تفرض حرب إقليم تيغراي الأخيرة بعد سيطرة "جبهة تحرير تيغراي" على العاصمة مقلي في 29 يونيو (حزيران) تداعيات جديدة على محاور عدة، فعلى المستوى المحلي، شكلت هذه الحرب تحدياً لرئيس الوزراء آبي أحمد الذي تمكن من إجراء انتخابات برلمانية هي الأولى في عهده، ما يطرح تساؤلات عدة حول ما ينتظر أديس أبابا من تحديات في ضوء التطورات الجديدة على جبهة تيغراي.
والجدير ذكره أن "جبهة تحرير تيغراي" ما زالت لاعبة أساسية في المشهد الإثيوبي على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها، ولا سيما في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، الماضي.
عملية "إنفاذ القانون"
وكانت الحكومة الإثيوبية قد تمكنت من هزيمتها، والسيطرة على عاصمة الإقليم مقلي في عملية "إنفاذ القانون"، ونجحت كذلك في القبض على عدد من قيادات الجبهة، ولا سيما سبحات نقا الزعيم الروحي المؤسس للجبهة، وعدد آخر من أفراد القيادة التاريخية.
والتحولات الأخيرة المتمثلة في استرداد الجبهة الإقليم في يونيو الماضي، واعتراف الحكومة بذلك، والانتقادات الدولية التي طاولت العملية الانتخابية في إثيوبيا، أرخت بثقلها بقوة على المشهد السياسي في البلاد.
أولويات أخرى
وكان قد نُقل عن رئيس الوزراء الإثيوبي، أخيراً، تعليقاً على انسحاب الجيش الإثيوبي من إقليم تيغراي، أن "جبهة تحرير تيغراي لم تعد تشكل تهديداً، ولدينا أولويات أخرى"، كما طالبت الخارجية الإثيوبية المجتمع الدولي بالاستمرار في الوقوف إلى جانب أديس أبابا لمنع تدهور الوضع الأمني أكثر في الإقليم.
إلى ذلك، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، "مبادرة وقف إطلاق النار لا تعني عدم المحاسبة عن الانتهاكات التي حدثت في إقليم تيغراي"، مؤكداً، في الوقت نفسه، أن وقف إطلاق النار كان من أجل إدخال المساعدات الإنسانية للإقليم.
ودعا مكونن المجتمع الدولي إلى التوقف عن إصدار الأحكام المسبقة التي تقوض جهود الحكومة الإثيوبية لإحلال السلام. وأضاف، "بعد الانتخابات الوطنية الناجحة التي جرت خلال هذا الشهر، نسعى لبناء أفضل دولة ديمقراطية". وأوضح أن "الحكومة الإثيوبية لديها خريطة طريق ليكون هناك حوار بين كل الأطراف الفاعلة في المجتمع ليدوم السلام والاستقرار في المنطقة".
شروط "جبهة تحرير تيغراي"
وفي سياق متصل، كشفت الحكومة الإثيوبية في الثاني من يوليو (تموز)، عن لقاء جمع وزير الخارجية الإثيوبي بأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى أديس أبابا. وقال مكونن، إن "الحكومة الفيدرالية علقت مؤقتاً عملية إنفاذ القانون في الإقليم".
وهنا لا بد من التنويه إلى شروط عدة وضعتها "جبهة تحرير تيغراي" لإيقاف الحرب، من ضمنها المحاسبة، وتعويض الأضرار في تيغراي، والاعتراف بالحكومة السابقة للإقليم وعودتها للسلطة، وغيرها من المطالب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد حضّ "قادة إثيوبيا ومؤسساتها" على تعزيز المصالحة، وحقوق الإنسان واحترام التعددية، والمحافظة على وحدة الدولة وسلامة أراضيها. وقال، "يجب أن تلتزم الحكومة الإثيوبية وأصحاب المصلحة الآخرون من مختلف الأطياف السياسية بإجراء حوار شامل، نحو بناء رؤية مشتركة للمستقبل السياسي للبلاد".
"سد النهضة"
وفي ما خص التداعيات إقليمياً، يأتي "سد النهضة" في المقدمة، لما يشهده هذا الملف من تحديات محلية وإقليمية ودولية، وكانت حكومتا مصر والسودان قد تقدمتا بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي الذي حدد جلسة لمناقشة القضية، الخميس المقبل.
وقال السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، إن "وزير الخارجية المصري سامح شكري سيعقد خلال زيارته إلى نيويورك لحضور الجلسة عدداً من اللقاءات مع نظرائه، والمندوبين الدائمين للدول الأعضاء بمجلس الأمن والمسؤولين في الأمم المتحدة للتأكيد على الموقف الرسمي الثابت تجاه القضية، وضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد يراعي مصالح الدول الثلاث".
مبادرة السودان
وعلى الخط السوداني، أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك السبت، الثالث من يوليو، أن بلاده ستقدم كل الدعم والمساندة لإثيوبيا لتجاوز الأزمة الحالية في تيغراي. وقال في تغريدة على حسابه الرسمي على "تويتر"، "تابعت اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي انعقد في الثاني من شهر يوليو الحالي حول إثيوبيا، وأتفق مع المواقف التي تم التعبير عنها من قبل الدول الأفريقية الأعضاء، في شأن تثبيت وقف إطلاق النار الشامل والدائم، وضمان توصيل المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي، ومع دعوة مجلس الأمن، إلى إجراء حوار وطني شامل لا يستثني أحداً من أجل الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار إثيوبيا". وأضاف، "سيقدم السودان من جانبه كل الدعم والمساندة للجارة الشقيقة إثيوبيا لتجاوز أزمتها الحالية".
الشاغل الساسي
وسط هذه الأجواء، لا يزال الاستحقاق الديمقراطي الشاغل السياسي للحكومة الإثيوبية، وفي هذا الإطار، قال آبي أحمد إن "كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات ستكون لها مشاركة في الحكومة المقبلة حال فوزه"، مثنياً على مشاركتها.
وإلى جانب ما تتعرض له أديس أبابا من تحديات، لا بد من الإشارة إلى العامل الإريتيري، إذ كانت أسمرة، وعلى الرغم من النداءات المتكررة، ولا سيما من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والجهات الإنسانية الدولية، بعد عملية "إنفاذ القانون"، غير عابئة، أو مستجيبة للنداءات (الرافضة) لتجاوزاتها العسكرية في إثيوبيا، ما تسبب في كثير من الانتهاكات الإنسانية التي يشار إليها بجرائم حرب في إقليم تيغراي.