سجل عداد إصابات كورونا الجديدة في المملكة المتحدة انخفاضه السادس على التوالي يوم الاثنين الماضي للمرة الأولى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خلال الإغلاق (الحجر) الشامل الثاني في اإنجلترا.
أعرب علماء عن ارتياحهم، ولو أنهم فوجئوا نوعاً ما، إذ بلغ عدد الإصابات اليومية الأخير 24 ألفاً و950 حالة، بعدما كان 42 ألفاً قبل أسبوع، في حصيلة هي الأقل منذ ثلاثة أسابيع.
لقيت هذه الأنباء ترحيباً خاصاً بعدما توقع ساجد جاويد، وزير الصحة البريطاني، أن ترتفع الإصابات في بلاده إلى 100 ألف حالة يومياً خلال فصل الصيف، في تقدير رأى حينها بعض الخبراء ينطوي على تفاؤل كبير.
في تصريح أدلى به إلى "فايننشال تايمز"، وصف ستيفن غريفين، خبير في الفيروسات في "جامعة ليدز"، "الانخفاض الأخير في إصابات إنجلترا" بـ"النبأ الرائع، إنما المحير أيضاً نظراً إلى التخفيف التدريجي للقيود" الذي شهده البلد.
وأضاف آدم فين، أستاذ في طب الأطفال في "جامعة بريستول"، في كلامه إلى الصحيفة أن "علينا أن نكون سعداء بشأن الانخفاض الأخير في الأعداد اليومية للاختبارات ذات النتائج الموجبة. يشير ذلك إلى أن الفيروس ينتقل بشكل أقل بين الناس، وفي النهاية يتسبب بعدد أدنى من حالات دخول المستشفى والوفيات، مقارنة مع ما كنا نخشاه ونتوقعه قبل أسبوع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، قال البروفيسور بيتر أوبنشو، المتخصص في علم المناعة، إنه بينما كان "يشعر بسرور حذر" لسماعه أن الحالات آخذة في الانخفاض، فإن المزيد من البيانات اليومية ستبين ما إذا كان هذا الاتجاه مستداماً أم أنه "مجرد انحراف طفيف ومؤقت عن الاتجاه العام".
وفي حديث له في برنامج PM على إذاعة "بي بي سي" القناة الرابعة BBC Radio 4، قال البروفيسور أوبنشو، أحد أعضاء "المجموعة الاستشارية بشأن تهديدات الفيروسات التنفسية الجديدة والناشئة" (اختصاراً "نيرفتاغ" Nervtag) إنه من الرائع رؤية هذه الأرقام المشجعة نوعاً ما، ولكن حصل تأخير في الإبلاغ عن المعدلات، وما زلنا في انتظار أن يصدر "مكتب الإحصاءات الوطنية" البريطاني البيانات كاملة.
"لذا، دعونا لا نبالغ في حماستنا"، أضاف أوبنشو.
وفق بعض الخبراء، يعزى الانخفاض المفترض في الحالات إلى التأخر في تسجيل البيانات الصحية منذ 19 يوليو (تموز)، الذي سُمي "يوم الحرية"، عندما رفعت إنجلترا إجراءات الإغلاق التي أملاها كورونا.
أحد هؤلاء بول هانتر، بروفيسور في الطب في "جامعة إيست أنغليا" University of East Anglia، إذ قال يوم الاثنين الماضي إن "تأثير رفع الإغلاق في 19 يوليو لن يرد في البيانات قبل يوم الجمعة المقبل".
وذكر في تصريح أدلى به إلى "بي بي سي" أن "البيانات حاضراً تبدو جيدة أقله بالنسبة إلى الصيف"، ولكنه نبه إلى أن "أي تأثير ترتب عن رفع القيود الذي شهده يوم الاثنين الماضي لا يندرج ضمن أرقام اليوم. ولن تعكس البيانات أثر هذا التغيير قبل يوم الجمعة المقبل تقريباً".
بدورها، حذرت "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" (PHE) من حالات تأخير عدة تشوب البيانات التي يُعمل على جمعها منذ بداية الجائحة، بالأمس تحديداً، مثلاً، تضمن التحديث اليومي للهيئة بشأن حالات "كوفيد" ووفياته ولقاحاته رسالة تحذيرية، مفادها أن "تحديث اليوم الخاص بلوحة البيانات التفاعلية لـ(كوفيد-19) يواجه تأخيراً".
معنى ذلك أن عدد وفيات "كوفيد-19" خلال الـ24 ساعة الماضية لم يكن معروفاً حتى وقت متأخر من المساء، وهو أمر من الشائع أن تشهده أيام الاثنين في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، إذ تتدافع الهيئات الصحية لجمع بيانات عطلة نهاية الأسبوع.
كذلك تعد الموجة الحارة التي ضربت معظم أنحاء المملكة المتحدة الأسبوع الماضي تفسيراً واضحاً آخر للانخفاض الكبير في حالات "كوفيد"، إذ ليس مستبعداً أن التقاء عدد أكبر من الناس في الخارج، حيث يبقى انتقال الفيروس بينهم أصعب، قد أدى دوراً ما في خفض الحالات.
ومعلوم أن علماء أوبئة يقدمون المشورة للحكومة قد دأبوا على القول إن التواصل الاجتماعي في الهواء الطلق يساعد في خفض مخاطر العدوى، على الرغم من أنه ربما لا يكفي لتفسير حجم الانخفاض الأخير.
كذلك من الوارد أن ما يسمى "بينغديمك" pingdemic (وباء التنبيهات الإلكترونية أو جائحة التنبيهات الإلكترونية) يحمل الحالات على التراجع. تذكيراً، أجبر تطبيق "الخدمات الصحية الوطنية لتتبع مخالطي مصابي كوفيد-19"NHS Covid app مئات الآلاف من الأشخاص على التزام العزلة الذاتية في الأسابيع الأخيرة، بعد تلقيهم رسائل تنبيهية لأسباب غير معروفة، إذ إن التطبيق الرقمي لا يقدم أي تفاصيل عن المكان، حيث اقترب الشخص المفترض إلى مصاب بالفيروس.
على النحو المنشود، ساعدت العزلة المتأتية عن التنبيهات في كبح انتشار الفيروس. ولكن مع ذلك، يُقال إن الشعور بالاستياء من إخطارات التطبيق قد يؤدي إلى لجوء العشرات إلى حذفه تماماً. وتكشف استطلاعات رأي أجريت الأسبوع الماضي عن أن أكثر من ثلث البريطانيين -الشباب، الذين لم يكملوا الجرعتين التحصينيتين على الأرجح- قد ألغوا التطبيق من هواتفهم الذكية المحمولة كي لا يطلب منهم ملازمة المنزل.
بالإضافة إلى ما تقدم، يُعتقد أن انتهاء العام الدراسي يسهم في التراجع الحاصل في إصابات "كورونا" في المملكة المتحدة، ذلك أن عدداً أقل من الأولاد سيخضعون بانتظام لاختبارات الكشف عن الفيروس. يمكن قول الشيء نفسه عن نهاية الأحداث الرياضية الكبرى، من قبيل منافسات بطولة "ويمبلدون" البريطانية لكرة المضرب، وبطولة أمم أوروبا لكرة القدم "يورو 2020"، اللتين أقيمتا في إنجلترا.
"لم أتخيل أبداً أن تترك الـ(يورو) مثل هذا التأثير الكبير الذي خلفته وراءها على ما يبدو"، قال البروفيسور هانتر لـ"فيننشال تايمز" مضيفاً أن "ذلك للمفارقة ربما يجعل الأشهر الستة المقبلة أسهل قليلاً (في ما يتصل بالإصابات)، والسبب على الأرجح مناعة القطيع التي يحتمل أنها تولدت بين المتفرجين".
في تطور متصل، وصف متحدث باسم مكتب رئاسة الحكومة في "10 داونينغ ستريت" انخفاض حالات كورونا في إنجلترا بـ"المشجع"، لكنه قال إنه من المتوقع أن ترتفع الأرقام، مضيفاً أن "رئيس الوزراء (بوريس جونسون) يعتقد أننا لم نخرج من مرحلة الخطر بعد".
البروفيسور نيل فيرغسون، الذي قاد نموذجه الإحصائي الحاسوبي إلى الإغلاق البريطاني الأول في مارس (آذار) من العام الماضي، ردد في وقت سابق الرسالة عينها في مقابلة مع برنامج "اليوم" ("توداي" Today) على إذاعة "بي بي سي" القناة الرابعة، ولو أنه قدم نظرة إيجابية بالنسبة إلى الخريف.
وقال في هذا الصدد، "علينا أن نبقى حذرين، لا سيما مع الزيادة المحتملة في معدلات التواصل مجدداً عندما تتراجع حالة الطقس الجيدة وتفتح المدارس أبوابها. لم ينته الخطر المحيط بنا تماماً بعد، لكن المعادلة تغيرت كثيراً. بفضل مفعول اللقاحات، تتراجع بشدة مخاطر دخول المستشفى والوفاة" بالنسبة إلى مرضى كورونا.
لكنه، كما قال، "متأكد من أنه بحلول أواخر سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين سيكون الجزء الأكبر من الجائحة قد أصبح خلفنا. لن يفارقنا (كوفيد)، ولن تتوقف حالات الوفاة بسببه، لكننا سنتجاوز الجانب الأعظم منه".
على الرغم من الانخفاض في الحالات، أظهرت بيانات أصدرتها "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) يوم الاثنين أن ما مجموعه خمسة آلاف و55 مريضاً كانوا في المستشفى بسبب "كوفيد-19" في إنجلترا، بزيادة قدرها 33 في المئة مقارنة مع الأسبوع السابق، والمستوى الأعلى منذ منتصف مارس الماضي.
وإذ توجه بالنصح إلى الوزراء، أخبر الدكتور مايك تيلدسلي، العضو في "المجموعة العلمية للإنفلونزا الوبائية المعنية بالنمذجة" (اختصاراً Spi-M) وكالة "برس أسوسييشن"، أن أعداد الإصابات في المجتمع لن تنعكس إلى حالات دخول إلى المستشفى قبل مرور أسبوعين عليها".
وقال إن الفاصل الزمني بين الإصابات والدخول إلى المستشفى يعني أن عدد الإصابات التي ستستقبلها المستشفيات في الأيام المقبلة سيرتفع على الأرجح، بغض النظر عن عدد الحالات بحد ذاته.
وفي الوقت نفسه، ذكرت "أن أتش أس بروفايدرز" NHS Providers، التي تمثل المستشفيات التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، أن الخدمة الصحية تواجه عدداً من الأعباء، وأن الأمور ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن.
ودعت وزراء المملكة المتحدة إلى اتخاذ "القرارات الصحيحة" خلال الشهر المقبل، فيما تنتهي من تمويل "أن أتش أس" للنصف الثاني من السنة المالية.
© The Independent