Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوضع في تشاد رهن استقرار ليبيا ولجم التدخلات الدولية فيها

أدى اختلال المنظومة الأمنية الليبية إلى تنشيط حركة الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية

تدور المعارك بين القوات المتمردة على النظام التشادي والمجلس الانتقالي الحاكم في البلاد بقيادة محمد كاكا ديبي (أ ف ب)

ظل الوضع في ليبيا بعيداً من التأثير المباشر في الداخل التشادي بعد مقتل العقيد معمر القذافي، ولكن بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي ظهرت مستجدات تشير إلى تأثر ذلك البلد بالتداعيات الإقليمية الأمنية والعسكرية، الممتدة من الساحل الأفريقي الغربي، وبتصاعد التوترات الأمنية نتيجة للعمليات الإرهابية هناك، والوضع الأمني والسياسي في ليبيا والوجود الدولي فيها، وانعكاس ذلك في ضوء تطورات مبنية على عوامل عدة يمكن أن تسهم في تفاقم سوء الوضع السياسي والأمني داخل تشاد وتأثيره في جوارها. وأهم هذه العوامل، الدعم المتوافر للقوات المتمردة التشادية، وعلى رأسها "جبهة التناوب والوفاق" المنطلقة من جنوب ليبيا، وامتلاك تشاد لعاشر أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، ودخول الصين كشريك لها في التصدير، إضافة إلى نشوء قطاع تعدين الذهب. وكشفت هذه الأحداث المتباينة عن ارتباط الأحداث في البلدين، بحالة الاستقرار أو الفوضى، إلى جانب العوامل الداخلية لكل منهما.

تداخل إثني

تتّحد مناطق أوزو وجبال تيبستي شمال تشاد، مكونةً مساحة واسعة من الاضطرابات قادتها قوات متمردة على نظام إدريس ديبي، إثر خلافات معه ونزاعات، متقطعة في غالبيتها، بسبب دعم هذه القوات ومحاولات سيطرة القذافي على الحدود بينه وبين تشاد. وظل قطاع أوزو تحت سيطرة القذافي حتى عام 1994، حين انسحب تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة. وعلى الرغم من خروجه من القطاع، إلا أنه قدّم الدعم المالي واللوجيستي لـ"الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" التشادية التي أُسست عام 1997 في تيبستي، ودخلت حرباً مع نظام ديبي حتى عام 2011. بعد ذلك، تكوّنت "جبهة التناوب والوفاق" عام 2016 في شمال البلاد من قبائل التبو المحلية، من المنشقين عناصرها عن النظام التشادي، وواصلت هدفها بمحاربة ديبي من ليبيا، إذ تضافرت عوامل عدة في تركيز وجودها جنوب الأخيرة، أبرزها طرد تلك القبائل من إقليم دارفور السوداني عقب توقيع اتفاق السلام بين الخرطوم ونجامينا عام 2010. وكان ذلك قبل الإعلان عن تكوين الجبهة رسمياً بالائتلاف مع جماعات تشادية أخرى، ووجود فوضى أمنية أعقبت مقتل القذافي عام 2011، ودخولها في نزاعات مسلحة مع أعدائها التقليديين، قبائل الطوارق في جنوب ليبيا. كما لم تستطِع "جبهة التناوب والوفاق" الانسجام مع الجماعات الإثنية في تشاد التي تبلغ حوالى 200 إثنية مختلفة. ويغذي هذا التنافس الإثني، صراع تاريخي بين الشمال والشرق المسلمين والجنوب المسيحي. ومن هناك، أغارت "جبهة التناوب والوفاق" على نظام ديبي وقتلته في إحدى المعارك بعد ترشحه لولاية سادسة وبعدما شاع أنه بصدد تجهيز ابنه محمد كاكا ديبي لتولّي السلطة، خلفاً له.

الداخل الليبي

الآن، تدور رُحى المعارك بين القوات المتمردة على النظام التشادي والقوات التي توحدت ضد النظام في عهد إدريس ديبي من جهة، وبين المجلس الانتقالي الحاكم في البلاد بقيادة محمد كاكا ديبي من جهة أخرى. وتتمركز العناصر التشادية المكونة من "تجمّع القوى من أجل التغيير" و"المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية" و"الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة"، إضافة إلى "جبهة التناوب والوفاق" في المنطقة الحدودية الغنية بالذهب بين تشاد وليبيا. وحصلت "جبهة التناوب والوفاق" على دعم قبائل التبو الليبية، التي لطالما شكت التهميش في عهد القذافي، كما تشكو الآن من إقصائها من الاتفاقات حول الدستور الليبي، معتبرةً أنه لا يمثّل الأقليات، وينحصر في المكون العربي فقط، ورفضت الاعتراف به وتسعى إلى فرض شروط على الحكومة الجديدة.
واعتمدت الجبهة في وجودها على اتفاقية عدم اعتداء وُقّعت مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وساعدته في المقابل في القضاء على جيوب التمرد في بلاده. غير أن انقسامات داخلية طالت الجبهة في ولائها تارةً لحفتر، وتارةً أخرى لحكومة الوفاق الوطني التي كان يرأسها فايز السراج. ويعتمد وجود "الجبهة" أيضاً على ما تردّد حول تدريبها من قبل قوات شركة "فاغنر" الروسية في ليبيا. أما البيئة التي أسهمت في تحركاتها، فهي حالة الفوضى الأمنية وسهولة الحصول على السلاح.

بيئة مساعدة

لم يتحسّن الوضع السياسي في ليبيا على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة في مارس (آذار) الماضي والسعي لتوحيد المؤسسات السياسية والعسكرية وتنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وتأثر الوضع أيضاً بالانقسامات في المؤسسة العسكرية والمطالبة بدمج القوات غير النظامية، فربما يفرض وضعاً تستمر فيه عوامل عدم الاستقرار. وفي هذه البيئة، تصعب السيطرة على الأمن في كامل البلاد، مما يحقق للقوات التشادية في الجنوب الليبي بيئة تساعدها على الاستمرار في إدارة النزاع مع حكومتها من موقعها الحدودي، وذلك لاختلال معادلة الأمن الليبي، ما من شأنه أن ينعكس على تشاد، وهو ما ينطوي على تهديدات باستهداف الحكومة الانتقالية في الأخيرة. كما أنها ستؤثر بشكلٍ آخر إذا التحمت بالجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا عبر الحدود المفتوحة وتوفّر لها السلاح. وتظهر المخاوف جليّةً بعد أن استهدف تنظيم "داعش" حاجزاً أمنياً في مدينة سبها جنوب ليبيا في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة. وتثير عودة مثل هذه الهجمات التي توقفت منذ أكثر من عام في المنطقة التي تقع تحت سيطرة قوات المشير خليفة حفتر، مخاوف من انفتاح المنطقة على مزيد من التوترات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أدوار دولية

إلى جانب الوجود الفرنسي التاريخي في تشاد، باعتبارها أهم حليف لباريس في المنطقة، وتسهم بآلاف الجنود لمحاربة الجماعات المتشددة في منطقة الساحل، مثل تنظيمات "القاعدة" و"بوكو حرام" و"داعش"، فهناك حوالى 5000 جندي يشاركون في "عملية برخان"، التي أُطلقت عام 2014 لمكافحة الإرهاب في المنطقة. هناك أيضاً إشارات إلى توغل روسي ينطلق من ليبيا، إذ نقلت صحيفة "تايمز" عن مسؤولين أن "المتمردين الذين تعهدوا بالاستيلاء على السلطة في تشاد بعد وفاة رئيسها إدريس ديبي، تلقّوا تدريبات في ليبيا المجاورة على أيدي مرتزقة روس مرتبطين بالكرملين وأن مقاتلي جبهة الوفاق من أجل التغيير بتشاد، كانوا يعملون لدى مجموعة فاغنر شبه العسكرية، التي نشطت إبان الحرب الأهلية في ليبيا". وهناك إشارات أيضاً إلى تحركات تركية يمكن أن تنافس الوجود الفرنسي في تشاد وتغيّر طبيعة الصراع هناك. وبما أن الأوضاع في كل من ليبيا وتشاد تتأثر بالتوازنات وأدوار الأطراف الدولية، ففي إطار التصدي للتحديات المقبلة، تعتمد نجامينا على خروج القوات الدولية من ليبيا لضمان عدم مهاجمتها من القوات المتمردة التي قد تفقد الدعم المباشر، المتمثل في الدعم العسكري، والأبعد أمداً المتمثل في التدريب والحماية.

دائرة نفطية

بحسب الموقع الرسمي لإدارة التجارة الدولية، فإن تشاد تملك عاشر أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، ويعتمد اقتصادها  بالأساس على عائداته التي تمثل 80 في المئة من الإيرادات الناتجة من الصادرات النفطية، إضافة إلى أنها من البلدان العشرة الأوائل في العالم في مجال الماشية، وكذلك ظهور تعدين الذهب كقطاع ناشئ. وتُعدّ الصين أهم شريك لإنتاج  النفط وتصديره في تشاد بنسبة 42 في المئة، إلى جانب شركات تصدير أميركية وتايوانية وهولندية وإماراتية وهندية وفرنسية وقطرية وتركية. وبالنظر إلى هذه المقومات الاقتصادية ومحاولات سيطرة بعض القوى الدولية على النفط الليبي، ربما يتحول التركيز بعد التسوية السياسية، من ليبيا إلى تشاد، إن لم تعمل هذه الدول على إحاطة البلدين معاً مشكّلةً دائرة نفطية تمتد من الشمال إلى الجنوب.

اتجاه الأحداث

وفقاً لمستجدات الأحداث المتمثلة في مقتل إدريس ديبي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية، فإن واقعاً جديداً على الأرض يمكن أن يتشكّل، فإما استقرار يُبنى على إجراء الانتخابات في موعدها، ما يؤدي إلى استقرار سياسي وعسكري وأمني وخروج القوات الدولية وفق التسوية السياسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في ليبيا في نهاية عام 2020 والسيطرة التامة على السلاح في جنوب البلاد، وإما استمرار الفوضى وتجدد القتال، وعليه ستظل القوات المتمردة التشادية مستمدة قوتها من تدهور الوضع الليبي، متكاملاً مع العوامل الداخلية في تشاد التي تفاقم النزاع على السلطة. وإن نشب الصراع مرة أخرى، فستكون قاعدة الأراضي الليبية ومنطقة تيبستي الجبلية الحدودية نقطتين ملتهبتين لفترة طويلة، إذا انحسرت القوات الحكومية وقوات الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر، وتأخرت هيكلة القوات المسلحة الليبية. سيختلط كل ذلك بحركة التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة التي تنشط في تهريب البشر، وربما يتحوّل الوضع إلى حرب أهلية مزمنة.

المزيد من تحلیل