Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفيلم الذي صنع أسطورة بريجيت باردو ودخل تاريخ السينما بالغلط

فاديم حقق في "... وخلق الله المرأة" فناً لا يهمه أن "يكسّر" الناس أدمغتهم

بريجيت باردو في مشهد من فيلم "...وخلق الله المرأة" (موقع الفيلم)

من ناحية مبدئية ليس في فيلم المخرج الفرنسي الراحل قبل سنوات روجيه فاديم "...وخلق الله المرأة" ما يبرر تبوأه مركزاً متقدماً بين الأفلام الفرنسية الأكثر شهرة في العالم، ولا بالطبع المكانة التي أسبغها الفيلم على مخرجه جاعلة البعض يحسبونه في خانة مخرجي الموجة الجديدة وواحداً من صناع "الحداثة" السينمائية في القرن العشرين. فلا حكاية الفيلم تبرر ذلك ولا لغته السينمائية. كل ما في الأمر أن مخرجه الذي سيعرف طوال تاريخه السينمائي "الناجح" بكونه من أبرز محققي سينما المرأة في الفن السابع المعاصر، عرف كيف يركب موجة وجدها سائدة حين خاض المعترك السينمائي، لا سيما في زمن كانت مواطنته الكاتبة الشابة فرانسواز ساغان قد انطلقت كالقنبلة برواياتها الوجودية المتحلقة حول نساء متحررات أو يتطلعن إلى التحرر، فتجاوب معها جمهور شاب وجد فاديم أن في إمكانه تلقفه بدوره عبر نقل "ثورة" ساغان إلى الشاشة الكبيرة. ولقد لعبت الصدفة دورها كما تفعل دائماً، إذ كانت هناك في الوقت نفسه قنبلة أخرى "أنثوية" تتفجر بدورها في فضاء الحياة الاجتماعية الفرنسية اسمها بريجيت باردو. ولقد التقط فاديم هذه العناصر ليجمعها معاً في فيلم من المؤكد أن المرأة ورقصة بريجيت زينتا ملصقه فاجتذب ملايين المتفرجين محققاً ليس فقط نجاحاً، بل حتى "ثورة" اجتماعية متكاملة.

على هامش موجة لا علاقة له بها

كان ذلك تحديداً في عام 1956 عشية ولادة "الموجة الجديدة" الفرنسية على أيدي فرانسوا تروفو وجان لوك غودار وشابرول وريفيت بل حتى آلان رينيه وغيرهم. وهكذا بفضل بريجيت باردو، بل بالتحديد بفضل رقصة مثيرة لها في الفيلم عرف فاديم كيف يصورها وكأنه يصور ولادة حواء جديدة، ويقدم امرأة حرة تطلع من بين ركام الأفكار الجديدة النسوية والوجودية المفتعلة والسيكولوجية الاجتماعية والتمردية وما إلى ذلك، وجد فاديم نفسه متربعاً عرشاً سينمائياً سيبدو بسرعة واسعاً عليه لينحصر مجده في كونه ارتبط بنساء ربطهن بأفلام له متتالية ستعجز عن إقناع جمهور أكثر ذكاء من جمهوره، لكنهن لن يلبثن أن يدخلن حياته الخاصة ما ضاعف الإعجاب به كمخرج مختص بأفلام النساء ورجل يعرف كيف يجتذبهن. ولئن كانت أفلامه، باستثناء القليل منها، سوف تنسى بسرعة وتخرج من المكان الغلط الذي وضعت فيه، فإن "... وخلق الله المرأة" سيبقى حياً ولو نسي الناس جميعاً اسم مخرجه وموضوعه. فعنوانه المبتكر ورقصة باردو فيه لن تنسيا أبداً ناهيك بأنه سيبقى واحداً من أكثر أفلام بريجيت باردو رسوخاً في الأذهان... لهذه الأسباب تحديداً!

عاشق مزواج
مهما يكن لا بد من أن نتذكر أن محبي أفلام فاديم وعددهم كان يفوق بالطبع عدد محبي أفلام غودار وتروفو مجتمعين، لم يكن من المنطقي حين رحل عن عالمنا قبل سنوات، تصور أن شخصاً من طينته يمكن أن يبلغ الرابعة والسبعين من عمره، ليموت عجوزاً. ففاديم كان يمثل صبا السينما، وصورة الفن الأولى، العاشق المزواج، الذي يوقع أجمل النساء وأشهرهن في حبائله، ويصر أيضاً على الزواج منهن محاولاً أن يحولهن إلى ملهمات حقيقيات وإلى جزء أساسي من عالمه السينمائي الغني والمتنوع، وإن كان قد افتقر دائماً إلى العمق والتماسك. وهو نفسه لم يكن ليعبأ بمثل هذه الأمور. فكل ما يهمه هو أن يضع بطلاته – وأبطاله كذلك، وإن بصورة ثانوية -، في أطار جغرافي جذاب يساعد على رصد ما لديهن من جمال، وربما من موهبة أيضاً. بالنسبة إليه كانت متعة العين وتفاعل الغرائز، عنصرين أولين في أي تلقٍ. لكنه نسي أن السينما تحتاج، لكي تكون فناً، إلى عناصر أخرى نسيها أو تناساها على مذبح رغباته الآنية وحركته السريعة. وقد يكمن هنا الفارق الأساسي بين الذين اعتبروا فاديم جزءاً من الموجة الجديدة، والآخرين الذين اعتبروه مجرد حرفي جيد حقق "...وخلق الله المرأة" و"هل نعرف أبداً؟" و"جواهرجية تحت ضوء القمر". ثم خصوصاً "الخورية"  و"بارباريلا" و"دون جوان" و"الدائرة".

كل شيء في سبيل المرأة...
إن نظرة شاملة لهذه الأفلام وغيرها من تلك التي طبعت مسيرة روجيه فاديم، ترينا كيف أن كل فيلم منها، سواء كتبه فاديم أصلاً، أو اقتبسه عن عمل أدبي أو فني آخر، إنما "ركّب" بشكل حرفي ماهر، لكي يقدم إطاراً يضع داخله امرأته وملهمته التي تكون جزءاً من حياته في لحظة الاشتغال على ذلك الفيلم. ومن هنا فإن "...وخلق الله المرأة" كان فيلم بريجيت باردو، و"بارباريلا" و"الخورية" فيلمي جين فوندا. وهو حين أحب الحسناء المغمورة آنيت سترويبرغ وتزوجها لتصبح على يديه آنيت فاديم سنوات قليلة فقط استعادت بعدها اسمها القديم ثم غابت في النسيان، ابتكر لها اقتباساً معاصراً لرواية "العلاقات الخطرة" الشهيرة، ثم فعل الشيء نفسه مع "الموت لذةً" من أجلها. وكان أن فقدت الروايتان جوهرهما الأصلي لتصبحا عملاً يتمحور حول كوكب مشع هو النجمة - الملهمة - الفاتنة.

من أصول روسية
ولد روجيه فاديم في عام 1928 في باريس، لأسرة روسية الأصل. وما إن نال شهادة البكالوريا حتى اتخذ قراره بدخول عالم الفن عن طريق المسرح ولم يعارضه أحد بل ضمه الفنان شارل دولان إلى عالمه وحلقاته المسرحية، فكان له من شبابه وديناميته ما ساعده على الارتقاء السريع. وهو منذ شبابه الأول تميز بقدرة كبيرة على الإقناع، واعتماداً على اكتشاف الممثلة المغمورة بريجيت باردو، وعلى نص كتبه من وحيها، تمكن من إقناع المنتج راؤول ليفي، بأن يمول له فيلمه الأول. وحين خرج "...وخلق الله المرأة" إلى الصالات في عام 1956، كان له وقع القنبلة: نجاح سريع وافتتان العالم كله ببريجيت باردو ورقصتها وثيابها التي كانت توحي بالعري - ولا تزال - أكثر مما كانت عارية حقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيلم في كل عام
منذ ذلك الحين لم يتوقف فاديم عن تحقيق أفلامه بمعدل فيلم واحد في السنة حتى أواخر السبعينيات. ولكن كما يحدث دائماً في مثل تلك الحالة، وقع الرجل ضحية فيلمه الأول، الذي تحول إلى أسطورة بالتوازي مع أسطورية نجمته. وهو إذا كان قد حقق لبريجيت نفسها أفلاماً عدة أخرى قبل أن ينفصلا، وحتى لاحقاً بعد انفصالهما، فإنه لم يصل إلى النجاح الذي حققه "...وخلق الله المرأة"، وحتى لو كان قد بذل من الجهد الفني في أفلام له لاحقة، أضعاف ما بذل في ذلك الفيلم. والحقيقة أن بعض ما حققه فاديم لاحقاً، كان يمكن حسبانه في عداد الأفلام المقبولة فنياً بصرف النظر عن "أسطورية" نجمتها نقول هذا ونفكر بـ"الفضيلة والرذيلة (1962) و"الدائرة" (1964) عن رواية لآرثر شنيترلز، و"الخورية" (1965) عن رواية لإميل زولا. بل إن فاديم استطاع عام 1967 تحويل كتاب رسوم متحركة ساذج هو "بارباريلا" إلى فيلم خيال علمي طريف وممتع.

غاب وبقين
قد تكون جين فوندا لا تزال تتمتع بشيء ولو يسير جداً من الشباب والجمال حتى اليوم. وقد تكون بريجيت باردو لا تزال حاضرة، لأسباب لا علاقة لها بالجمال أو بالأنوثة أو بالسينما، ولكن من المؤكد أن الذي صنع الثانية، وأعاد صياغة الأولى، عاش آخر سنواته بعيداً من الأضواء، ونسيه تاريخ السينما الجادة. ومهما يكن في الأمر فإنه هو نفسه كان أعطى المفاتيح لجعل ذلك النسيان مصيراً حقيقياً له. وذلك حين كان يقول في كل مرة يُسأل فيها عن أسلوبه وعمله السينمائي: "أحب المواضيع الغارقة في بساطتها، الخطية والتي لا تجبرك أبداً على تكسير دماغك وأنت تعالج حكاية ما. ولا أحب أن أفتح الأبواب وأغلقها. كل ما في الأمر أنني أهتم بإظهار الطريقة التي يتصرف بها كل كائن إنساني في ظروف معينة... لذلك تراني أحب الحكايات العادية، لأن المواقف العادية وحدها هي التي تسمح للتناقض بين ما يفعله الناس، وما يريدون قوله، بالتعبير عن نفسه بأفضل ما يمكن".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة