Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسامة أميركية فرنسية تمارس الإرهاب فنيا

معرض نيكي د. س، فال الحالي في متحف نيويورك يقدم أعمالها الفانتازية المدهشة

الرسامة الأميركية الفرنسية نيكي (الخدمة الإعلامية للمعرض)

"كنت محظوظة باكتشافي الفن لأنني، على المستوى السيكولوجي، كنت أملك كل ما يلزم كي أصبح إرهابية"، صرحت يوماً الفرنسية - الأميركية، نيكي دو سان فال (1930 - 2002). تصريح لا يفاجئنا من هذه الفنانة الطلائعية الجريئة التي مارست الفن الأكثر نشوة في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، والأكثر تهديداً أيضاً. فبينما أحدث رفاقها ضجة إعلامية في الستينيات عبر ملء معارضهم بالنفايات الصناعية أو الرسم بواسطة أجساد نسائية عارية، استخدمت هي رصاصات حية لإطلاق النار على لوحاتها، ومن خلال ذلك، على المسؤولين عن المؤسسات الثقافية. وحتى حين صار فنها أقل عنفاً لاحقاً، تضمن دائماً مجازفة، هديراً كامناً، قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

هذا ما يستنتجه زوار معرضها الاستعادي الحالي في "متحف نيويورك للفن الحديث"، أي تلك الحرية المشحونة بالعنف، ذلك الإبداع بواسطة التدمير، تلك المتعة المفخخة بالخوف... باختصار، تناقضات فنية لمبدعة نالت أداءاتها بأسلحة حقيقية ونسائها المنحوتات بأحجام عملاقة اهتماماً أكبر في أوروبا، موطن الطلائع الفنية، منه في أميركا. ففي نيويورك، حيث عاشت طفولتها، لم ينظم أي متحف معرضاً ضخماً لها. من هنا توقفنا عند معرضها الاستعادي الأول في هذه المدينة الذي، بتركيزه على أعمالها المرصودة للعرض في الأماكن العامة وإهماله إنتاجها التحريضي خلال الستينيات، يمنحنا صورة مُجتزأة عنها. ولحسن الحظ، تنظم غاليري "صالون 94" النيويوركية، بالتزامن مع المتحف المذكور، معرضاً موازياً لها يتضمن مجموعة من المنحوتات المتحركة التي أنجزتها مع زوجها الثاني، النحات السويسري المهم، جان تانغلي، وثلاث منحوتات طوطمية من سلسلة "شابات" التي تمثل فتيات بلا وجه، بأثداء دائرية وأجساد بدينة وألوان حارة. منحوتات قد تبدو طريفة في ظاهرها، لكنها في الواقع شخصيات شرسة ومهددة لأي نزعة بطريركية أو ذكورية، مع إمكانية أن تصبح ما كانت الفنانة تراه في عمق نفسها، أي إرهابية.

سيرة مختصرة

لفهم شخصية نيكي والخيارات التي تحكمت بمسيرتها الفنية، لا بد من التذكير بأنها ولدت من أم أميركية وأب فرنسي أرستقراطي، والاثنان كانا كاثوليكيين وَرِعَين، وفي الوقت نفسه، والدين وحشيين. فحين كانت في سن الحادية عشرة، اغتصبها والدها، قبل أن يقدم اثنان من إخوتها وأخواتها على الانتحار. وفي سن المراهقة، طردت من مدرسة "بيرلي" الكاثوليكية بسبب سلوكها التحريضي، فعملت كعارضة أزياء، وغالباً ما نشرت صورها على أغلفة مجلتي "لايف" و"فوغ". في سن الثامنة عشرة، وبعد فترة قصيرة من اقترانها بالكاتب هاري ماتيو، أدخلت إلى مصح عقلي، حيث أخضعها الأطباء لعلاج بالصدمات الكهربائية، ثم بواسطة الفن. وفور خروجها من المصح، استقرت في إسبانيا حيث افتتنت بصروح أنتوني غاودي الهندسية، وخصوصاً بمتنزه "غويل" الذي صممه، بأبوابه المتموجة ومقاعده المغطاة بالفسيفساء التي ستترك أثراً بليغاً على بعض أعمالها.

خلال معرضها الباريسي الأول عام 1961، علقت نيكي لوحة بيضاء على جدار، وخلفها أكياس مليئة بالأصباغ، ثم تناولت بندقية وأطلقت النار عليها، فسالت الأصباغ من الثقوب على اللوحة مخلفة عملاً تجريدياً فريداً من نوعه. وهذا ما ستكرره لاحقاً في أداءات بعنوان "رماية" تشكل قتلاً رمزياً لفن الرسم الحركي، لأبيها، ولجميع الآباء. أداءات فتحت نيكي النار في بعضها على صلبان ودمى على شكل الرئيس كينيدي، وتلقت بفضلها دعوة للالتحاق بمجموعة "الواقعيين الجدد" الفرنسية التي كان يستثمر أفرادها تقنيات الملصق والمواد الصناعية بطريقة مبتكرة وينجزون أداءات تحريضية في الأماكن العامة، ومن أبرزهم تانغلي، دانييل سبوري، جاك فيلوغلي وأرمان. فنانون ما زالت الساحة الفنية الأميركية تتجاهلهم، علماً بأن عملهم لا يختلف كثيراً ولا يقل قيمة من عمل معاصريهم الأميركيين روبرت روشنبرغ ولي بونتيكو ونوا بوريفوي وبروس كونر.

معرض نيكي الحالي في الـMoMA يعبر بسرعة سلسلة "رماية" في بدايته، ويتجاهل كلياً منحوتاتها اللاحقة التي مثلت فيها زوجات ووحوشاً بأحجام كبيرة وألوان صارخة، ليبلغ سلسلة "شابات" التي عبرت فيها مجدداً عن غضبها على النظام الأبوي عبر تشكيلها هذه الشخصيات النسائية البدينة، وغالباً الحوامل، من مادتي الجص والبوليستر، وطلاء سطوحها بخطوط ملونة وأخرى سوداء، مع دوائر متحدة المركز على صدورهن أو بطونهن، كما لو أن الأمر يتعلق بأهداف رماية. منحوتات أبرزها تلك العملاقة التي تحمل اسم "هون"، وأنجزتها نيكي مع تانغلي وبير أولوف أولتفيت عام 1966 على شكل امرأة مستلقية على ظهرها، مع باب إلى داخلها بين ساقيها. وقد عرضت للمرة الأولى على مدخل "متحف استكهولم الحديث"، حيث اصطفّ 70 ألف سويدي بصبر لدخوله من خلالها، وكانت تنتظر البالغين منهم لوحات، معروضة داخلها، والأطفال فرصة التزحلق على منحدراتها وشرب الحليب من أحد ثدييها.

منحوتة "غولم"

وهذه المنحوتة هي التي مهدت الطريق لأعمال نيكي المرصودة للعرض في الأماكن العامة والتفاعل مع جمهورها، كمنحوتة "غولم" (Golem) التي أنجزتها عام 1971 بالأسود والأبيض وبسطوح متموجة، مثل صروح غاودي. ومنحت المخلوق التوراتي المخيف الذي مثلته فيها ألسنة ثلاثة على شكل حلبات زالقة، ما أثار نفور الآباء والأمهات من هذا العمل في كل مكان عرض فيه، بينما افتتن الأطفال به، أو "نافورة سترافينسكي" التي تزين أحد مداخل "مركز بومبيدو" منذ افتتاحه عام 1983، وتتألف من آلات صارة تقذف المياه صممها تانغلي، وشابات وعصافير ملونة من ابتكار نيكي، أو "حديقة التارو" التي تطلب إنجازها في توسكانا سنين طويلة وعشرات المعاونين، وتشكل مقابلاً لمتنزه "غويل"... أعمال تحضر داخل المعرض من خلال صور لها أو أفلام وثائقية حولها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نشاهد في المعرض أيضاً الرسوم التي رصدتها الفنانة للكتاب الذي وضعته حول مرض الإيدز وطرق اتقائه، وصدر بالإنجليزية عام 1986 بعنوان "إيدز، لا يمكنك التقاطه بالمصافحة"، قبل أن يقتبس التلفزيون الفرنسي فيلماً منه. كتاب نشاهد داخله راقصات يشبهن تلك اللاتي يحضرن في سلسلة "شابات"، ويحثن القارئ بعبارات مختلفة على استخدام الواقي والاعتناء بالمصابين بمرض الإيدز، وذلك قبل إقرار المسؤولين السياسيين في الغرب بعوارضه.

يبقى أن نشير إلى أن تركيز منظمي المعرض على أعمال الفنانة المرصودة للعرض في الأماكن العامة أو لتوكيد ودعم التزاماتها الاجتماعية، يجعلها تبدو لطيفة ومسالمة، مع ميل إلى اللعب واللهو في فنها العصامي الفج، ويخفي "نيكي العدائية"، قاتلة الذوق الباريسي السليم، التي أرادت من الفن أن يكون "جميلاً مثل مشاهدة عملية قتل أو انفجار قنبلة نووية". من هنا حذفهم من سلسلة "شابات" المنحوتات السوداوية التي نشاهد ثلاثا منها في غاليري "صالون 94". وأبرزها تلك التي تحمل عنوان "الخطر الأصفر" (1969)، وتمثل شابة بنهدين على شكل زهرتين وبشرة بلون سيارات التاكسي في نيويورك. منحوتة صدمت في حينها مؤيدي حرب فيتنام في أميركا، ويبدو أنها لا تزال إشكالية في هذا البلد كي يتجنب متحف بحجم الـMoMA عرضها!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة