Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن الانسحاب الأميركي وتبدد أثر الجيش الأفغاني

تمدد طالبان السريع والهيمنة على كابول لم تواجهه مقاومة تذكر مع انفراط عقد القوات الأفغانية شأن القوات العراقية في الموصل

تظاهرة في واشنطن تنادي بعدم ترك الأفغان لمصيرهم (غيتي)

يعيد تلاشي الجيش الأفغاني وانفراط عقده بين ليلة وضحاها إلى الأذهان تبدد القوات العسكرية العراقية في يونيو (حزيران) 2014 مع سقوط الموصل وإعلان خلافة "داعش". وحينها، سمى العراقيون القوات العراقية التي "اختفت" ولم يكن لها دور في الذود عن الموصل "قوات فضائية"، وهي قوات تتقاضى رواتبها ولكنها كانت أثراً بعد عين. والجيشان الأفغاني اليوم، والعراقي بالموصل في الأمس من ثمار "الحرب على الإرهاب" الأميركية التي شنها الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش. وسبق أن غنم تنظيم "داعش" ترسانة الجيش العراقي الأميركية في الموصل.

ولكن هل اختبر الأفغان أمراً مماثلاً وتبددت "دولتهم" في غفلة منهم على الرغم من وجودها على الورق وبلوغ عديد الجيش 350 ألف جندي؟

يبدو أن السلطات الأفغانية لجأت إلى إنشاء "فرق شبحية" (وهمية) لـ"نفخ" (زيادة) عدد قواتها من أجل زيادة الفاتورة الملقاة على عاتق الولايات المتحدة والنفخ في الفساد المستشري، على نحو ما نقلت "لوموند" الفرنسية عن مصدر عسكري أميركي رفيع. وعدد هذه الكتائب الشبحية يبلغ 46 كتيبة في كل منها 800 جندي، بحسب قول دبلوماسي غربي للصحيفة نفسها.

أما ياروسلاف تروفيموف في "وول ستريت جورنال" فتقصى المسألة، وأبرز ما خلص إليه هو أن القوات الأفغانية كانت على صورة القوات الأميركية وكانت تحاكي آلية العمل الأميركية. فالجيش الأميركي، الأكثر تطوراً في العالم، يعتمد على الجمع بين العمليات البرية وسلاح الجو. فالقوات الجوية توفر الدعم والموارد في أرض المعركة، وتقصف الأهداف، وتنقل الجرحى، وتجمع المعلومات الاستخباراتية.
وإثر قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، الانسحاب من أفغانستان توقفت بلاده عن تقديم الدعم الجوي والاستخباري وعن صيانة الطائرات الأفغانية والمروحيات. فأصيبت القوات الأفغانية بالشلل كما حصل مع جيش جنوب فيتنام في السبعينيات، وفق ما لاحظ جنرالات أميركيون متقاعدون. وحين يُشيد جيش على هذا المنوال لا تقوم له قائمة في معزل عن الدعم الجوي الأميركي اليومي.
فسلاح الجوي الأفغاني يفتقر إلى عدد كاف من الطيارين وإلى الصيانة. ومخزونه من "القنابل الذكية" نفد في منتصف يوليو (تموز) المنصرم. ولم يتسن لاتفاقات الحكومة مع شركات عسكرية الوقت لتزويدها بمروحيات نقل الجنود.
وإلى غياب الدعم الجوي العسكري، وجد جنود أفغان أنفسهم يحاربون من دون إمدادات الغذاء والمياه والسلاح في شمال قندوز مثلاً بعد أن تقطعت "أوصال" القوات الأفغانية وانفراط عقد حلقات التنسيق بين الفرق والتكامل والدعم البري. ومع سقوط المحافظات الواحدة تلو الأخرى خلال حملة "طالبان" الصيفية في غياب دعم الحكومة المركزية، لم يجد الجنود ما يحاربون من أجله فألقوا السلاح لينجوا. وفي بعض المناطق، أدى شيوخ القبائل دوراً في الوساطة بينهم وبين مقاتلي "طالبان". فالحركة عفت عمن يلقي السلاح ودفعت في المقابل بعض "الرواتب" في وقت كان كثيرون من الجنود لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور، وفق ما نقل تقرير نشرته "وول ستريت جورنال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى الأخطاء الأميركية، يتحمل المسؤولون الأفغان وزر الكارثة كذلك. فهم قدموا مصالحهم الشخصية وبناء شبكات زبائنية على تشييد جيش وطني مخافة انقلابه عليهم إذا اشتد عوده. ودرج أشرف غني، الرئيس الأفغاني، على إقالة قائد الجيش كل بضعة أشهر. وشأن غيره من المسؤولين الأفغان، لم يصدقوا أن أميركا ستشد الرحال وتمضي وحسِبوا أن واشنطن في عهد بايدن ستعود عما قُرر في إدارة ترمب.

ويرى أندرو واتكينز، محلل بارز متخصص في الشؤون الأفغانية بمنظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، أن اتفاق الدوحة قدم لحركة "طالبان" فرصة دامت عاماً لرص الصفوف والتجمع والتخطيط وتعزيز خطوط إمدادهم وحرية التنقل من دون الخوف من استهداف القصف الأميركي لها.

ولعل سابقة "تبخر" الجيش العراقي في الموصل كما سابقة تبدد الجيش الأفغاني، تعودان في جزء منهما إلى سوء الإعداد الأميركي والتخطيط قبل الحرب وخلالها وتحديداً في الإعداد لما بعد الانسحاب. فلماذا تترك ترسانة ضخمة من العتاد المتطور والقواعد العسكرية في أيدي "طالبان". وهو سؤال يصح كذلك في تسليم الجيش العراقي ترسانته لـ"داعش" في يونيو (حزيران) 2014.

 ولكن هل ثمة أوجه شبه بين أخطاء الجيش الأميركي وخطأ الجيش العراقي في عهد نوري المالكي والجيش الأفغاني في عهد أشرف غني؟ الأرجح لا، ولكن ما يستوقف المرء هو اللامبالاة المشتركة، الأولى (أميركا) على مستوى جامع وعام، أي خير البشرية، في وقت تضع الثانية نصب عينيها جيوب شبكة الزبائنية الخاصة بكل منها.
وربما اليوم، من المفيد التساؤل عن أشكال الانسحاب العادل أو "الجيد"، على نحو ما يقال حرب عادلة، وعن السبيل إلى الموازنة بين المصالح الانتخابية الأميركية الضيقة ومصالح القوة الأميركية الرائدة، أي القوة المسماة "شرطي العالم"؟ وثمة أسئلة من قبيل هل كان لا مفر من تسليم البلاد إلى "طالبان"، هل هي أهون الشرور مقارنة بـ"داعش" خراسان؟ هل يأتي يوم يقول قائد سابق للقوات الأميركية في أفغانستان إن الجيش الأفغاني "سرح نفسه"، وفق ما قال الحاكم الأميركي المدني للعراق، بول بريمر، في "جيش صدام"، إثر صدور تقرير شيكلوت البريطاني في 2016؟

المزيد من تحلیل