بعد شكاوى كثيرة من النساء، استنتجت الشرطة في منطقة "آفون" و"سومرست" أن هناك علاقة بين مغادرة النساء المنزل وتعرّضهن للتحرّش والمضايقات. وكلما غادرت النساء المنازل أكثر، تعرّضن لمزيد من المضايقات، خصوصاً إن خرجن منفردات بملابس الركض (لا قدّر الله) حيث تصبح هذه العلاقة أقوى تماما كعلاقة تفاحة مكتشف الجاذبية نيوتن و راس الانسان.
ما كان الحلّ الذي وجدته الشرطة للحدّ من هذا التحرّش؟ بالطبع، أن تتوقّف المرأة عن الركض وحدها.
وتأتي هذه النصيحة كجزء من حملة (#"جوغ أون" #JogOn) التي أطلقتها الشرطة بالشراكة مع مجموعة مكافحة التحرش "بريستول زيرو تولرانس". وإذ سعت الحملة إلى إعطاء النساء القدرة على الشعور بالأمان أثناء ممارستهن الركض في المنطقة، رأت الحملة أنها ستمكّنهن من عدم الشعور بالخوف عبر توفير "نصائح عمليّة وتوجيهات حول كيفية الحفاظ على الأمان والشعور بالثقة في الشوارع والمرآئب ومسالك المُشاة".
وتعترف مديرة المحققين، ماري رايت، بأن النساء يشعرن "بعدم الارتياح أو الترهيب أو الخوف من الخروج منفردات للركض في الهواء الطلق". واقترحت أنه بدلاً من الذهاب بصلابة إلى الأمكنة المفتوحة، يمكن للنساء الخروج سويّة في مجموعات لأن ذلك "طريقة رائعة للشعور بالأمان، والاستمرار في النشاط، وردع أي سلوك تهديدي". واقترحت رايت أيضاً انضمام النساء إلى أندية للركض.
ومن الصعب حقاً التأكد من الجزء في تلك النصيحة الذي يمكن اعتباره حلاًّ "عمليّاً". إذ يحتاج ذلك إلى تغيير نمط حياتك بالكامل كي يتوافق مع نمط أندية الركض والاضطرار إلى الجري جنباً إلى جنب مع غرباء قد لا يكون لديك رغبة في الحديث معهم (يحتمل أنك قرّرت الركض كي تخلو بنفسك مع أفكارك، في المقام الأول). فالفكرة أن يقال أنه من الأفضل أن لا تركض السيدة بمفردها هو أيضا مثير للضحك ومسيئ للمرأة.
the idea that it is considered in any way empowering to be told not to run alone would be laughable if it weren’t so terribly troubling.
مرة أخرى، تُخبَر النساء، وبعبارات لا لبس فيها، أنهن يجلبن على أنفسهن التحرش عبر ارتداء ملابس رياضيّة تتناسق مع أجسادهن، إضافة إلى الإثارة التي تتأتى من ... التعرّق. هل يتوجب علينا كنساء انتظار تجمع مجموعة الجري مرّة كل أسبوع، والبقاء حبيسات المنزل بقية الأيام؟ هل يُسمح لنا أيضاً بالسير منفردات خارج المنزل؟ أنا أستمتع مثلاً بالخروج من المنزل وحدي، وهناك شيء ما في الاستقلالية يُشعِر المرأة بأنها مساوية للرجال أو في الأقل السناجب، بدلاً من حيوانات الحظائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع الأسف، هذا النوع من النصائح الغبيّة ليس جديداً. في العام الماضي، عقب موجة من الاعتداءات الجنسيّة شمال غربي لندن، حثّت شرطة العاصمة النساء على تجنّب استخدام سماعات الرأس أثناء سيرهن منفردات إلى المنزل، من أجل البقاء في حالة يقظة. يبدو أنهم غافلون عن حقيقة أن عديداً من النساء يستخدمن سماعات الرأس أداة لردع المتحرشين، وهو أمر أشارت إليه العديد من النساء على "تويتر" في ذلك الوقت. ودعونا لا ننسى الاقتراحات السخيفة بتخصيص عربات في القطارات للإناث، التي كانت تثير الجدل في عام 2017.
وأود أن أشيد بشرطة "آفون" و"سومرست"، لأنها حاولت على الأقل التعامل مع مشكلة عدم إحساس النساء بالأمان أثناء ممارستهن الجري، في حين ما تزال قوى شرطة اخرى غير مهتمة بإعطاء أولوية لمكافحة كراهية النساء. في المقابل، إنّ مثل تلك "الاقتراحات" التي تقدّمت بها شركة "آفون" و"سومرست" تزيد من الضرر بأكثر مما تنفع في منعه. إذ تعزز تلك المقترحات الميل إلى النظر بعين عمياء إلى التفرقة الجنسيّة ما يضع عبء ردع هذه الحوادث على النساء، ويضمن ركود التقدم في حقوق المرأة. إن تلك المعطيات تمثّل أعراضاً مرضيّة في نظام الشرطة المملوء بالجهل، بل يكتفي بإعطاء النساء مقترحات رجعيّة، كي ينفي المشكلة بدلاً من معالجتها فعلياً.
إن الطلب من النساء ضرورة التحرّك في مجموعات لا يجعل المتحرّش أكثر اعتدالاً، بل يملي على النساء، مرّة اخرى، تكييف سلوكهن بما يتناسب مع سلوك من يعتدي عليها. وبذلك يستمر المتحرّشون في إملاء شروط على وجود المرأة، وبالتالي إضفاء شرعية على سلوكهم في التحرش، بل حتى السماح به.
ولماذا تتوقف النساء عن الجري وحده؟ لماذا لا نتّبع خطى "حركة طالبان" بضرورة وجود مُرافِق للنساء في كل مرّة يغادرن المنزل فيها؟ هل ما زلنا متخلفين في الواقع؟ هذا النوع من النصائح المضَللة هو بالضبط السبب وراء قلّة عدد النساء اللواتي يُبلّغن عن التحرش والمضايقات، خوفاً من اللوم بدلاً من الدعم، والآن إضافة إلى اضطرارنا إلى شرح اختياراتنا للملابس، علينا أن نفسّر لماذا جرؤنا على السير وحدنا؟ كم هي مُضحِكَة قلّة النصائح التي تعطى للرجال بوجوب تحركهم في مجموعات لتجنّب الطعن والسطو. كيف يمكن للأمن أن يأتي من العدد وحده، فيما نحن النساء نشكّل نصف السكان؟
لقد بات مرهقاً النظر إلى عدد المرات التي كتبت فيها النساء وتحدثن وخرجن في تظاهرات، بشأن تلك الخرافة العنيدة والمنتشرة بأن التحرّش والاعتداء والاغتصاب هي خطأ الضحية. وفي المقابل، وكما يحدث في مقالي "تيفلون" المقاومِة للالتصاق، لا تعلق في الأذهان الإحصاءات والمعطيات والحقائق المتعلقة بحقيقة المشكلة.
بصفتنا نساء، يجب ألا نضطر إلى قمع حياتنا حتى يتمكن المتحرشون من العمل بحرية، فعلى قوات الشرطة وضع عبء الجريمة على الجناة، وليس تأجيج الخرافات القائلة بأن تلك الحوادث كان يمكن تجنّبها لو أننا كنساء لم نشرب كثيراً في السهرة، لو ارتدينا ملابس أكثر احتشاماً، لو ركضنا بمرافقة صديق... أو غير ذلك من المبررات المتخلفة التي تُرمى على الناس في أي أسبوع. لا يملك المرء سوى أن يسأل إذا ما كانت الشرطة رأت رابطاً بين التحرّش وخروج الرجال من المنزل، وإذا كُنّا قد رأينا حملة من نوع اخر تصرخ "يا متحرّش! من فضلك لا تغادر المنزل. من فضلك لا تقترب من النساء أو تتحدث إلى النساء أو حتى تنظر إلى النساء. لماذا لا تفكر بمجرد الخروج مع وضع قيد على يديك؟".
لا نستطيع حلّ مشكلة إذا لم نُعطِها إسماً. إن ذلك النوع من النصائح لا يكتفي بصم الأذن عن الصوت، بل أنه خطير. إذاً، لنتوقف عن تملّق المعتدي. هل لنا أن نفعل ذلك؟
شارك في اعداد التقرير وكالة الانباء الوطنية.
© The Independent