل أفلامهم. في السينما، تتكرر الوجوه نفسها تماماً كما يحصل في المسلسلات، فهم يعتبرون "أن الطبخة جاهزة" وينأون بأنفسهم عن البحث عن وجوه جديدة. وعدم إدخال عناصر جديدة تضيف نكهة مختلفة إلى الدراما يحول دون تطورها، وعندها يتحول الفن إلى معمل ولا يعود هناك خلق وإبداع".