Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت متعة السفر إلى عذاب في ليبيا؟

تعاني البلاد نقصاً حاداً في عدد الطائرات المجهزة لنقل المسافرين والبر غير آمن

ينتظر المسافرون في المطارات الليبية ساعات قبل إقلاع طائراتهم (أ ف ب)

إذا كان السفر في كل أنحاء الدنيا يعد متعة للراغبين، فإنه تحول في ليبيا، خلال السنوات الأخيرة، إلى قطعة من العذاب، تبدأ بمشقة استخراج جواز السفر، مروراً بعناء الحصول على تأشيرة خارجية، وتنتهي بتردي مستوى الأداء في مطارات البلاد وتخبط المواعيد فيها، ما يفرض على المسافرين عادةً الانتظار ساعات طويلة قبل ركوب الطائرة.

وتعاني البلاد نقصاً حاداً في عدد الطائرات المجهزة لنقل المسافرين، بعد تضرر أغلبها خلال الحروب في السنوات الماضية، وتعذر تطوير أسطول الطائرات المدنية بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها.

وما ينطبق على سفر الليبيين جواً، ينطبق على السفر بالبر، مع اختلاف التفاصيل وعدم تفضيل المسافرين لسلوك الطرق البرية، بسبب تقطع السبل وانقسام البلاد وتردي الوضع الأمني.

مشاق لا حصر لها

يشرح التاجر الليبي أبو بكر الفزاني الصعوبات التي يكابدها المسافر قبل الوصول إلى وجهته التي يريد، بذكر تفاصيل المعاناة الشخصية التي واجهها، قبل أسبوع، ليس من أجل بلوغ بلد آخر أو قارة ثانية، بل للوصول إلى العاصمة طرابلس لجلب بعض البضائع التي تحتاج إليها تجارته في بنغازي.

يقول الفزاني، إن "الحصول على تذكرة سفر إلى طرابلس كان المشكلة الأولى التي واجهتها، بسبب الضغط الكبير في الطلب على شركات الطيران، وقلة الطائرات التي نجت من سنوات الحرب وتهالك البعض الآخر لقلة الصيانة وخروجها من الخدمة".

وأضاف، "بعد انتظار، حُزتُ التذكرة، التي تستطيع الحصول عليها في بلدان أخرى وأنت جالس في بيتك، وبدأت أصعب جزئيات العذاب التي يعانيها المسافر قبل ركوب الطائرة، وهي انتظار وصولها وإقلاعها، حيث جلست في المطار ثماني ساعات حتى انطلقت الرحلة".

ويتابع، "في أوقات كثيرة يحدث أن تلغى الرحلة أصلاً بعد هذا الانتظار الطويل، ولكن نحن كنا محظوظين ولم تضع ساعات انتظارنا سُدى".

معاناة مضاعفة في السفر الخارجي

تزداد معاناة المواطنين في ليبيا، إذا قرروا السفر إلى خارج البلاد، وتتعدد فصولها الشاقة، بدايةً من استخراج جواز السفر أو تجديده، حتى العودة إلى بلادهم في نهاية الرحلة.

المصرفي الليبي محسن العرفي عاين هذه المعاناة في طريقه إلى تونس لحضور دورة في إدارة البنوك، قبل أشهر قليلة، والتي يقول إنها جعلته يفكر "ألف مرة قبل اتخاذ قرار السفر، ولن أكرر التجربة قريباً إلا مضطراً".

ويذكر العرفي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه "انتظر شهراً كاملاً قبل استخراج جواز السفر الإلكتروني، وكان محظوظاً لحصوله عليه في هذه الفترة الزمنية، التي تعتبر وجيزة قياساً بانتظار آخرين أشهراً عدة قبل استخراجه".

وثيقة المرور المستعصية

أزمة استخراج جواز السفر، التي سرد العرفي بعض تفاصيلها، تعتبر من الأزمات المزمنة في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، ما دفع الكثير من المواطنين الذين تجبرهم ظروفهم على السفر إلى سلوك الطرق غير القانونية لاستخراجه، عبر دفع الرشى لبعض الموظفين في إدارة الجوازات والجنسية.

لكن وزارة الداخلية الجديدة، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، تحاول القضاء على هذه الظاهرة، على ما أعلن وكيل الوزارة في بنغازي فرج أقعيم، قبل شهر تقريباً، خلال جولة تفقدية مفاجئة لمقر مصلحة الجوازات في بنغازي.

وقال أقعيم، إن "الوزارة ستعمل على مراقبة عمل مصلحة الجوازات، وستتم محاسبة المقصرين والمرتشين بالقانون، لتنتهي الأزمة التي يعانيها المواطنون للحصول على جواز سفر".

واتخذت الوزارة بعدها مباشرة قراراً بـ"نقل عدد من الموظفين في الإدارة لتطوير الأداء المهني والخدمي"، متعهدةً بـ"محاسبة كل شخص استغل حاجة المواطنين بطلب الرشى والمتاجرة بحقوقهم بمبالغ مالية للحصول على جواز سفر خارج أسوار المصلحة".

طريق شاق

وبالعودة إلى رحلة العرفي المضنية، يواصل سرد تفاصيل المتاعب التي واجهها في الطريق إلى تونس، قائلاً "بعد استخراج جواز السفر كان الحصول على تذكرة سفر معضلة ثانية، بالنظر إلى حجم الإقبال على الحجوزات مع قلة الرحلات الأسبوعية إلى المطارات التونسية، والتي استغرقت خمسة أيام أخرى".

الجزء الأصعب في رحلة المصرفي الليبي، كان انتظار الصعود إلى الطائرة، الذي تطلب انتظاراً لعشر ساعات ذهاباً وإياباً... "عندما تربط حزام الأمان بعد كل هذه الصعوبات التي واجهتها، يعتريك شعور بعد الرغبة في تكرار التجربة مرة أخرى، مهما كنت محتاجاً للسفر، الذي أصبح عشقاً ممنوعاً لهواة الترحال مثلي".

كورونا يزيد المتاعب

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضاعفت جائحة كورونا من حجم متاعب المسافر الليبي، براً وجواً، حيث باتت تتطلب الحصول على كشف يثبت خلو المسافر من الفيروس، وقد لا يبدو الأمر صعباً خارج ليبيا، ولكنه داخلها مكلف، بسبب تردي مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات العامة، ما يجبر الراغبين في السفر على إجراء التحليل في المعامل الخاصة، ما يكلفهم تقريباً 400 دينار ليبي (75 دولاراً) للحصول على كشف موثوق يسمح لهم حمله بالمرور من البوابات الحدودية. 

وتشترط أغلب الدول التي سمحت باستقبال المسافرين الليبيين، وهي قليلة، بروتوكولاً صحياً خاصاً بهم، أبرز بنوده إجبارهم على إظهار فحص سلبي يثبت عدم الإصابة بفيروس كورونا قبل 72 ساعة من موعد السفر، إلى جانب تقديم تعهد كتابي بالدخول في حجر صحي ذاتي لمدة 10 أيام، مع أن بعض الدول تراجعت عن الشرط الأخير، مثل تونس.

دروب مسدودة وخيارات قليلة

معاناة المواطن الليبي في استخراج وثائق السفر ومكابدة الصعاب في صالات المطارات والبوابات الحدودية، قبل بلوغ وجهته الخارجية، ليست العائق الوحيد الذي يجعلهم يتجنبون السفر إلى خارج البلاد، للعلاج أو السياحة أو العمل، فضيق الخيارات المتاحة أمامهم للسفر أزمة أخرى بدأت السلطات التنفيذية الجديدة تعمل على حلها.

هذه المعاناة بدأت مع إغلاق العديد من السفارات الأجنبية أبوابها في ليبيا، بسبب الظروف الأمنية، ما جعل الحصول على تأشيرة للسفر إلى هذه البلاد مستحيلاً وليس صعباً فقط.

وبحسب ما أعلنت وزارة الداخلية عبر تصريحات لمسؤولين فيها، في مايو (أيار) الماضي، فإنها شرعت في تركيب منظومات الجوازات بقنصليات ليبيا في القاهرة وتونس ومرسيليا، والعمل على تركيب منظومات أخرى في السفارات الليبية بإسطنبول والإسكندرية وعمان.

وبسبب التخوفات الأمنية، ترفض معظم الدول في العالم استقبال حامل جواز السفر الليبي، ما جعل تصنيفه يتراجع إلى مراتب متأخرة بقائمة الأسوأ عالمياً لعام 2021.

وبحسب مؤشر "هينلي باسبورت إندكس" المتخصص، فإن جواز السفر الليبي احتل المرتبة 104 عالمياً في العام الحالي، متأخراً مرتبتين عن العام الماضي (102)، بسبب القيود المفروضة على حرية المواطنين الحاملين له في السفر والتنقل بين مختلف الدول. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات