Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البريطانية كاي تيمبست في رحلة الهروب من الجسد

شاعرة وروائية ومغنية راب عرفت شهرة عالمية وأصغر الفائزين بجائزة تيد هيوز

الشاعرة والروائية البريطانية كاي تيمبست (غيتي)

تروج أعمال الشاعرة والروائية ومغنية الراب البريطانية كيت تيمبست أوروبيا وعالميا، مع أنها السادسة والثلاثين من عمرها، وبات اسمها معروفاً في أوساط الشباب من مغنين وروائيين وشعراء، وكتبها الشعرية والروائية تترجم إلى الفرنسية والإيطالية وسواهما وتلقى ترحاباً لدى القراء.

"نحن الكائنات ذاتها التي بدأت الحياة، وما زلنا/ بكل ما فينا من ضراوة وقذارة وخلاف،/ كل يومٍ، في أسفار وأحلام وقرارات جديدة/ ثمة قصص هناك إن أصغيت لها". ومنها قصة كاتبة هذه السطور؛ مغنية الراب المتميزة والروائية والشاعرة البريطانية كيت تيمبست، أو حسب آخر تصريح لها، كاي تيمبست.

ولدت تيمبست في ديسمبر (كانون الأول) عام 1985، وعاشت في بروكلي، جنوب شرق لندن. قدمت أول عروضها الأدائية في السادسة عشرة، متجولة مع فرقتها في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة. وعلى مدى مسيرتها كمغنية ومؤدية وملحنة، حظيت بجمهور عريض ومتنوع، بدءاً من المراهقين إلى كبار السن، ومن النخبة المحافظة إلى محبي التجريب، بسبب حسها الموسيقي الذي يمزج بين عوالم الراب والشعر الغنائي التقليدي.

درست تيمبست الأدب الإنجليزي في غولدسميث، جامعة لندن. وفي عام 2012 صدرت أولى مجموعاتها الشعرية "كل شيء يتحدث بطريقته الخاصة" Everything Speaks in its Own Way، وفيها تحدثت تيمبست أيضاً بطريقتها الخاصة وأسلوبها الذي هو مزيج من التلاعب بالكلمات الكلاسيكية ولغة الشارع الفجة، فأحدثت ما سماه النقاد "عاصفة" في المشهد الشعري.

في عام 2013 فازت بجائزة تيد هيوز عن ديوانها "سمة القدامى الجدد" Brand New Ancients، لتصبح أصغر شاعرة تفوز بالجائزة. واقتحمت عالم الرواية بروايتها "الطوب الذي شيد البيوت"The Bricks That Built the Houses، التي تصدرت قائمة الأكثر مبيعاً لعام 2017، وفازت بجائزة مهمة. كما رُشحت قصيدتها الطويلة "دعهم يلتهمون الفوضى" لجوائز بارزة.

فضلاً... امسك نفسك

بعد صدور ألبومها "يسقط الجميع" Everybody Down، ازدادت جولات تيمبست الموسيقية، وعزفت مع فرقتها، في كثير من المهرجانات، وفي العام نفسه، نشرت مجموعتها الشعرية "امسك نفسك" Hold Your Own؛ وهي عبارة عن مجموعة مثيرة من القصائد تستلهم شخصية تيريسياس في الأسطورة اليونانية، رمز التحول بين الجنسين، التي قاربت تيمبست هذه الشخصية مع جوانب من حياتها الخاصة وبعض التعليقات الاجتماعية. لعلها وجدت في قصة المستبصر الأعمى الذي عاش كرجل وامرأة، ضالتها المنشودة لفحص الطفولة والرجولة والأنوثة والتقدم في السن. حققت المجموعة نجاحاً غير مسبوق في مبيع الشعر، فأطلق عليها لقب "شاعرة الجيل المقبل".

"قلبي يرمي برأسه قبالة ضلوعى/ يخدش كل عظمة تضخ شيئاً عرفته/ مذ أن وصلت وأحسست به ينبض/ ذات صباحٍ يتجول في الغابة/ شاب يزعج زوجاً من الثعابين/ فتعاقبه الإلهة هيرا، وتحوله إلى امرأة". هكذا تستهل ديوانها "امسك نفسك"، مقدمة سلسلة مثيرة من التناقضات؛ الشباب والخبرة، الغنى والفقر، الجنس والحب، والشخصيات القديمة برؤية معاصرة تماماً. وتقول: "الأولاد لديهم كرة ومنحدرات للتزلج/ بوسعهم ركوب الدراجات/ لعب كرة السلة في الساحات حتى منتصف الليل/ الفتيات لديهن الخجل/ آخرون، ينزلقون معك تحت الأغطية...".

أن تكون أنت

في 6 أغسطس (آب) 2020 أثارت الشاعرة الذائعة الصيت لغطاً كبيراً، ما زالت أصداؤه تتردد حتى الآن في الصحف العالمية، بإعلانها عبر حسابها الشخصي على "إنستغرام" أنها ليست مزدوجة الجنس وكذلك تغيير اسمها إلى كاي تيمبست، على الرغم من تبديلها ضمير الغائبة المؤنثة "هي" إلى "هما". الضمير نفسه الذي تعودت الكاتبة الهولندية ماريكه لوكاس رينيفيلد، الكتابة والتحدث به، كعلامة على هويتها المضطربة "ظللت أعاني طويلاً بغية تقبل نفسي كما أنا عليه. لقد حاولت أن أكون ما يريدني الآخرون أن أكونه حتى لا أخاطر بالرفض. أدى هذا الاختباء عن نفسي إلى جميع أنواع الصعوبات في حياتي. وهذه هي الخطوة الأولى نحو معرفة نفسي بشكل أفضل واحترامها. لقد أحببت كيت. لكنني أبدأ عملية وآمل أن تتفق معي... كاي كلمة إنجليزية قديمة تعني طائر أبو زُريق. ترتبط طيور أبو زريق بالتواصل والفضول والتكيف مع المواقف الجديدة والشجاعة وهو عنوان اللعبة الراهنة. يمكن أن يعني أيضاً الغراب وهو الطائر الذي يرمز إلى الموت والبعث. قال أوفيد إن الغراب هو ما جلب المطر. الذي أحبه. كما أن لها جذوراً في الكلمة اللاتينية التي تعني ابتهج، كن سعيداً واستمتع. وآمل أن أعيش أكثر بهذه الطريقة كل يوم... إنه وقت الحساب العظيم. على المستوى الشخصي والمحلي والعالمي. بالنسبة إليَّ، لم يعد السؤال هو: متى سيتغير هذا؟ ولكن، إلى أي مدى أنا على استعداد لتلبية التغييرات وتحقيقها في نفسي؟ أريد أن أعيش بنزاهة. وهذه خطوة نحو ذلك. محبتي الدائمة للجميع".

وعلى الرغم من أنها لم تبلغ الأربعين بعد، فقد تنوع نتاجها تنوعاً وافراً؛ ستة دواوين شعرية، ثلاث مسرحيات، أربعة ألبومات، ورواية. وبالرجوع إليها عقب تصريحها، يتضح كيف حمّلت كل كلمة من كلماتها بمشاعرها المتضاربة في بحثها الأبدي عن الذات، تمزقها بين الثقة والكراهية لهذا الجسد، الوحدة المؤلمة وصخب الحب، الطموح والاشمئزاز من زيف الشهرة.

الإبداع هو ما أنقذنا

كان أول عمل لتيمبست بعد الإعلان عن هويتها هو كتابها السردي "على تواصل" On Connection؛ عبارة عن تأمل في الإبداع والتواصل، يستكشف كيف ينجح الاستغراق في الإبداع في أن يقربنا بعضنا من بعض، لا سيما في فترة العزلة المفروضة على العالم بسبب "كوفيد-19". يستكشف الكتاب أيضاً "العلاقة الغريبة والعاطفية" التي تربط تيمبست -بإبداعهما- منذ سن الثانية عشرة، "لمن يعانون من مشاكل عقلية وإدمان المخدرات والكحول للتعامل مع أدمغتهم الصلبة، ومشاكلهم في البيت، وخللهم الجنسي". خبرت تيمبست في سن المراهقة معاناة لا قبل لهما بها "كانا مراهقين هاربين، تركا المدرسة وتعاطيا المخدرات"، ينامان في باحات الكنيسة مع صديق مدمن الهيروين، يسمحان لنفسيهما بركوب سيارة مع شخص غريب عمره 50 سنة اشترى لهما بيرة وسجائر لأنهما تركاه يلمسهما... لكن الإبداع أنقذنا".

كان الهدف الرئيس في حياة تلك المراهقة هو جمع ما يكفي من المال لممارسة الحب، "كنت في معاناة رهيبة. بطريقة ما، وصلني الإبداع عبر ضباب لم يستطع شيئاً آخر أن يخترقه، كان بمثابة تحول. وقعت في حب الموسيقى بشدة وأحسست بالسعادة. لقد اختبرت الإبداع كذاتي الأكبر سناً، أو أناي العليا: صوت أتى في رأسي حرفيًا وأخبرني بما يجب أن أفعله".

طرق للهروب من الجسد

يكشف الكتاب أيضاً عن الجانب المظلم من شهرة تيمبست "أثناء ركضي من حفلة إلى حفلة؛ أربع ليالٍ في الأسبوع، تكونت درنات على أحبالي الصوتية"، وهو ما منعها من التحدث أو الأداء حتى تخضع لعملية جراحية "لم يكن صوتي مصدر رزقي فحسب، بل كان أيضاً طريقة لتأكيد حضوري. تصريحي للمرور إلى الواقع. الشيء الوحيد كما رأيته في ذلك الوقت، الذي جعلني أعيش في الأماكن العامة، مع الأخذ في الاعتبار كل الأشياء التي كنت عليها، مثلية، سمينة، غير أنثى، غير ذكر، قلقة، مملوءة بالخزي المزعج والشعور بعدم الراحة... لقد منحني صوتي وشعري طرقاً للهروب من جسدي، ومن الطريقة التي جعلتني أعيش بها في ذلك الجسد وأتصرف وأشعر. كان صوتي تذكرتي للوجود. وقد فقدتها".

استمرت الجراحة، ليتبعها ثلاثة أسابيع كاملة من الراحة الكاملة. "لقد تم اختزالي إلى كل ما هو جسدي. بعد عمر من محاولاتي الدائبة الهروب من جسدي، ومحاولة أن أكون أكثر من مجرد جسد، ومحاولة تحريره والحاجة إلى التحدث عن طريق آمن للخروج منه، لأنه كان الجسد الخطأ، ولا يبدو مثل أجساد الآخرين، لقد كنت آنذاك بكامل جسمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من خلال كتابهما الأخير، تعلن تيمبست أملها في الاستفادة من إبداعها في سد "الأخاديد التي انفتحت بيننا". إنه موجه لأولئك "الذين يدركون أنه لا يوجد شيء يمكن كسبه حتى من محاولة التكيف، وفي النهاية عليهم فقط إيجاد طريقهم الخاص". ولكنه أيضاً موجه إلى "أولئك المتوافقين على الدوام. لأولئك الذين لا يهتمون بأي شيء... للأشخاص الذين يشاركونني معتقداتي، وهؤلاء الذين يجدونها سخيفة. إنه للجميع من دون أي اعتبارات تذكر".

ما زلنا أسطوريين... فادعونا بأسمائنا

في أول الزمان، تصنف الأسطورة البشر إلى ثلاثة أجناس، وليس اثنين كما عهدنا؛ ذكر وأنثى. ثمة جنس ثالث مركب من كليهما، ولا دلالة عليه غير اسمه؛ الخنثى! تعزو الأسطورة السبب في ذلك إلى اختلاف مصدر كل جنس منهم؛ فالذَّكر جاء من الشمس، بينما انبثقت الأنثى من الأرض، أما الخنثى فكان مصدرها القمر، لأنه يشارك الأرض والشمس طبيعتهما. نستطيع بسهولة أن نجد أصداء ذلك في كلمات تيمبست الضاجة بالحياة، التي تجبرك على قراءتها بصوت مرتفع، كلما تناهى إليك إيقاعها شديد الخصوصية، لينقلك من سطر لغيره:

ما زلنا أبرياء وهو ما يجعلنا غاية في التوحش/ مع ذلك، لم نزل نخوض معاركنا/ لم نزل أسطوريين، فادعونا بأسمائنا/ لأنهم حين ينقبون عن حفريات حديثة/ سيجدوننا؛ نحن القدامى الجدد".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة