Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مزيد من خطوات التدويل لأزمة لبنان يثير قلق "حزب الله"

أولوية واشنطن وباريس تجييش الدول لمساعدة الجيش وموسكو تتمسك بأولوية تأليف الحكومة

استحالة اتفاق رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس المكلف سعد الحريري على تأليف الحكومة (أ ب)

تكشف كثافة التحركات الدولية حول أزمة لبنان، مرة أخرى، عن مدى ارتباطها بالوضع الإقليمي، انطلاقاً من الخشية الدولية من عواقب الانهيار الكامل المالي والاقتصادي والاجتماعي وتهديده الاستقرار الأمني، وتأثير هذا التهديد على دول الجوار.

ويستند تصاعد الاهتمام الدولي بالمأزق اللبناني إلى مرتبة جديدة، سواء بالدعوة إلى تسريع تأليف الحكومة، أو بسعي الدول إلى التعاون لتقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب اللبناني، ولا سيما الجيش والقوى الأمنية، إلى عوامل عدة، أبرزها قرار مستجد في الإدارة الأميركية بالالتفات إلى لبنان بعد أن كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد ركزت على أولويات أخرى، تاركة لفرنسا متابعة أزمة البلد الصغير مع تأييد مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون حياله.

مراجعة أميركية ثم اهتمام بتدارك الانهيار

يقول دبلوماسيون لبنانيون متصلون بواشنطن، إن تحريك عدد من النواب في الكونغرس الأميركي للقضية اللبنانية، ومراجعة قامت بها وزارة الخارجية للسياسة المتبعة في شأن لبنان أفضيا إلى استنتاج بأنه لم يعد الاستمرار بأزمته جائزاً نظراً إلى انعكاساتها الإقليمية المحتملة في حال انتقل البلد إلى حال من الفوضى التي يمكن أن يستفيد منها خصوم الولايات المتحدة، ومنها إيران، أو أن يسمح الانهيار الآتي بتسلل "داعش" إلى المناطق الفقيرة والمعدمة.

ويرد المتابعون للاهتمام الأميركي بلبنان إلى تحرك الفاتيكان أيضاً، وإلى التنسيق الفرنسي مع واشنطن، وهو ما تجلى باتفاق واشنطن وباريس على تحرك مشترك من مظاهره لقاءات ممثلي الدولتين، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو السفراء، في اتجاه المملكة العربية السعودية، من أجل تشجيعها على الانخراط أكثر في جهود معالجة المأزق اللبناني، بعد أن اتبعت سياسة عدم التدخل والإحجام عن ذلك بسبب موقفها السلبي من هيمنة "حزب الله"، بالتالي إيران على القرار اللبناني عن طريق رئاسة ميشال عون للجمهورية.

التنسيق الثلاثي يثير حفيظة "حزب الله"

في تحرك غير مسبوق قامت سفيرتا الولايات المتحدة، دوروثي شيا، وفرنسا، آن غريو، بزيارة الرياض في 8 يوليو (تموز) لتنسيق المواقف معها. وكرر بيان مشترك صدر عن السفيرتين إثر الزيارة ما جاء في بيان الإعلان عنها، إذ أكدتا أنهما عقدتا "اجتماعات ثلاثية مع نظرائهما في المملكة لبحث الوضع في لبنان، وأن هذه المبادرة تأتي عقب الاجتماعات الثلاثية لكل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، التي عقدت في 29 يونيو (حزيران) الماضي، في مدينة ماتيرا في إيطاليا.

وأوضح البيان أنه "خلال زيارة العمل هذه، أكدت السفيرتان الحاجة الماسة إلى حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات. وأشارتا إلى أن الحكومتين الفرنسية والأميركية، وشركاء آخرين يعتمدون التوجه نفسه، يواصلون تقديم المساعدة الطارئة إلى الشعب اللبناني بما في ذلك الدعم الصحي والتعليمي والغذائي. وشددت السفيرتان غريو وشيا على أن إجراءات ملموسة يتخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد، ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين".

استفز تحرك واشنطن وباريس "حزب الله"، فأطلق العنان لوسائل الإعلام التابعة له لشن هجوم عنيف على تحركهما، خاصّاً فرنسا بحملته هذه، معتبراً أنها تريد استعادة الانتداب على لبنان. وبلغ الأمر درجة الدعوة إلى مقاطعتهما وإلى امتناع أي مسؤول عن لقائهما، ورفض وجودهما في مناسبات عامة. وشكل الهجوم على فرنسا خصوصاً نقلة جديدة في موقف الحزب، الذي كان خلال الأشهر الماضية حرص على التعاطي بإيجابية مع مبادرة الرئيس ماكرون حيال لبنان إثر انفجار مرفأ بيروت، فيما كانت اجتماعات شبه دورية تعقد بين طاقم السفارة وبين قياديين من الحزب. فماكرون تعامل مع الحزب بشكل مختلف عن حليفه الأميركي، ورفضت فرنسا حتى الآن تصنيفه تنظيماً إرهابياً، ورأت أن نوابه منتخبون من الشعب.

ويمكن للمراقبين فهم ما أقلق الحزب وأثار حفيظته، أي التنسيق بين باريس وواشنطن، وسعيهما إلى التعاون مع الرياض التي ما زال الحزب يشن هجوماً عليها في سياق الصراع الذي تخوضه إيران مع السعودية انطلاقاً من اليمن وعلى امتداد الإقليم، فيما كان الأمين العام للحزب حسن نصر الله يطمئن جمهوره في كل مرة يخرج إلى الإعلام بأن أميركا تنسحب من المنطقة، وأن مشروعها في الشرق الأوسط انهزم، ومحور المقاومة والممانعة الذي تقوده طهران هو المنتصر.

المراهنة الأميركية على الجيش

ما أضاء على هدف واشنطن هو إيضاح البنتاغون لسياسته حيال لبنان من باب دعمها المعروف والمعلن للجيش للبناني، إذ إن نائبة مساعدة وزير الدفاع الأميركي، دانا سترول، قالت في حوار مع "سكاي نيوز عربية" في 9 يوليو، إن "الجيش اللبناني سيتمكن من خلال تمويله وتسلحه وتدريبه من حماية كامل الأراضي اللبنانية، وإن "حزب الله" لا يسيطر على لبنان، ولدينا شريك ذو قدرات عالية فيه، هو الجيش اللبناني الذي أظهر قوة في تنفيذ مهمات تتجاوز حماية الحدود ومكافحة الإرهاب ومساعدة المؤسسات اللبنانية التي عجزت عن مساعدة الشعب اللبناني". وأملت أن "يكون الجيش قادراً مع مرور الوقت على حماية كامل الأراضي اللبنانية ومنع نظرة بعض اللبنانيين على أن "حزب الله" هو الذي يوفر الأمن والمساعدات الاجتماعية".

وما يعتبره "حزب الله" استهدافاً له، عن طريق المساعدات للبنان والجيش يشمل أيضاً انتقادات وسائل إعلامه لتوصية لجنة شؤون الدفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية بإنشاء مجموعة عمل دولية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والبنك الدولي تتوجه إلى لبنان لتنسيق المساعدات وتوزيعها، بما يعزز الإدارة الدولية المباشرة للأزمة.

التنسيق الثلاثي لتأمين مساعدة الجيش

في سياق البحث عن تفسير للتنسيق الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي، ذهبت تقديرات معظم الأوساط السياسية إلى أن أميركا وفرنسا تسعيان لدى الرياض لإشراكها في دعم الجيش، خصوصاً أنها لم تشارك في المؤتمر الذي رعته باريس والأمم المتحدة في 22 يونيو الماضي. ومع أن بيان السفيرتين كرر تأكيد ضرورة تشكيل حكومة قادرة، فإن معلومات وتكهنات عديد من المصادر أوضحت أن التوجه نحو الرياض يركز على الشق الثاني من البيان، أي تقديم المساعدات الإنسانية للجيش والقوى الأمنية التي يعاني أفرادها جنوداً وضباطاً جراء سحق سعر الصرف لرواتبهم، وعجز المؤسسات العسكرية والأمنية عن تأمين المحروقات وقطع الغيار لآلياتها.

يفترض هذا التفسير لخلفية التنسيق الثلاثي أن مسألة تأليف الحكومة على ضرورته بات في المرتبة الثانية من الاهتمام أمام قناعة المجتمع الدولي باستحالة اتفاق رئيس الجمهورية عون مع الرئيس المكلف سعد الحريري على تأليف الحكومة، ما أدى إلى طرح الثاني خيار الاعتذار عن مواصلة المهمة. وهو سيتخذ قراره النهائي في هذا الشأن خلال الأيام القليلة المقبلة.

وفي وقت رجح بعض الأوساط أن يتناول التنسيق الأميركي - الفرنسي مع الرياض البحث عن بديل الحريري، فإن أي إشارة جدية في هذا الصدد لم تصدر عن أي من الدول الثلاث، أو سفاراتها في بيروت.

إيحاءات الراعي وبخاري حيال "حزب الله"

إلا أن توجيه الأنظار نحو دور "حزب الله" في الأزمة السياسية المالية والمعيشية، بما يتجاوز العمل على تسريع تأليف الحكومة تزامن مع الاحتفال في البطريركية المارونية بصدور كتاب عن علاقتها بالمملكة العربية السعودية، في 8 يوليو، ركز فيه البطريرك الكاردينال بشارة الراعي والسفير السعودي الوزير المفوض وليد بخاري على ممارسات الحزب من دون تسميته. فالسفير بخاري تحدث عن "محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني التي تنص بوضوح على أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء، حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". وأكد أنه "لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما البطريرك الراعي فعبر في كلامه عن العلاقة التاريخية مع المملكة، وعن مآخذه على "حزب الله" وانتقاداته السابقة العلنية له لإلحاقه لبنان بالمحاور الإقليمية، ولو لم يُسمّ الحزب، فقال، "تعاطت المملكة السعودية مع لبنان، واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم". ورأى أن "المملكة لم تسعَ يوماً إلى تحميله وزراً أو صراعاً أو نزاعاً، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله... لم تعتدِ السعودية على سيادة لبنان، ولم تنتهك استقلاله. لم تستبح حدوده، ولم تورطه في حروب. لم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته". وذكر بوساطات المملكة طوال الحرب على لبنان وبرعايتها مؤتمر الطائف (1989) الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني التي فهمناها امتداداً للميثاق الوطني".

ويقول مصدر سياسي مواكب للأزمة الحكومية، إن ما يحدث من تحركات دولية وإقليمية، وما يصدر من مواقف بات يتجاوز قضية الحكومة في لبنان وأزمته، ويمكن ربطه بتأخر الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي في محادثات فيينا لتعثرها، في ظل استمرار هجمات الميليشيات الموالية لإيران على القوات الأميركية وتوسعها نحو سوريا، بعد الضربة التي تلقتها تلك الميليشيات من الجانب الأميركي قبل أسابيع. ويرى المصدر السياسي أنه يفترض عدم تجاهل مراوحة الاجتماعات السعودية الإيرانية في بغداد للتوصل إلى خفض التوتر بين الدولتين، لا سيما في اليمن، كعامل مؤثر على الساحات الأخرى ومنها لبنان. وهو ما يفسر حملة "حزب الله" على التنسيق الأميركي - الفرنسي مع السعودية.

دخول روسي على الخط لكسر الاتجاه السلبي للأحداث

الدخول الروسي على الخط في هذا الخضم من التحركات الدولية كان لافتاً، في بيان وزارة الخارجية حول اتصال الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع "رئيس حكومة لبنان المكلف"، سعد الحريري، الذي شرح أسباب إصراره على الاعتذار عن مواصلة مهمة تأليف الحكومة والعراقيل التي تعترضها، وتقييمه بأن الأحداث "ذاهبة نحو مزيد من التعقيد والصعوبات".

تشديد بوغدانوف، وفق بيان الخارجية، على "ضرورة دعم كل الجهود للإسراع بتشكيل حكومة مهمة قادرة، من التكنوقراط، برئاسة الرئيس سعد الحريري، قادرة على كسر الاتجاه السلبي لتطور الأحداث في لبنان"، جاء بمثابة تمسك بالصيغة السابقة للحلول التي كانت مطروحة، ولأولوية تأليف الحكومة برئاسة الحريري، في وقت تشير فيه الترجيحات إلى فقدان الأمل من قبل واشنطن وباريس من ذلك. وقد شدد أيضاً على "الوصول إلى توافق وطني بين القوى السياسية والطائفية الأساسية الفاعلة، على مبادئ الوحدة الوطنية ووحدة الأراضي اللبنانية والاستقلال والسيادة"، بما يوحي بأن موسكو ستجري اتصالات مع قوى محلية وخارجية معنية بلبنان.

المزيد من تقارير