Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقد على أعمال الشغب في لندن وجونسون لم يتعلم شيئا منها

أذكر بوضوح أحداث الشغب في عام 2011. اندلعت على مرمى حجر من هاكني، المنطقة التي أعيش فيها وأمثلها في مجلس العموم. رأيت في ذلك المساء ألسنة النار التي أُضرمت عن قصد تتصاعد من توتنهام في السماء

 رأيت في ذلك المساء ألسنة النار التي أُضرمت عن قصد تتصاعد من توتنهام في السماء (رويترز)

مرت حوالى عشر سنوات على أعمال الشغب في لندن، التي اندلعت في توتنهام قبل أن تسري عدواها في أنحاء البلاد، وذلك بسبب إطلاق الشرطة النار على مارك دوغان. لكن يبدو أن رئيس وزرائنا بوريس جونسون لم يتعلم شيئاً من تلك الوقائع، وهذا يكاد لا يثير أي قدر من الدهشة، لا سيما أنه كان عمدة لندن في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة انطلاق أعمال الشغب. 

أذكر بوضوح أحداث الشغب تلك. اندلعت على مرمى حجر من هاكني، المنطقة التي أعيش فيها وأمثلها في مجلس العموم. رأيت في ذلك المساء ألسنة النار التي أُضرمت عن قصد تتصاعد من توتنهام في السماء. اقتربت في لحظة ما قدر ما استطعت أن أجازف بالاقتراب بشكل آمن من مواقع الاضطرابات، برفقة مجموعة صغيرة من الأصدقاء، من أجل أن أرى بنفسي ما كان يجري.

اكتفى السياسيون اليمينيون وأولئك الذين لم يكن لهم علاقة بالمناطق الداخلية الفقيرة التي كانت ترزح تحت وطأة اضطرابات تكاد لا تنتهي، حينذاك برفض تلك الأحداث على أنها مجرد سلوك خارج عن القانون بشكل تام. واقترح البعض إخمادها عن طريق إغراق المشاركين فيها بواسطة خراطيم المياه.

وعبّرت تيريزا ماي، التي كانت حينذاك وزيرة للداخلية، عن هذا الموقف الذي كان يروق جداً لناخبي المحافظين كما بدا بوضوح، فقالت "أعتقد أن هذا كان إجرام صِرف". واعتبرت أن "هذا هو ما رأيناه في الشوارع. العنف الذي رأيناه، والنهب الذي رأيناه، والعربدة التي رأيناها، هذا إجرام صِرف ودعونا نكون صريحين بشأن ذلك من دون لف أو دوران". 

يتمتع هذا الرأي بقدر من الجاذبية في أوساط السياسيين المحافظين وبعض الناخبين. لكن، على الرغم من ذلك، من الواضح أن ثمة أسباباً أخرى لأعمال الشغب تلك غير الإجرام. يبدو من السهل للوهلة الأولى تحميل مسؤولية الحرائق المتعمدة والنهب وتدمير عربات الشرطة، لأنشطة غوغاء عديمي الوعي. إلا أن نظرة متأنية من شأنها أن تكشف عن قضايا أخرى كامنة وراء هذا الشغب الذي اندلع فجأة في كل المناطق الداخلية في طول البلاد وعرضها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما جرى، كان قبل شيء، من نتائج خفض الإنفاق من قبل الحكومة في سياق سياسة التقشف التي طبقتها. وتعرض عديد من السلطات المحلية في توتنهام نفسها إلى خفض في مخصصاتها، الأمر الذي أدى إلى إغلاق مالا يقل عن 8 من أصل 14 نادياً شبابياً. وتم تقليص ميزانية الشرطة بشكل كبير في لندن ككل. وتكررت القصة المؤلمة نفسها في باقي أجزاء البلاد. 

وكانت البطالة، كما هي الآن، مسألة خطيرة. وسجلت توتنهام، على سبيل المثال، أعلى نسبة بطالة في لندن، فقد بقي ما يزيد على 10 آلاف شخص من سكانها من دون عمل، في الوقت الذي كانت هناك 367 وظيفة شاغرة في حاجة إلى من يشغلها. يجب ألا يشعر أحد بالدهشة إذاً من نزول الناس الذي فقدوا الأمل إلى الشوارع.

ووجه إلغاء منحة التعليم للطلاب ضربة قاصمة إلى طموحات الشباب في أنحاء البلاد. وبدت الحكومة وكأنها لا تبالي بما إذا كان الفرد ينال قسطاً من التعليم أم لا.

وإلى جانب هذه المتاعب الاقتصادية والاجتماعية، كانت هناك توترات بين المجتمع، لا سيما الشباب فيه، من جهة، وبين الشرطة، من جهة أخرى. واتخذت أعمال الشغب شكل الاحتجاجات المناهضة للشرطة، ليس في توتنهام فحسب، بل في أنحاء البلاد كلها. وأتذكر أنني تحدثت مع بعض الشباب في هاكني في أعقاب أحداث الشغب، لسؤالهم عن السبب الكامن خلف تلك الاضطرابات، فقالوا "إنها الشرطة". وأضافوا "إن السبب هو الطريقة التي يتحدثون بها معنا". تنطوي هذه العبارات القصيرة على عالم من الغضب والاستياء.

لكن يتصرف بوريس جونسون، وكأن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث على الإطلاق. هكذا لم يجرِ التعويض عن خفض الإنفاق العام الذي تم قبل عقد من الزمن، حتى الآن. ويبدو أن بناء علاقات أفضل بين الشرطة والمجتمع هي أبعد ما يكون عن أهداف جونسون الذي يريد أن يجعل وقف الناس وتفتيشهم أكثر سهولة بالنسبة إلى عناصر الشرطة الذين يقومون بهذه المهمة. ويزعم أن الغاية من ذلك هي المساعدة على مكافحة جرائم السكاكين. لكن خلافاً لذلك، فإن الشيء الوحيد الذي عثر عليه أفراد الشرطة بفضل طريقة الوقف والتفتيش، هو كمية ضئيلة من الحشيش للاستخدام الشخصي.

ويعد إجراء الوقف والتفتيش نوعاً من الأعمال التي تسمح بتقييم مهمة حفظ الأمن، وتقوم الشرطة بهذا الإجراء كي تشعر بالسيطرة وتطمئن الجمهور بأن الحكومة "تبطش" بالناس. وليس هناك ما يثير مزيداً من العداء بين الشرطة والمجتمع أكثر من إخضاع البعض للوقف والتفتيش من دون أدلة تبرر هذه المعاملة.

لو أن جونسون قد تعلم فقط الدروس الحقيقية لأحداث الشغب في عام 2011، لكان من جهة قد أدرك أن خفض المزايا والعلاوات الاجتماعية سيفتحان الباب حتماً على انفجار آخر كالذي رأيناه في عام 2011. ولكان علم، من جهة ثانية،  أن كل ما في العالم من هراوات وخراطيم المياه لا تستطيع مهما استُعملت  أن تحمي المجتمع بشكل أفضل من علاقات متينة قائمة على الاحترام المتبادل بين مجتمع وقوى القانون والنظام.      

© The Independent

المزيد من آراء