سوريا على موعد مع فصل جديد في لعبة الأمم. ولا شيء فيها هو كما يبدو. رئيس النظام بشار الأسد يبدأ ولاية رابعة من سبع سنوات في حكم سوريا، بعد ثلاثين سنة من حكم والده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وليس من المفاجآت أن ينظر وراءه وأمامه وحوله، فيرى "نصراً" ويدعو "المغرّر بهم" للعودة إلى "حضن الوطن". لكن المشهد في سوريا ليس بسيطاً، فلا الجغرافيا هي نفسها، ولا التاريخ هو نفسه، ولا الدور هو نفسه، ولا الشعب هو نفسه، ولا الوضع الجيوسياسي هو نفسه، فضلاً عن أن روسيا نجحت في تركيز نصف المعادلة: بقاء النظام. وهذا كان واضحاً، منذ قرر الرئيس فلاديمير بوتين التدخل العسكري في خريف عام 2015 بعد أربع سنوات من بداية الحرب. والنصف الثاني من المعادلة يتوقف على التسوية السياسية للأزمة التي قادت إلى الحرب، وبالتالي على أميركا وأوروبا إلى جانب روسيا والصين وإيران وتركيا بما يفتح الباب لإعادة الإعمار.
ذلك أن مرحلة تغيير النظام بالقوة أو حتى بالتفاوض على أساس "بيان جنيف" لعام 2012 و"الانتقال الديمقراطي" للسلطة عبر "هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة" انتهت. ومرحلة "تغيير السلوك" بالمشاركة مع النظام على أساس القرار 2254 تتعثر. وإدارة الأمر الواقع صعبة، فالحرب التي دخلت عامها الحادي عشر لم تنتهِ، والحل السياسي لم يبدأ، وإعادة الإعمار تحتاج إلى 530 مليار دولار، بحسب المركز السوري لبحوث السياسات لن تؤمنها روسيا والصين.
حتى المساعدات الإنسانية، فإن 92 في المئة منها تأتي من أميركا وأوروبا واليابان، كما قال المندوب الدائم لفرنسا في مجلس الأمن الدولي.
أربعة جيوش خارجية روسية وإيرانية وأميركية وتركية تتقاسم الأرض ومعها جيش يعمل في الجو هو الإسرائيلي. والنفوذ السياسي والأمني والخارجي قوي، سواء على النظام أو على المعارضين الذين صاروا في وضع ضعيف جداً. سوريا التي كانت لاعباً إقليمياً أصبحت، لا فقط لعبة بل أيضاً بلداً لتصدير "المرتزقة". تركيا تأخذ مرتزقة من مقاتلين في حرب سوريا إلى ليبيا وناغورنو قره باغ ومن ثم إلى كابول. روسيا أخذت مرتزقة إلى أرمينيا، وأنشأت ميليشيا لها في سوريا، وإيران أخذت مرتزقة إلى اليمن فوق ما قامت به من تصدير الميليشيات إلى سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأخيراً أعاد وزير الدفاع الروسي، الجنرال سيرغي شويغو، تصحيح الرقم الذي أعلنه في الماضي عن التجارب على الأسلحة الحديثة في سوريا، ليصبح الرقم 320 طرازاً من الأسلحة.
كل البيانات الدولية تصر على القول إن التسوية السياسية هي نتاج "حوار سوري-سوري بقيادة سوريين"، وأقل ما يكشفه الواقع هو أن اللعبة كلها إقليمية ودولية.
الموفد الدولي غير بيدرسون، الذي يدور بين العواصم على مدى سنوات، يبلغ مجلس الأمن "أن الجهود المبذولة فشلت في تحقيق أي تقدم على المسار السياسي السوري وتنفيذ القرار 2254".
وما يطلبه بإلحاح هو "المزيد من الدبلوماسية الدولية البناءة الشاملة" و"شكل دولي جديد" لفتح باب التقدم في التسوية خطوة خطوة.
ومتى؟ بعد عشر سنين من جهود الموفدين كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وبيدرسون. وفي أي مناخ؟ في مناخ التسليم بأن التسوية السياسية هي مفتاح كل شيء: من الوضع السياسي إلى إعادة الإعمار.
موسكو المحتاجة إلى تسوية سياسية لتوظيف أرباحها العسكرية والأمنية والاقتصادية كانت ولا تزال تمارس الضغوط على دمشق من دون اختراق في الموقف المتخوف من التسوية.
والصين التي جاء وزير خارجيتها، وانغ يي، إلى دمشق حددت ما تريده بأربع نقاط هي"احترام السيادة، ورفاه الشعب، ومكافحة الإرهاب، وحل سياسي عبر حوار دولي، وتضييق الخلافات بين جميع الفصائل السورية".
حتى إيران، فإنها تتحدث عن الحاجة إلى تسوية. وبالطبع فإن التسوية هي مطلب أميركا وأوروبا، لا بل إن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحدث باسم مجموعة الدول الصناعية السبع عن "التزام حل سياسي لإنهاء النزاع ومعاناة السوريين بتنفيذ بنود القرار 2254".
كان من الطبيعي أن يرفض النظام تسوية على حسابه، لكن اللافت أن التسوية مع النظام لا تزال تصطدم بالحواجز. وليس من السهل الاستمرار في الانفراد بالسلطة وتجنب المشاركة، وسط المشاركة المفروضة بالقوة مع القوى الخارجية.
وإذا كان خطر "داعش" و"النصرة" وكل حركات الإسلام السياسي الإرهابية لم يعد "وجودياً"، فإن وصول 90 في المئة من السوريين إلى العيش تحت خط الفقر سواء في الداخل أو في دول اللجوء مسألة أخطر من الإرهاب.
والفارق كبير بين بقاء النظام وإيجاد حل للأزمة السورية التي قادت إلى الحرب. والخيار محدد: تسوية أو حرب بلا نهاية ضمن أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية.