في 11 مايو (أيار) الماضي، خلال كلمة ألقاها أمام مجموعة من الطلاب وممثلي الهيئات الطلابية، حدد المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي، عدداً من المعايير التي يجب توافرها في الرئيس المقبل، المقرر اختياره في انتخابات يوم الجمعة 18 يونيو (حزيران) خلفاً للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، والتي تتعدد بين أن يكون متديناً وشعبياً وثورياً ومتفائلاً ومؤمناً بالشباب وداعماً للعدالة ومناهض للفساد.
يتفق توصيف خامنئي مع ما ينص عليه الدستور الإيراني بأنه ينبغي للرئيس أن يكون شخصية دينية أو سياسية، كما ينطبق على مرشحي التيار المحافظ الخمسة، قبل أن ينسحب علي رضا زاكاني وسعيد جليلي، الأربعاء، لصالح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الذي ينظر إليه المراقبون باعتباره المرشح الأوفر حظاً بالنظر إلى ولائه الشديد لرجال الدين الحاكمين في إيران.
ومن أصل 590 مرشحاً، وافق مجلس صيانة الدستور، الذي يفحص أوراق المرشحين، على سبعة مرشحين فقط، بينهم مرشحا التيار الإصلاحي عبد الناصر همتي ومحسن مهر علي زادة، الذي سحب ترشحه أيضاً، الأربعاء، على الرغم من أنه كان يعد أقرب منافس غير محافظ لرئيسي، وقد شغل منصب نائب الرئيس بين عامي 2001 و2005 وكان حاكماً سابقاً لولاية خراسان. لكن استطلاعات الرأي التي نُشرت مؤخراً، منحت مهر علي زادة وزاكاني نسبة محدودة من الأصوات. ونظراً لأن الرؤساء مقيدون دستورياً بفترتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات، لم يكن روحاني مؤهلاً لإعادة انتخابه.
عملية استبعاد الكثير من المنافسين غير المحافظين أو الإصلاحيين شابها الكثير من الغموض مما أثار انتقادات لا سيما أن جبهة الإصلاحيين الإيرانية لن تكون ممثلة في الانتخابات الرئاسية بعد استبعاد كل مرشحيها التسعة. وكان المرشحان الأكثر شعبية ومن غير المحافظين ممن تم استبعادهم باعتبارهما غير مؤهلين هما علي لاريجاني، المحافظ سابقاً والذي يعتبر الآن وسطياً، والإصلاحي إسحاق جهانجيري.
أبعد من اختيار رئيس
لكن تصويت اليوم الجمعة، الذي يخوضه أربعة مرشحين، ثلاثة منهم من المحافظين المتشددين، لن يحدد فقط الرئيس القادم للبلاد، إذ يُنظر إليه على أنه تمهيداً لتحديد المرشد الأعلى القادم في إيران وسط تساؤلات متزايدة بشأن الخليفة المحتمل لخامنئي صاحب الـ82 عاماً. وبحسب مراقبون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" فإنه يفترض أن قائمة مجلس صيانة الدستور تمت بناء على توجيهات من خامنئي، الذي يريد أن يكون "رئيسي" الرئيس المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول وحيد يوجسوي، الباحث المتخصص في السياسيات الإيرانية لدى جامعة مونتريال في كندا، إنه بالنظر إلى استبعاد العديد من المرشحين البارزين مثل الإصلاحي مصطفى تاج زادة والبراغماتي على لاريجاني، رئيس مجلس النواب الأسبق، والشعبوي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، فإن فرص فوز رئيسي باتت مؤكدة. ويضيف أنه في هذه المرحلة، "يبدو أن مجلس صيانة الدستور قد تخلى عن الشرعية الانتخابية وهو عازم على تثبيت رئيس من التيار المحافظ في السلطة لأسباب واضحة: إمكانية حدوث المزيد من أعمال الشغب المناهضة للنظام، ولضمان انتقال سلس بعد وفاة خامنئي وابتزاز الولايات المتحدة للحصول على المزيد من التنازلات بشأن القضايا النووية الإيرانية".
مع انسحاب غالبية المرشحين المحافظين لصالح رئيسي قبل التصويت بيومين فقط، يقول الزميل لدى المجلس الأطلسي في واشنطن، سينا أزودي، إن تطورات اللحظة الأخيرة تعد فرصة كبيرة لرئيسي الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه قيد النظر لخلافة خامنئي، الأمر الذي قد لا يكون بعيداً كثيراً بالنظر إلى سن المرشد الأعلى. كما أن فرصه أعلى لأن العديد من الأشخاص الذين كانوا سيصوتون لمرشحين ممن تم استبعادهم أو انسحابهم، قالوا إنهم سيقاطعون التصويت، "كل هذه العوامل تعزز فرصه".
ويتحدث المراقبون عن شيء يتجاوز مجرد البحث عمن يخلف خامنئي في منصب المرشد الأعلى، إذ يعتقد الزميل لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، بهنام بن طالبلو، أن "خامنئي يُعد الجمهورية الإسلامية للحياة بدونه، والقيام بذلك يتطلب ترسيخ إرثه من خلال كوكبة من الشخصيات المتشددة عبر الطيف السياسي الإيراني". ففوز رئيسي أو أي مرشح متشدد آخر يعني أن خامنئي لم يعد بحاجة إلى التظاهر بأن لديه رئيساً معتدلاً لتخفيف العقوبات الدولية، وأن بإمكانه مواصلة تقييد المنافسة السياسية النخبوية مع جعلها أكثر تشدداً.
ويقول الرئيس المشارك للمعهد الأسترالي للشؤون الدولية، إيان دودغيون، إن خلفية رئيسي تشير إلى أنه سيعارض أي تحرير للمجتمع من شأنه أن يتعارض مع آرائه القوية حول القيم الإسلامية التقليدية. كما أنه من غير المرجح أن يتسامح مع أي انشقاق سياسي أو أي انشقاق آخر، خاصة إذا كان يتحدى سلطة النظام. وبصفته قاضياً، يُعتقد أن رئيسي شارك في أحداث أدت إلى إعدام آلاف المعارضين المحتجزين عام 1988، فيما يعرف بـ"لجنة الموت"، كما شارك في قمع المعارضين عموماً في الثمانينيات ويتردد أنه تم إتهامه بالفشل في تقديم قوات الأمن إلى العدالة، بعد أن استخدموا القوة لقمع المظاهرات ضد التزوير الانتخابي في عام 2009 والصعوبات الاقتصادية في عام 2019.
رئيسي وانتقال سلطة خامنئي
لطالما آثار السؤال بشأن خليفة خامنئي فضول المراقبين والسياسيين في المنطقة وعبر الأطلسي، خاصة عندما أثيرت الشائعات العام الماضي بشأن إصابته بفيروس كورونا واحتمال وفاته. يتم اختيار المرشد الأعلى، وهو أعلى سلطة سياسية في إيران، من قبل هيئة مؤلفة من 88 رجل دين تعرف باسم مجلس الخبراء الذين يتم اختيارهم أنفسهم من قبل مجلس صيانة الدستور.
وتكهن الكثيرون، على مدار السنوات القليلة الماضية، بأنه ربما يجرى إعداد نجل المرشد مجتبي خامنئي، 52 عاماً، للمنصب، إذ يتمتع بنفوذ داخل الدوائر المتشددة التي سعي والده لحشدها في المناصب والمجالس الرئيسية المعنية باختيار المرشد الأعلى بما في ذلك مجلس صيانة الدستور، كما كان دوره في قمع الانتفاضة الخضراء عام 2009 بارزاً.
لكن هناك الكثير من التشابهات التي تجمع مجتبي ورئيسي، فكلاهما ينتميان لمدينة مشهد الدينية، والأخير يحظى بدعم الحرس الثوري، ما يلعب دوراً في ترجيح كفته. وفي عام 2019، اختار المرشد "رئيسي" كرئيس للسلطة القضائية حيث قضى أربعة عقود في الهيئة الرفيعة، واختير أيضاً سكرتيراً (نائب رئيس) لمجلس خبراء القيادة، الهيئة المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى القادم.
ويقول يوجسوي إن خلافة خامنئي واحتمال حدوث فوضى هي قضية تحظى بأهمية على أجندة المستويات العليا للسلطة في إيران. ويضيف "لقد عمل خامنئي مثل الصمغ الذي حافظ على تماسك النظام. ومع ذلك، من غير المعروف عما إذا كان منصب المرشد الأعلى سوف ينتقل في نهاية المطاف إلى مجتبي، نجل خامنئي، الذي كان له دوراً مهماً في قمع أعمال الشغب المناهضة للنظام، أو ما إذا كان محجوزاً لرئيسي.. الشئ الوحيد المؤكد هو أن وجود رئيسي سوف يسهل هذه العملية كما يتضح من ولائه للنظام".
وبينما يعتقد بن طالبلو أن رئيسي قد يكون على "القائمة القصيرة" لوراثة منصب المرشد الأعلى، لكن يبدو أن خامنئي عازم على عدم تسمية خليفة علانية. على هذا النحو، قد يرغب في طرح منافسة، أو بالأحرى، سباق بين النخبة الدينية المتشددة لإثبات نفسها، بينما لايزال على قيد الحياة.
الانتخابات تُقرب رئيسي من المنصب
بالنسبة إلى رئيسي، فإن فوزه في الانتخابات يضعه أيضاً على مقربة من الوظيفة العليا الحقيقية في إيران. فبحسب المجلس الأطلنطي، من المتوقع أن يعمل رئيسي على ترسيخ موقعه في مراكز القوة الرئيسية، بما في ذلك القوات العسكرية والأمنية. كما أنه سيسعى جاهداً لتحقيق المزيد من الشرعية الدينية من خلال جذب دعم كبار آيات الله في مدينتي قم ومشهد.
ويقول بن طالبلو "لئلا ننسى، في غياب خامنئي، فإن مجلس الخبراء الذي يختار المرشد الأعلى المقبل، يمكن أن ينشئ لجنة من ثلاثة أشخاص لإدارة البلاد، والرئيس هو واحد من هؤلاء الثلاثة. وإذا كان رئيسي رئيساً وقت وفاة خامنئي، فسيكون لديه منبر للتأثير على الأمور وتمهيد الطريق لترشحه".
وبينما هناك دائماً احتمال أن يغير المرشد الأعلى رأيه بشأن رئيسي، لكن هذا يبدو غير مرجح، وفقاً للنمط المحدد عندما حل خامنئي، الذي شغل منصب الرئيس في الثمانينيات، محل آية الله روح الله الخميني في عام 1989، إذ ربما يتم الإعداد لتكرار السيناريو مع رئيسي الذي يوفر انتخابه رئيساً مظهراً للشرعية الشعبية.
غير أنه لضمان هذه النتيجة، يقول الباحث لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، على رضا إشراغي، في مقال نشره المجلس مؤخراً، إنه يجب تحييد جميع المخاطر - وبالتالي استبعاد خصومه الرئيسيين. ففي الثمانينيات، قبل أن يصبح المرشد الأعلى، فاز خامنئي بنفسه في انتخابات رئاسية غير تنافسية.
ومع ذلك، لا شيء مؤكد، بحسب إشراغي، ففي حين أن رئيسي قد يكون الرهان الأكثر أماناً في الوقت الحالي، لكن "لا ينبغي لأحد أن ينسى أن آخرين بارزين كانوا في يوم من الأيام في وضع مماثل". ويشمل ذلك صادق لاريجاني، الذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه الخليفة المحتمل لخامنئي، ولكن تم تهميشه الآن بسبب اتهامات بالفساد، كما أن هناك دلائل على أنه لا يوجد حتى الآن إجماع على رئيسي بين المتشددين.
شرعية الرئيس
ونظراً لتعقيد السياسة الإيرانية للغاية، فإنه لن يكون من السهل على رئيسي وداعميه بناء قاعدة قوة وفقاً لخططهم، ومن ثم ربما لا يقدم السباق الرئاسي الكثير لتعزيز شرعيته الشعبية لاسيما في ظل توقعات الإقبال الضعيف على التصويت الذي تشير الاستطلاعات إلى أنه لن يتجاوز 35 بالمئة، حيث يُنظر لعملية اختيار المرشحين على أنها اختيار وليس انتخاب.
وفي هذا الصدد، يشير آزودي إلى أنه في حين ربما يُجرى بالفعل إعداد رئيسي لخلافة خامنئي، فإن هناك نظريات توحي بأن خصوم رئيسي يسعون لاستغلال هذه الانتخابات لإحراجه وتشويه سمعته كرئيس من أجل التخلص منه كمنافس. فضلاً عن أنه في حال خسر سباق الرئاسة فإن فرصه ستتضاءل في منصب المرشد الأعلى، على الرغم أن كل شيء ممكن في السياسة وخاصة السياسات الإيرانية.
الاقتصاد ومحادثات فيينا
أحد الأسئلة الرئيسية التي تطرح نفسها، هو تأثير الانتخابات على محادثات فيينا الساعية لعودة إيران للالتزامات النووية بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. ويعتقد المراقبون أنه بعد أن مهد الطريق لانتصار "رئيسي"، فإن خامنئي ليس لديه سبب لعرقلة قرار سريع بشأن الخلافات مع الولايات المتحدة حول العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. بل على النقيض، قد يرغب حتى في تسريع الأمور، معتبراً أن رئيسي سيستفيد من أي تفاؤل بشأن إعادة الانفتاح الاقتصادي.
اثنتان من القضايا الرئيسية لحملة رئيسي هما إنعاش الاقتصاد ومحاربة الفساد، وسيتطلب التحسن الحقيقي في الاقتصاد الإيراني تغييرات أساسية لجذب الاستثمار الأجنبي وتقليل الاعتماد على قطاع النفط. وقد يتجلى هذا حتى في التلاشي التدريجي للسياسات والشعارات المعادية لأميركا وإسرائيل، إذ أنه بحسب المجلس الأطلنطي فإن إيران أظهرت نفسها مراراً وتكراراً على أنها براغماتية للغاية عندما كان بقاؤها محل شك، ومن ثم يمكن "للمتشددين" أن يخففوا من المواقف التي لم تحظ بتأييد شعبي كبير.
ومن ثم فإن مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة ستكون حاسمة بالنسبة للاقتصاد. ويقول آزودي إنه إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الإدارة الأميركية السابقة في مايو 2018، يمكن لإيران الاستفادة من مزايا الاتفاق، إذ سيتم رفع العديد من العقوبات مما يوفر بعض الإغاثة الاقتصادية والمالية الفورية لإيران.